قصيدة الأجور والشاعر الوزير

لم يستسلم شربل نحاس حتى الآن. سوف يدخل جلسة مجلس الوزراء اليوم متسلّحا برأيه وموقفه من قضية تصحيح الاجور على الرغم من مرور اكثر من ثلاثة اشهر على وضع هذه القضية في التداول, ورفض مجلس الشورى ثلاثة مراسيم اقرتها الحكومة, وهي سابقة لم يشهدها لبنان من قبل.

تحولت قضية الاجور في لبنان الى قصيدة, ويكاد وزير العمل يغدو شاعرا يهندس ابياتها ويعدّل في قوافيها كي لا تخرج عن بحور الشعر المعتمدة من زمن الخليل الفراهيدي. لكن مشكلة نحاس أن في مواجهته شعراء من وزن جرير والفرزدق يناصبونه التحدي, فأمست الحكومة منتدى اين منه «سوق عكاظ».

كان من السهولة بمكان على وزير العمل ان يخرج على الناس قائلا: «اعذروني… لقد خسرت المعركة. وما دام القاضي راضيا (الاتحاد العمالي) فانني اعلن استقالتي من هذه الحكومة». لكن الوزير لا يبدو ممن يسقطون الراية بسهولة امام التسويات.
شربل نحاس, الخبير الاقتصادي والمالي والاجتماعي, الانسان المتهم باليسار والمشحون بعرق الكادحين والفقراء, الغريب عن الطبقة السياسية والاقتصادية الحاكمة, السياسي الحالم بالاصلاح, يريد ان يحدث تغييرا اجتماعيا يحاكي الربيع العربي, ما دام النظام اللبناني لا يهتز سياسيا جراء ما يدور حوله من احداث. وبالتأكيد لم يفت نحاس ان الثورة في لبنان صعبة, وان الممسكين بتلابيب البلد ونظامه واقتصاده اقوى من التغيير والاصلاح, واكثر صلابة من الكادحين والاجراء والعمال الذين فرّقتهم السياسة فانقلب بعضهم على وزير العمل الذي يسعى جاهدا لتحقيق مكاسب غير تقليدية لهم. يعرف شربل نحاس, كما يعرف غيره, أن هناك مئات الآلاف من العمال والاجراء لا يتقاضون بدل النقل. ولذلك فهو يحاول انصافهم بدمج هذا البدل في الراتب كي لا يتهرّب ارباب العمل من الوفاء بالتزاماتهم.
يعرف شربل نحاس أن معظم المؤسسات تسجل اجراءها في صندوق الضمان بأقل من الراتب الحقيقي تهربا من المساهمة الحقيقية في الاشتراكات عن المضمونين. لذلك فهو يسعى الى رفع الحد الادنى للاجور الى المستوى الذي لا يستطيع معه اصحاب العمل التهرّب بأقل من الحد الادنى للاجور.
ولعله من الطبيعي أن تسجَّل هذه الاهداف للوزير بأحرف من نور. ومن حق نحاس ان يستغرب, ومعه الكثيرون, كيف يساوم الاتحاد العمالي على هذه الاهداف بحجة أن اصحاب العمل عاجزون عن ذلك. لذلك تمكن شربل نحاس حتى الآن من خلق اتحاد عمالي مواز للاتحاد الرسمي من خلال هيئة التنسيق النقابية وبعض الاتحادات المنضوية اساسا في الاتحاد الاصلي, وابرزها الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين.

لقد نجح شربل نحاس حتى الآن في الصمود بوجه كل هذه الرياح العاتية. لكن خصومه في الحكومة وخارجها نجحوا ايضا في «تيئيس» الناس وادخال الاحباط الى صفوفهم, بعدما أكل الغلاء الزيادات المفترضة على اجورهم قبل ان تولد, حتى بات البعض ينادي بـ«أي حل» يفضي الى تحسين الرواتب, محترما في الوقت نفسه «شاعرية» شربل نحاس التي لم تطعمهم خبزا حتى الآن, ومقدرا ان الشعراء المنافسين للوزير اكثر شطارة في الزجل السياسي.
سيكون مجلس الوزراء هذا المساء امام حلقة شعر جديدة لانتاج قصيدة باتت مملّة ومعيبة وتأكل من رصيد الحكومة التي فقدت الكثير حتى الآن واصبحت على شفير الانهيار… فهل يحمل نحاس في جيبه مفاجأة جديدة؟  

السابق
نتنياهو وتهديدات بقتله عبر فيسبوك
التالي
مواطن رفض تسلم ابنته..