ترويكا… تستولد ترويكا!

تشكّل عودة السفيرين الأميركي والفرنسي إلى دمشق طليعة المراقبين، والبقيّة ستأتي وفق البروتوكول، وهذا بحاجة الى توضيح، إذ يقول الأمير سعود الفيصل بأنّه جزء لا يتجزّأ من المبادرة العربيّة، ويردّ عليه الوزير وليد المعلّم: “نحن وقّعنا على البروتوكول، وليس على المبادرة، المبادرة أمر مختلف”. حتى في التوقيع يوجد إشكاليّة، “نحن وقّعنا – كما يقول المعلّم – لأنّ الروس طلبوا أن نفعل”، هذا يعني أنّ البروتوكول ليس مجرّد نصّ، بل ” أوراق اعتماد” لتدخّل خارجي.

وكانت عودة السفيرين مفاجئة من حيث التوقيت، ومنضبطة الى حدّ أنّ الخارجيّة السوريّة لم تحرّر لغاية الآن أيّ مخالفة سلوك بحقّهما، خلافاً للمرّات السابقة، لأنّ السفيرين ربّما وضعا حدّا لسياحتهما الأمنيّة في المناطق السوريّة المنتفضة، ولم يسجّل لغاية الآن أيّ تحرّك لهما من هذا النوع، ربّما لأنّ مهمّتهما لم تعد مقتصرة على دعم الانتفاضة وإسقاط النظام فقط، بل على مراقبة النشاط الروسي والإيراني المتزايد في سوريا، بمعنى آخر، إنّ المهمّة لم تعد أمنية، بل استراتيجيّة أيضا.

وأن يوقّع فيصل المقداد على البروتوكول نزولاً عند النصيحة الروسيّة، وبعد عودة السفيرين، فهذا يعني أنّ البرتوكول قد أصبح في عهدة ترويكا أميركيّة روسيّة فرنسيّة، وتحت إشرافها، أمّا الجامعة العربيّة فحظيت بشرف اللقب فقط، ودورها مكمّل لأدوار الآخرين. واحتفلت سوريا بمراسم التوقيع على طريقتها، فنفّذت مناورة عسكريّة، وانطلقت الصواريخ من مناطق عدّة كاختبار لعرض القوّة، وجاء الردّ سريعا من الخليج، حيث دعا الملك عبدالله بن عبد العزيز قادة دول مجلس التعاون للانتقال الى الوحدة لمواجهة التحدّيات المصيريّة. والجامع المشترك بين الحديثين واضح، يقول الخليجيّون إنّ ما يجري في سوريا لم يعد انتفاضة لإسقاط النظام، وهذا مطلب المجلس الوطني الرئيسي، بل تجاوزه الى الانفلات الأمنيّ الذي يتقدّم كلّ الأولويّات بعدما أخرج الأمور عن طورها، وأصبحت الساحة السوريّة متاحة أمام كلّ العروض والمؤثّرات الخارجيّة، وتحوّلت الى ساحة ساخنة للبريد السريع بهدف إيصال الرسائل العاجلة، وتسديد الفواتير الكثيرة، وتصفية الحسابات المعقّدة عند هذا الطرف الإقليمي أو الدولي.

ويقول الخليجيّون إنّ المناورات الصاروخيّة كانت مجرّد عرض عضلات، لكنّ الخطير أنّ العرض كان سوريّا، فيما الصواريخ كانت روسيّة وإيرانيّة، أمّا الرسائل فكانت باتّجاهات ثلاثة، الأوّل برسم تركيا، والولايات المتحدة الأميركيّة، والحلف الأطلسي، وعنوانها واضح: “صواريخ مقابل صواريخ، وإذا كان هناك من عزم وتصميم على نشر منظومة الصواريخ الأميركيّة المتطوّرة التابعة لحلف الناتو في تركيا، فإنّ في المقابل هناك عزماً وتصميماً على نشر الصواريخ الروسيّة والإيرانيّة المتطوّرة في مختلف الأرجاء السوريّة، وعلى قاعدة العين بالعين، والسنّ بالسّن، وكما تراني يا جميل أراك ؟!”.

والثانية هي برسم الجار التركي، وعنوانها واضح: لا ممرّات إنسانيّة، ولا مناطق عازلة مستحدثة بفعل الآلة العسكريّة، وكلّ تحرّك عسكريّ تركي عبر الحدود، مهما كان نوعه، وأيّا كان هدفه، سيردّ عليه بالقوّة عينها أيّا تكن النتائج والتداعيات”.

والثالثة برسم الجامعة العربيّة، وتحديداً برسم دول أعضاء المبادرة، وعنوانها: “إنتهى زمان الوصل في الأندلس، ومعه الترف العربي في تدبيج المبادرات الموحى بها من العمّ سام، وسائر الأعمام والأخوال الآخرين، وانتهى زمن تدثير هذه المبادرات بالعباءة العربيّة والكوفيّة الخليجيّة، وذاب الثلج وبان المرج، واتّضح أنّ ما صنع من الخارج هو للخارج، سواء تصدّر التركيّ داود أوغلو الاجتماعات العربيّة، أو غيره”.

ويقرّ الخليجيّون في مجلس تعاونهم، وبعد قمتهم الأخيرة بضيافة العاهل السعودي، بأولويّات منها أنّ الساحة السوريّة لم تعد مُلكَ أصحابها، أكانوا من أهل النظام أم من أهل الانتفاضة، بل مُلكَ الآخرين، وإنّ الصراع تطوّر من إسقاط النظام الى إسقاط الدرع الصاروخيّة الأميركيّة المتطّورة في تركيّا، وإنّ جوهر هذا الصراع يدور حول الكوتا التي يريدها كلّ طرف من الثروة النفطيّة في المتوسط بعدما أفضت الأبحاث الى اكتشاف حقول غنيّة من الغاز والنفط تستحقّ المجازفة، ويمكن أن يحسب لها ألف حساب، وإنّ ما يجري ربّما يكون مجرّد خطوة أولى في مسافة الألف ميل تقود الى إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط إلى مناطق نفوذ نفطيّة، وإنّ التروكا الدوليّة التي تظلّل الوضع السوريّ، تستولد ترويكا إقليميّة إيرانيّة تركيّة إسرائيليّة لا مكان للعرب فيها أو بينها؟!.

السابق
إسرائيل تترقب الربيع العربي بقلق ..وترصد مناورة سوريا…ولبنان
التالي
الجنس الإباحي على الفايسبوك