البحث عن الصحافة المناطقية في أتراب التاريخ

 تقع الصحافة المناطقية رهينة "التهميش"، إذ تراها تعيش حال من اللامبالاة، فدورها مغيّب لصالح الصحافة المركزية التي تتركز في العاصمة، ولا تُعار أي إهتمام عكس الصحافة المناطقية في أوروبا والولايات المتحدة التي تلعب دوراً مهماً في المجتمعات المحلية.
من المتعارف عليه "أن الصحافة تكتب التاريخ" ..لكن هل صحافتنا تكتب تاريخاً؟ سؤال حتمي غير أنّ جوابه "مبهم الى حد ما"، فالتاريخ يعتمد على "النبش" في أعماق المدن والقرى وتسليط الضوء على كافة أبعادها السيكولوجية والتراثية والحرفية . . بيد أن هذه الصورة التي يحاول البعض "ترميمها" تنقض على "وحش القٌصر المادي".
وهذا ما يعتبره الزميل سامر حاج علي "يؤثر على الواقع الذي وجدت الصحافة بالأصل لتنقل صورته"، إذ يشير الى "إرتهان الإعلام الذي كان حتى الأمس حراً ومتحدراً من قيود العزلة والتبعية لرأس المال والسياسة فبات ينقل صورة فئة معينة دون أخرى،وبات الصحفيين في المناطق أشبه بجدار يعلق عليه جمع من البطاقات الإعلامية للمؤسسات التي من المفترض أنهم يعملون فيها، مع العلم أن دور المؤسسات الإعلامية المرئية بات يتوسع اليوم في المناطق النائية للبحث عن سبق ما".
على الساحة الجنوبية لا يوجد مجلات وصحف مناطقية تعمل وفق أصول المهنة الصحفية، إذ كلها تولد من اجل هدف "جنوبي" وتتحول الى هدفٍ "تجاري.
ويرى الزميل علي حلاوي أن "مجلة شؤون جنوبية، بدأت كمحاولة جادة لتأكيد محورية الصحافة المناطقية واذ بها وخلال سنوات معدودة تحجز لها مكاناً على مساحة محافظتي الجنوب واقضيتها وقراها، وذلك يعود الى تغطيتها الواسعة من خلال مراسليها وصحافييها المنتشرين على طول مساحة الجنوب، والمضطلعين بالتفاصيل الدقيقة لما يحصل، اضافة الى انفلاتها من القيود الحزبية الجامدة وهو ما يحرر اقلامها ويجعل منها صوتاً صريحاً لما يحدث دون ضغط او تشويه".
هذا بالشكل العام ولكن التوغل الى عمق الأعماق للتقصي عن الصحافة المناطقية نجد اننا أمام مـأزق خطير ومنعطف يتصف بحركات إلتوائية، أخذ من الصحافة قيمتها. حين سؤال أحد الزملاء الإعلاميين في الجنوب عن "الصحافة المناطقية" ضحك ضحكة ساخرة قبل أن يجيب: "قصدك صحافة المكاتب التجارية" ثم يتابع "المراسل لا يتحرك ليأتي بخبره… بل يُريده أن يأتي إليه، أضف الى أنه بالحد الأدنى هناك أشخاص بالمكان الخاطئ لا يوجد في جعبتهم إلمام ثقافي، ولا حنكة كتابية ولا حتى "حرتقات" صحافية ذات نكهة جنوبية".
ويطرح الزميل سؤالاً يدلّ على حجم المشكلة، يقول: "من يعمل اليوم "صحافة" جادة ؟ ويجيب: " للأسف، لا أحد، إلا قلة قليلة ومعدودة، نحن نسلم جدلاً أن الصحافة المناطقية لا تعيرها الصحف المركزية كثيرا من الرعاية ولكن هل أحدُ يرفض الموضوع الجميل واللافت..طبعاً لا..للأسف يوجد مراسلين لا يركضون الا وراء خبر ذات منفعة مادية".. إذن تقف الصحافة المناطقية حائرة متسائلة وربما متجهمة تحاول أن ترسم مسار أخر ولون أخر ولكن يطغى لون "الاعلان على الاعلام" لأن الضائقة المالية أغرقتها في أتون البحث عن الوجود.
يقول الباحث علي مزرعاني "شؤون جنوبية" المجلة الوحيدة الصامدة "تحرك الذاكرة التراثية والثقافية وتطل على مشاكل كل القرى دون استثناء، تنبش الذاكرة المنسية وتوثقها وتلعب دوراً في حفظ الذاكرة الجنوبية وأيضاً تضيء على الحرتقات وعلى ذاكرة الصورة، التي تعد مورورثاً تاريخياً تراثياً اجتماعياً مهم".
ويجد الزميل كامل جابر أنّ " الصحافة المناطقية فقدت الكثير من نكهتها بسبب غياب الحماسة، في حين أنها لم تعد مهنة المتاعب الممتعة عند البعض بل أضحت مهنة تجارية تسيس "بلغة المال" وليس بلغة "القضية الوطنية" لكن مَنْ المسؤول عن هذا الأمر؟ يعود جابر ثلاث أمور أولها: "أن الصحيفة لا تكفي مراسلها وتعطيه بما يليق به، ثانيها: أنّ الصحافة المناطقية مكلفة، ثالثها الفساد المالي الذي يقدمه بعض السياسيين والجهات المعنية للصحافي " ، يتبع كلام جابر الكثير من "الوجوم"، التجهم والتساؤل.
في الجنوب عدد من المراسلين يسلطون بالحد الأدنى على أوجه الجنوب المتعددة فيما الباقي ينام في سبات الخبر لأن الامكانيات المادية تعيقه وهو "معذور"، وفي هذا السياق يرى الزميل حسين سعد " أنّ الصحافة المناطقية تتحسن من ناحية اداء المراسل او الاهتمام بموضوعه، فاليوم افضل نوعاً ما من السابق ولكن المادة الدسمة غابت، فقد تحول صحافيو المناطق الى ناقلي اخبار مناسبات في كثير من الأحيان، ولا بدّ من الإلتفات إلى أنّ الصحافة الإلكترونية تأخذ حيزاً مهماً اليوم وهي شكل من أشكال الصحافة المناطقية، لكنها غير منظّمة".
إذن، لا شيء يشي أن الصحافة المناطقية تسير على قدمٍ وساق في ظل المعوقات الجمة التي "ترشق" في طريق حضورها، ما يقيدها ويحولها رهينة "الاعلان اكثر من الاعلام وهذا إن دل على شيء إنما يدل على مدى إنحراف الصحافة عن مسارها اذ تجدها "شبه منطوية على ذاتها ويكاد أن يكون دورها "قروي" الى حد ما، إذ يعتبر البعض الصحافة المناطقية "ثانوية" أو ربما "متطفلة" على الصحافة المركزية، أضف الى أننا نادرا ما نرصد صحافة مركزة تعنى بالجنوب، وإن حضرت تكون مقتصرة على منطقة معينة تحت عنوان "صحافة القرية".. على حد قول أحد الزملاء".

لمحة تاريخية
عام 1909 صدرت أول مجلة مناطقية وهي "المرج المرجعيونية" وذلك بعد إعلان الدستور العثماني إثر الانقلاب على السلطان عبد الحميد، لتكر السبحة مع "مجلة العرفان" لأحمد عارف الزين، لتصاحبها جريدة "جبل عامل" في العام 1911 وتتوقف بسبب السقم العثماني، فيما تستمر العرفان ولكن بشكل متقطع".
وفي العام 1926 عادت "المرج" للصدور من النبطية واستمرت حتى الثلاثينات ثم توقفت، لتصدر جريدة "القلم الصريح" لـ ألفريد بو سمرا تبعها "النهضة المرجعيونية" عام 1929 ثم صدى الجنوب عام 1942 التي إهتمت بأخبار الجنوب المحلية والاجتماعية "فكانت رسول بين المقيم والمغترب وكان فيها كثير من التعب الذي يبذله رئيس التحرير فهو الموظف والمحرر معا، وقليل من الربح المادي" كما يقول الباحث علي مزرعاني.
ويستعرض مزرعاني الصحافة المناطقية التي لعبت دوراً ريادياً في نشر وحفظ الثقافة العاملية، "في العام 1979 صدرت مجلة "الجزيرة" في صيدا، تبعها جريدة "حرمون" في ثمانينات القرن الماضي إستمرت 4 سنوات ولكنها لم تغطِ الموضوع كما يجب" ثم جاءت مجلة "شؤون جنوبية" التي ركزت على "الاخبار البعيدة عن "المحاداة" مع الشخص، وأضاءت على الكثير من الامور التي لا تنقلها الصحف المحلية، من المتاحف، التراث، أخبار الكتَاب، الثقافة الداخلية" يقول مزرعاني الذي يرى أنها أرشفت ووثقت لجنوب لبنان خلال العشر سنوات وهذا عمل يعتد فيه ويتكل عليه".
 

السابق
وشم على يد مرافق نصر الله يلفت الانتباه ذو الفقار برأس أو برأسين.. ومصدره السماء أو الأرض!
التالي
الأخصائية صفا دياب: المطلوب الحذر من بعض الوصفات لأنها تؤدي لسوء تغذية