السفير: الاستقرار أولاً.. تمرير التمويل وحماية الحكومة بري متفائل وميقاتي حذر وجنبلاط يخشى من الفراغ

تلاحقت الاتصالات في مختلف الاتجاهات أمس بغية بلورة «صيغة حل» لأزمة المحكمة والحكومة، إلا أنه تبين حتى ساعة متأخرة من الليل أن هناك عقبات عدة ما زالت تعترضها، علماً أن السلة المتداولة تنطلق من مبدأ تمرير تمويل المحكمة بعد إيجاد الإخراج المناسب له، على ان يواكب ذلك تجاوب متدرج مع مطالب العماد ميشال عون، بما يؤمن في نهاية المطاف حماية الحكومة وضمان استمراريتها حتى إشعار آخر، إلا أن ترجيح كفة هذا السيناريو المتفائل يبقى متوقفاً على نتائج المفاوضات المتواصلة، والتي بات انعقاد مجلس الوزراء بعد ظهر اليوم مرتبطاً بها.

وإذا كانت قضية التمويل أصبحت قابلة لتسوية ما، إلا أن النصف الآخر من الحل والمتعلق بمطالب العماد عون ما زال غير مكتمل حتى الآن، الامر الذي سيؤدي الى مقاطعة وزراء تكتل التغيير والاصلاح جلسة مجلس الوزراء اليوم، كما أكدت ليلاً لـ«السفير» مصادر قيادية في التيار الوطني الحر، مشيرة الى «ان هناك بداية إيجابية في التعامل مع طروحاتنا ولكنها ليست كافية للمشاركة في الجلسة». شددت المصادر على ان وزراء التكتل لن يعودوا الى مجلس الوزراء إلا بناء على تصور واضح، معتبرة أن الأزمة الحالية مفتوحة على احتمالي المعالجة والتفاقم، والأمر يتوقف على مدى إمكانية تطوير الإيجابيات الأولية التي ظهرت.

وفي حين كانت الأنظار متجهة الى أزمة المحكمة والحكومة، استحوذ إطلاق الصواريخ من المنطقة الحدودية في اتجاه شمال فلسطين المحتلة على الاهتمام، سواء من حيث توقيته ام رسائله، فيما كان لافتا للانتباه أن جميع الأطراف المعنية سارعت الى احتواء الحادث واعتباره معزولاً في الزمان والمكان، حيث تجنبت إسرائيل تحميل حزب الله مسؤوليته وأعطت إشارات الى رغبتها في عدم التصعيد، كما دعت الولايات المتحدة الى ضبط النفس، شأنها شأن الأمين العام للامم المتحدة بان كي مون.
 سباق الحل والأزمة
وبالعودة الى مشكلة تمويل المحكمة وتداعياتها الحكومية، تكتم «الطاهي» الأساسي لطبخة الحل الرئيس نبيه بري على تفاصيل سيناريو التسوية الذي يسعى الى تسويقه لدى المعنيين، فيما يُفترض ان تحمل جلسة مجلس الوزراء المقررة اليوم في قصر بعبدا المؤشر لما ستؤول إليه المشاورات المكثفة التي يُرجح أن تتواصل خلال ساعات النهار، فإذا طارت الجلسة تكون التسوية غير ناضجة بعد، وإذا عُقدت في موعدها تكون أبواب الانفراج قد فُتحت.
وفي إطار السعي الى حياكة خيوط التسوية وتفكيك عقدها، التقى الرئيس بري أمس الرئيس نجيب ميقاتي ثم النائب وليد جنبلاط، بينما أوفد العماد عون الوزير جبران باسيل الى قصر بعبدا للقاء الرئيس ميشال سليمان، وجال المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسين الخليل على بري وميقاتي وعون، فيما اتصل ميقاتي برئيس الجمهورية وتردّد أنه التقى ليلاً الوزير غازي العريضي، ثم الوزير علي حسن خليل والمستشار الإعلامي لرئيس مجلس النواب علي حمدان، علماً ان رئيس مجلس الوزراء كان قد استقبل نهاراً البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي حملت زيارته الى السراي دلالة رمزية وحتى سياسية، بالغة الأهمية، لكونها المرة الاولى التي يزور فيها بطريرك ماروني رئيس حكومة، خصيصاً للقائه، وليس للمشاركة في مناسبة عامة.
تقدم حذر

وأكدت مصادر مطلعة لـ«السفير» ان الاتصالات المكثفة حققت تقدماً، ولكن من دون ان تؤول بعد الى نهاية سعيدة، لافتة الانتباه الى ان مشروع الحل يمكن ان يختمر اليوم، على ان يتم تظهيره قبل جلسة مجلس الوزراء أو خلالها، شرط أن تحصل خطوات حاسمة في هذا الاتجاه. وأكدت أن أي حل لن يلحظ بأي حال موافقة الرئيس بري وحزب الله على التمويل لأنهما لن يمنحا أي تغطية مباشرة او غير مباشرة للمحكمة الدولية.
وأوضحت المصادر ان التسوية التي يتم العمل على إنضاجها تقوم على إيجاد مخرج للتمويل يريح ميقاتي، في موازاة إعطاء قوة دفع للمطالب التي طرحها العماد عون والمتصلة ببعض المشاريع الحيوية والتعيينات التي يأتي في طليعتها تعيين رئيس مجلس القضاء الأعلى، مشيرة الى ان وزير العدل رفع اقتراحاً بالاسم الذي يطرحه لرئاسة مجلس القضاء الأعلى، ويفترض ان يسلك طريقه الى جدول الأعمال لمناقشته في مجلس الوزراء، كما أن وزير العمل رفع الى المجلس عدداً من المشاريع المتصلة بملفات وزارته.
واعتبرت المصادر ان كلام العماد عون عن استعداده للتعاون في مسألة المحكمة على قاعدة ان التمويل فدية لحماية الاستقرار الداخلي، أعطى إشارة الى بدء العدّ التنازلي للأزمة.
ارتياح رئاسي
من ناحيتها، أبلغت مصادر مقربة من رئاسة الجمهورية «السفير» انه وفي ضوء اللقاءات التي أجراها الرئيس سليمان وكان آخرها ليل أمس مع الوزير باسيل، تم التوصل الى إجماع على ان لا مصلحة لأحد بتطيير الحكومة الحالية لاعتبارات عدة، من بينها التطورات المتلاحقة في المنطقة والتي تفترض وجود مؤسسات دستورية فاعلة لا سيما مجلس الوزراء، وصعوبة تشكيل حكومة جديدة في ظل الانقسام السياسي الراهن.
وأشارت المصادر الى ان جميع الفرقاء خفضوا سقف الخطاب والشروط واحتكموا الى الحوار للوصول الى تسوية وهذا بحد ذاته نصف الحل، ولفتت الانتباه الى ان هناك محاولة لبلورة صيغة بشأن تمويل المحكمة، تحافظ على التضامن الوزاري ولا تعرض لبنان لأي مخاطر.

بري متفائل
أما الرئيس بري فأبلغ «السفير» ان اجتماعه مع ميقاتي كان إيجابياً، متوقعاً التوصل الى صيغة تتيح معالجة أزمة تمويل المحكمة وبقاء الحكومة وتفعيل إنتاجيتها، ولكنه رفض الكشف عن تفاصيل هذه الصيغة.
جنبلاط.. وأولوية الاستقرار
وقال النائب وليد جنبلاط لـ«السفير» إن الرئيس بري يبذل قصارى جهده لتحصين الوضع الحكومي ومعالجة الخلاف حول تمويل المحكمة، واعتبر أن الأولوية في هذه المرحلة الحساسة يجب أن تكون للعمل من أجل التلاقي بين الأطراف الداخلية، بغية حماية الاستقرار في مواجهة التداعيات المحتملة للأحداث التي تجري في المنطقة، خصوصا في سوريا، مشدداً على ان الحكومة الحالية هي أحد العوامل الاساسية لضمان هذا الاستقرار، لأن البديل عنها هو الفراغ المفتوح على كل الاحتمالات.
وكان جنبلاط قد أكد بعد لقائه بري أنه وفي ظل الغيوم التي تتلبد في سماء المنطقة لا يمكننا إلا ان نتواصل، وأضاف: جميل جداً أن نطلب الحلول السحرية، ولكن ليس هناك حل سحري إذا لم نجلس سوياً، وألمنا كبير بأن سوريا في محنة كبيرة، وأياً كانت الحسابات بين من يلتصق بالنظام ومن يراهن على سقوطه، يبقى الأمن والوحدة الوطنية في سوريا مرتبطين بالأمن والوحدة الوطنية في لبنان، لذلك علينا ان نحاول كلٌ من جهته ألا نراهن أكثر من اللازم وان نساعد سوريا، إذا استطعنا، للخروج من المحنة، والباقي نتركه على الرؤساء سليمان وبري وميقاتي ولننتظر ماذا سيجري غداً (اليوم).

ميقاتي منفتح
من جهته أكد ميقاتي أنه يجري العمل على حل ما لموضوع تمويل المحكمة الدولية والأبواب مفتوحة وقيد البحث «لكن لا شيء نهائياً بعد»، معتبراً ان جلسة مجلس الوزراء في موعدها اليوم.
ورداً على سؤال قال: من الطبيعي ان تنعقد الجلسة وأن ادعو الى جلسة اخرى في حال لم تعقد الجلسة غداً (اليوم)، وسأجري الاتصالات المناسبة .
واشار الى أن «حزب الله» يؤكد انه مع بقاء الحكومة، لكنه لم يعلن موافقته على التمويل، «وموقفي واضح من هذه المسألة، وأنا اشدّد على ضرورة التمويل».
عون.. و«الفدية»
وفي سياق متصل، اعتبر عون بعد اجتماع تكتل التغيير والإصلاح أنه ليس متزمتاً في ما يتعلق بالمحكمة الدولية، «ولكن هنالك أصول». وأضاف: أما إذا كانت الحكومة تعتبر أنها ستدفع فدية للحفاظ على الاستقرار الداخلي فإن الأمور تصبح معقولة. وأكد «استعداده للتعاون لإيجاد حل للمحكمة الدولية ولكن شرط ألا يسبب انقساماً في لبنان».
وعما إذا كان وزراء التكتل سيحضرون جلسة مجلس الوزراء اليوم، قال عون: هناك مواضيع شائكة، وأنا لا أعتقد أن هناك إمكانية لحلها، ولكن هناك امكانية للبدء في حلها. وتابع: نحن حتى الآن لم نتكلم عن الاستقالة، لكننا لن نكون «خيالات صحراء»، فالسياسة هي فنّ الممكن، وأنا أضيف أنها أيضاً «رفض اللامقبول». 

السابق
البناء: اتصالات الساعات الأخيرة تحسم مسار جلسة اليوم
التالي
الانباء: جلسة حاسمة لمجلس الوزراء اللبناني اليوم: تمويل أو تأجيل وإلا فاستقالة الحكومة