الأسد رسائله صاروخيّة وحزب الله بطيء

ما إن نطقَ وزير الخارجيّة السوريّ وليد المعلّم بتهديده: "انتهاء السياسة الهادئة بدءاً من اليوم"، حتى عرض النظام النموذج الأوّل من "بضاعته": صواريخ على الجليل… والبقيّة تأتي!

ليست العملية الأمنيّة التي شهدتها الحدود اللبنانيّة – الإسرائيليّة من النوع الذي ينخرط فيه "حزب الله"، ولا حتى يباركه أو يوافق عليه، لا في النوع ولا في التوقيت. هذا ما تؤكّده الأوساط المطّلعة على موقف "الحزب" أمس.

وتنفي مصادر "الحزب" صراحةً أيّ علاقة له بإطلاق الصواريخ. ويلتقي هذا النفي مع تقرير المصادر العسكرية الإسرائيلية التي تستبعد ضلوع "حزب الله" في العملية. وفي تقدير الأوساط، أنّ الأب الشرعيّ لهذه الصواريخ موجود في دمشق.

في قراءة هذه الأوساط، إنّ إطلاق الصواريخ على الجليل هو أحد علامات الأزمنة الآتية على سوريا. فالنظام بات على اقتناع بأنّه أصبح في المواجهة المحتومة مع الداخل والجامعة العربية والمجتمع الدولي. والمعلّم أفصح عن رؤية النظام إلى المستقبل عندما قال: "الجامعة العربية تريد الوصول إلى التدويل في سوريا".

والتدويل سيستدعي لاحقاً شكلاً من أشكال التدخّل العسكري في سوريا. وهو ما حذّر منه الرئيس بشّار الأسد قبل أسابيع في حواره مع "الغارديان" البريطانية، عندما قال إنّ "أيّ تدخّل غربيّ في سوريا سيشعل زلزالاً في الشرق الأوسط". و"الزلزال" المقصود شرَحَه سابقاً في آخر لقاءاته مع وزير خارجيّة تركيا أحمد داود أوغلو، وهو يتضمّن فصولاً كارثيّة: مئات الصواريخ من الجولان والجنوب على إسرائيل، وصواريخ "بالستيّة" إيرانيّة على نفط الخليج والقواعد الأميركيّة، وإقفال المضائق، وعمليّات ضدّ المصالح الغربية في العالم…
 

إذاً، بين الأسلوب اليمني في التخلّي السلميّ عن السلطة وخيار "الزلزال"، فضّل النظام في دمشق اعتماد الثاني. وكشف المعلّم عن ذلك بإعلانه "انتهاء السياسة الهادئة". وبعد ذلك بساعات قليلة، ترجَمَ النظام "فقدان هدوئه" في الجنوب اللبناني.

وتميل المصادر المتابعة إلى فرضيّة اعتماد سوريا مجموعات فلسطينيّة مسلّحة خارج المخيّمات، لتكليفها القيام بمهمّة إطلاق الصواريخ على الجليل. وهذه المهمّة لا يقبل "حزب الله" بتنفيذها راهناً، لأنّها ستؤدّي إلى الإضرار به كثيراً، واحتراقه بالكامل في ذروة أزماته في الداخل ومع المجتمع الدوليّ من خلال استحقاق المحكمة، فيما هو يتأنّى كثيراً في خطواته.

فدمشق تريد من الرسالة الصاروخيّة في الجنوب، تحييد الجولان و"تأجيله" إلى مرحلة الخيارات القصوى"، وإظهار امتلاكها لأوراق خارج حدودها، ومنها الورقة اللبنانيّة. فهي تبحث عن سبيل لإقناع المجتمع الدوليّ بالتخلّي عن عمليّة إسقاط النظام، تحت طائلة إشعال المنطقة. والصواريخ الجنوبيّة عيِّنة أوّلية ورمزيّة لما يلوّح به النظام.

لكنّ "حزب الله" له حسابات أخرى. هو بالتأكيد يلتقي مع النظام في المحور الاستراتيجي، لكنّ حيثيّاته اللبنانية تدفعه إلى اتّخاذ كلّ الاحتياطات للبقاء على قيد الحياة، بالنظام أو من دونه. وهو يمتلك أوراقاً قويّة لا يمكن أن يحرقها من أجل النظام، مهما كان حيويّاً له، خصوصاً إذا تأكّد أنّ هذا النظام ساقط حتماً.

صواريخ الجليل تُخبر هذه المرّة عن شيء مختلف: النظام يلعب لعبته الأخيرة "عليّ وعلى أعدائي"، فيما "حزب الله" يبحث مع الثلاثي برّي – ميقاتي – جنبلاط في سبل تدوير الزوايا لمواجهة استحقاقه الخاص، وليس استحقاق النظام. ومن هنا، سيمرّر "الحزب" قطوع التمويل بما يحفظ ماء الوجه للجميع، ويبقي "حكومته" و"أكثريته".

تسوية 2005 ما زالت قائمة

الرسالة الصاروخيّة حملت في طيّاتها مضموناً، يضاف إلى ذلك الذي يوجّهه النظام إلى المجتمع الدولي. إنّه بدءُ زمن الحسابات الخاصة لكلّ من سوريا وطهران و"حزب الله". فما من أحد مستعدّ للموت من أجل الآخر. و"التوقيت الصاروخيّ" الذي يحرّك النظام للبقاء على قيد الحياة، يخالف الهدوء الذي يبديه "الحزب"، على أمل انخراطه في التسوية الوطنية الكبرى. وفي أيّ حال، يستطيع "الحزب" أن يحفظ حضوره ودوره لمجرّد انضوائه في التسوية التي لم يشأ القبول بها في العام 2005، عندما فتحت له 14 آذار هذه الطريق. وعلى رغم المحاذير التي تعترض سلوك "الحزب" إزاء المحكمة، فإنّ الطريق لم تقفل في وجهه. و"الحزب" يدرك ذلك، ويبلغ محاوريه "الوسطيّين" به.

من هنا، السلوك الصاروخيّ للنظام، فيما "الحزب" بطيء بطيء!… 

السابق
العقوبات الاقتصادية على سوريا: أين يربح لبنان وأين يخسر ؟
التالي
المخرج يتبلور قريباً والاستحقاق الأهم في آذار