وليد جنبلاط

زعيم طائفي، صاحب حزب، وريث لقيادة محلية، حائز على حصة في النظام الطائفي، وكيل مصالح خارجية، متقلب وغير مبدئي، يتحول مع هبوب الرياح، حوت من حيتان نهب المال العام، قاد طائفته الى هزائم، ينام على سرير مبتل بالدم، متصل بالسفارات ومتعدد الصلات بالدول وأجهزتها. هذه اهم الصفات التي تطلق على وليد جنبلاط، الزعيم الدرزي وقائد الحزب التقدمي الاشتراكي، وسخرية يطلق عليه اسم البيك الاشتراكي.
لكن مواقف جنبلاط تتسم أحياناً بالموضوعية، وربما بالعمق، وأحيانا بصراحة لا تحتمل.
يحار المرء في التوصيفات التي تطلق على وليد جنبلاط، فمن من القادة السياسيين في لبنان لا يتسم ببعض او حتى بكل هذه الصفات؟ من الذي لا يمكن عدّه زعيماً طائفياً او قائداً عشائرياً وصل الى منصبه بفعل استغلال النزاعات الاهلية المذهبية الدائمة في البلاد؟ ومن لا يمتلك حزبه امتلاكاً مطلقاً ويديره حيث يشاء وحين يشاء؟
قلة قليلة من القيادات السياسية في لبنان لم ترث مواقعها من انسباء مباشرين او من والد او ابن او ام، سواء اكان هؤلاء قرروا الوفاء لسوريا في تظاهرات الثامن من آذار ام وقفوا ضدها في تظاهرات الرابع عشر منه. ومن لم يرث زعامته من اب او اخ او قريب، فهو يستعد اليوم لتوريث منصبه لابن او ابنة. 
اجمالاً، لا يختلف جنبلاط كثيراً عن محيطه من قيادات الصف الاول في لبنان، الا بالصيت، فهو لا يحاول نفي التهم عن نفسه، بل احيانا يذهب الى تأكيدها، ولو حملته اكثر مما يحمل ويحتمل، فهو لا ينكر أنه من الجيل الذي اصبح يعيق تطور الحياة العامة في لبنان، لكنه يعرف جيداً ان اعاقته لا تستدعي ثورات، فالنظام الطائفي لا يزال المعبّر الافضل عن المجتمع اللبناني، والدليل ان القوى الاجتماعية الاخرى ليس لديها اي تعبيرات سياسية ولا نقابية ولا طلابية حتى.
هو لا يتوانى عن الاعتراف امام من يطرحون عليه السؤال عن السعار المذهبي الذي يضرب البلاد، إذ يقول ان له دوراً كبيراً في اثارة الشحن المذهبي السني ـــــ الشيعي، لكن في المقابل، لا نسمع من الاطراف التي تحصد حصصها في النظام الطائفي ومن خلال التحريض المذهبي ماذا فعلت للتخفيف من حدة الاحتقان بين المذاهب المتصارعة على السلطة والحكم.
ولأن جنبلاط يمثل اقلية خائفة، ولأنه ابعد نظراً أحياناً من باقي اترابه، فهو يعلم ان اعتراض الثورات العربية في زمن تفقد الانظمة الكثير من مرتكزاتها في الحكم، ليس الا ضربا من الجنون، وسيجر على الطوائف الاقلية الكثير من عمليات الانتقام والنزاعات التي لا يمكن الدروز، ولا غيرهم، احتمالها، او قل انها ستكون محرقة متواصلة لاكثر من عقد من الزمن، فهو ببساطة يذهب نحو الطرف الرابح سلفاً وبيد ممدودة، تماما كما فعلت طوائف اخرى خلال الحرب الاهلية في لبنان، حين ذهب البعض نحو الاسرائيليين بينما رأى آخرون ان سوريا الاقدر على الانتصار في النزاع الإقليمي.
يدرك جنبلاط ان الانظمة في المنطقة إما فقدت المشروعية السياسية، ولم تعد تعبر بأي طريقة عن طموحات نخبها في المجال العربي والعلاقة بالصراع العربي ـــــ الاسرائيلي والموقف من الغرب، كما لم تعد تتمكن من اقناع الشارع بشعاراتها السياسية الفضفاضة، وإما ان هذه الانظمة فقدت تمثيلها للمصالح المالية الداخلية، ووهنت الى حد لم تعد تلبي الشروط الخارجية لدعمها، وإما فقدت اكثر من ركيزة من هذه الركائز، وهي لذلك بدأت تنهار كتماثيل الرمال، ولذا فهو اختار الجانب الاضمن، الحراك والثورات بغض النظر عما يقال عنها.
ويدرك جنبلاط اكثر من العديدين من قصار النظر في البلاد أن العقد المقبل هو عقد اعادة تشكل السلطات في المنطقة، التي وللأسف لن تكون بعيدة عن تمثيل العديد من القوى الاسلامية وحتى تلك الاكثر تشدداً، لكن الواقع سيفرض وجود هذه القوى، سواء عاند البعض التغيرات او وافق عليها وساندها، ومن منطلقات الخوف والاقتناع والضرورة فهو ربما اليوم يأخذ مواقفه.
لا يستحب احد من فريقي النزاع الاهلي الدفاع عن وليد جنبلاط، ولا حتى من ضمن جمهور الطرفين، فهو منبوذ من جمهور الثامن من آذار ومرذول من جانب جمهور الرابع عشر منه، ولا يمكن حتى جنبلاط الابن ان يدافع عن جنبلاط الاب، الا أن مواقفه من الثورات العربية لا بد من ان تقرأ بعيداً عن منطلقاته وعن استهدافاته المباشرة. 

السابق
جنبلاط ترأس اجتماعا لقيادة الاشتراكي
التالي
عسيران: نأمل خيرا من قرار استجرار الطاقة عبر البواخر