الراي: مسيحيون من لبنان ..نرفض ربط مصيرنا بأنظمة الاستبداد وتحويلنا أقلية تبحث عن حماية

أبعد من مشهدية سياسية عبّرت عنها مشاركة نحو 500 شخصية سياسية وثقافية وفكرية واعلامية من مشارب مختلفة، فقد جاء «لقاء سيدة الجبل» الذي انعقد امس، ليعلن خروج المسيحيين من «شرنقة» الخوف من التحولات التاريخية في العالم العربي ومن الأفق الضيّق الذي أراد ان يحيلهم على «سجن» تحالف الاقليات الى رحاب «ربيع الحرية» الذي يزهّر في منطقة تطلّ على الديموقراطية من «رحم» ثورات… متوالدة.

… «نرفض وضع المسيحيين في مواجهة ربيع العرب وربط مصيرهم بانظمة الاستبداد»، سقف رفعته الوثيقة السياسية التي تمت مناقشتها امس في فندق «ريجنسي بالاس» في ادما (كسروان) في الخلوة التي حملت عنوان «دور المسيحيين في الربيع العربي»، والتي جاءت لتتوّج مجموع الوثائق والمبادرات وحتى المرتكزات الكنسية التي طبعت «الوجدان المسيحي» في الأعوام الاخيرة.

واذا كانت الخلوة الثامنة في اطار لقاء «سيدة الجبل» حدّدت خيارات مسيحية على قاعدة «رفض ربط مصيرنا بانظمة الاستبداد وأن نكون مع الجلادين ضد الضحايا، ورفض كل المشاريع الهادفة الى ضرب الحضور المسيحي الاصيل في هذا الشرق وتحويل المسيحيين مجرد أقلية تبحث عن حماية لها من هنا أو هناك»، فانها شكّلت من خلال توصياتها مبادرة تمهيداً لتحديد دور اللبنانيين عموماً في الربيع العربي، وإطلاق دينامية حوارية (حول الوثيقة) اولاً داخل البيئة المسيحية وثانياً مع كل الطوائف والمرجعيات الأخرى ثم نحو كل مراكز القرار الديموقراطي في هذا الربيع.
ورغم ان هذا اللقاء الذي انعقد للمرة الاولى خارج دير «سيدة الجبل» في فتقا بعد اعتذار راهباته عن استقبال المشاركين فيه حرص على تأكيد انه بعيد عن الاصطفافات السياسية ولا يشكل بأي حال محاولة للردّ على المواقف التي أطلقها البطريرك الماروني بشارة الراعي من التطورات في العالم العربي حيث عبّر عن مخاوف من ان يحل محل الانظمة المتشددة حكام اكثر تشدداً وراسماً علامات استفهام حول ما جلبته الديموقراطية للعراق سوى انها «تحصد ارواحاً وارواح» ومعرباً عن القلق على الاقليات المسيحية في سورية مثلاً، فان مضمونه حمل رداً غير مباشر على رأس الكنيسة المارونية الذي جاءت مواقفه بالنسبة الى قسم كبير من المسيحيين بمثابة «انقلاب» على ثوابت بكركي التاريخية سواء في الموقف من الثورات العربية او حتى سلاح «حزب الله» اذ تبنى الراعي ذرائع الحزب للاحتفاظ بسلاحه من تقوية الجيش اللبناني الى الانسحاب الاسرائيلي من الاراضي اللبنانية التي لا تزال محتلة وتحقيق عدوة اللاجئين الفلسطينيين.

وفي هذا السياق، ذكّرت الوثيقة السياسية للقاء بالمبادىء التي رسمتها الكنيسة وبدورها (مع البطريرك الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير) من خلال نداء سبتمبر العام 2000 «في اطلاق ربيع لبنان الذي شكل الإشارة الأولى لربيع العرب، اذ وضع هذا النداء الأسس لإنهاء سلطة الوصاية السوريّة واستعادة السيادة والاستقلال والقرار الحرّ  فتمكّنت الكنيسة بمشاركة معظم الشعب اللبنانيّ بأن تحفر تاريخ لبنان الحديث بإبرة الحق والإيمان، فوق صخرة الظلم والليل الطويل، وشكلت انتفاضة الاستقلال لحظة تاريخيّة، فتحت الباب للخلاص الوطنيّ بتوحّد غالبيّة الشعب اللبنانيّ على نحوٍ غير مسبوق». كما ذكّرت بـ «أن الكنيسة كانت سباقة في مطالبتها يقيام الدولة المدنية، الحديثة والديموقراطية القائمة، كما جاء في المجمع البطريكي الماروني، مع «التوفيق بين المواطنية والتعددية» كما كان لها دور في بلورة مفهوم العيش المشترك بما «يتخطى مستوى التساكن أو التعايش بين المجموعات المتعددة» ليشكل نمط حياة مميزاً، يؤمن للانسان فرصة التواصل والتفاعل مع الآخر».
وكان البارز في سياق الردّ الضمني على الراعي تاكيد «ان سلام لبنان يحتاج ثانياً الى استعادة الدولة لسيادتها المفقودة منذ العام 1969 وتأكيد حقها الحصري في امتلاك القوة المسلحة. فلم يعد مقبولاً ولا مبرراً وجود جيشين في دولة واحدة، يخضع أحدهما لإمرة السلطة الشرعية، ويخضع الآخر لإمرة حزب سياسي أو دولة أجنبية».

والاكيد ان لقاء «سيّدة الجبل» رسم «خريطة طريق» لكيفية مساهمة المسيحيين في إطلاق «نهضة عربية ثانية»، انطلاقاً من القيم التي تقوم عليها المسيحية ولا سيما لجهة احترام كرامة الإنسان وحريته، بما يجعلهم يرفضون تلقائياً وضعهم في موقع الدفاع عن الأنظمة الاستبدادية عوض ان يكونوا طليعيين في تحديد معالم عالم عربي ديموقراطي تعددي.  

السابق
الحياة: جعجع يتابع قضية ترشيش مع سليمان ولا تخوُّف من مضاعفات على الأرض
التالي
الاخبار: خلوة ريجينسي رفض وضع المسيحيين في مواجـهة ربيع العرب