في ذكرى 13 تشرين: العونيون والعلاقة مع سوريا

شاءوا هذه السنة أيضاً أن يحيوا ذكرى شهدائهم. الدعوات لحضور القداس أرسلت. نشاطات الـ«فايسبوك» استعادت حيويتها، وأغلبها ممهورة بخبر وجود العماد ميشال عون في الذكرى. بعضهم طالب بجعل هذه المناسبة مهرجانا شعبيا، كما ظهر على الموقع الاجتماعي، والبعض الآخر اكتفى بالترحم على أرواح الشهداء.

13 تشرين الأول 1990 شكّل نقطة فاصلة في التاريخ اللبناني عامة، والعوني خاصة. يستذكر العونيون فيها يوم لجوء العماد إلى السفارة الفرنسية، فيما كانت الطائرات السورية تقصف منطقتي بعبدا واليرزة وتقتل جنود الجيش اللبناني الرافضين للاستسلام. يستذكرون أيضا أخبارا تروى عن مجازر وإعدامات واعتقالات قام بها الجيش السوري بحق اللبنانيين، زمن إطلاق يد النظام السوري في البلد.

«في 13 تشرين كان المطلوب إطاحة الجنرال كونه يشكّل المعادلة الصعبة، والرافض الأول لبعض بنود اتفاق الطائف. وكونه لغير الخالق ما بيركع!»، هكذا تقرأ نادين حداد هذا التاريخ، وتضيف: «لم ننس شهدائنا. لكن من يعش أسير الماضي لا مستقبل له. وبالتالي لسنا بصدد محاسبة جيش كان يحتلنا، فهو قد حقق مصالحه الخاصة، وإذا كان لا بد من المحاسبة فلنبدأ باللبنانيين الذين شهروا سلاحهم بوجه الجيش، فهؤلاء أولى بالعقاب!».
تحميل مسؤولية «المجزرة» إلى أطراف لبنانية ساندت النظام السوري، يوافق عليها أيضا الشاب البقاعي أنطوني تنوري. ويشرح أنها حصلت بمساندة «العملاء اللبنانيين» الذين تآمروا مع النظام و«هلق عاملين حالن أبرياء وأحرار».
وبين تفاوت مواقف العماد عون بين الـ1990 والـ2011، لا سيما لجهة النظرة إلى النظام السوري والعلاقات معه، يتجّه القسم الأكبر من مناصري التيار الوطني الحر نحو الامتثال لمواقف جنرالهم، الرافضة لفكرة محاسبة هذا النظام، أو إطاحته من قبل الثورة السورية الحاصلة اليوم.
ويبرّر أنطوني موقفه من الثورة السورية، بطرح علامة استفهام على توقيتها المفاجئ، وذلك رغم تأييده لمطلب الحريّة، كما يقول. وخلف مسألة التوقيت، تخوّف ينسبه إلى «عدم وجود بديل سوى فريق سلفي متعصب يحمل قناع الديموقراطية»، مستشهدا بما يحدث للمسيحيين في مصر والعراق.  
التخوّف على المسيحيين يؤكده أيضا المحامي الشاب جميل حدشيتي الذي يرى أن خيارات عون الداعمة للنظام السوري هي في مكانها الصحيح: «أنا أوافقه الرأي دائما لأنه صاحب ضمير حر وذو كف نظيف. وهو الضامن دوما لحقوق المسيحيين وللتعايش». ويتابع: «أخطأ السوريون تجاه لبنان، ولكنهم يبقون أشقاءنا»، متجاهلا الفارق بين الشعب السوري والنظام.
وفي الإطار نفسه، تذكّر جيسي ش. برسالة الاستقلال التي ألقاها «الجنرال» عام 1989: «لسنا عشاق حرب وهواة سلاح بل طلاّب حق وسعاة سلام. نريد مع سوريا أفضل العلاقات ولكن خارج التهديد بالمدفع وبعيدا عن التهويل بالقوة، وبعد جلاء آخر جندي عن أرضنا». وتنطلق من هذه الرسالة لتعبّر عن تأييدها لموقف عون الحالي من «الانفتاح» على النظام السوري.

شمعون حنا يطرح أسباب دعم التيار للنظام السوري الحالي. يتحدّث عن موقع لبنان الجغرافي: «العدو الإسرائيلي من الجنوب وسوريا من الشمال والبحر من أمامنا، ولا حياة لوطن منغلق على نفسه. لا مصلحة لنا بالتقوقع، ونحن مع أفضل العلاقات مع سوريا شرط بقاء سوريا في سوريا ولبنان في لبنان»، قبل أن يعود إلى تحميل «جهات لبنانية» المسؤولية عما حصل في 13 تشرين.

هذا الشرح يسبق تبرير القمع الذي يطال الشعب السوري المنتفض في وجه النظام، وهو توصيف لا يوافق عليه حنا: «هل من المعقول أن نرى ثورة عدد شهدائها يساوي عدد شهداء قوى الأمن؟». ويتابع شارحا وجهة نظره النابعة من الخوف على الوجود المسيحي في الشرق كما عبّر عنه البطريرك الراعي. يقول: «نحن حتما مع حرية الشعوب. ولكن ما نشاهده الآن في سوريا ليس مطالبة بالحرية، بل هو انقلاب أصولي تكفيري لاستلام السلطة، حيث لا مكان حينها لأي أقلية. الرئيس السوري قدم إصلاحاته للنظام. فلماذا لا تتم مواكبته من الدول التي تدّعي الديموقراطية؟ وهل هناك حرية وديموقراطية في السعودية والبحرين؟».

في المقابل، موقف متمايز يبديه جوني م. الذي تربّى في عائلة كانت من أشدّ المناصرين للعماد عون. لطالما حلم جوني بلقاء جنراله يوما ما. لكن هذا الأخير كان لا يزال منفيا عند الحكومة الفرنسية. «أحببته كثيرا وتابعت كل أخباره وخطاباته ومقابلاته. لكنه خذلني عند عودته، هو ليس الجنرال نفسه الذي كان مثالا لي».

جوني يشير إلى أنه لن يشارك بذكرى شهداء 13 تشرين، بل سيصلّي لهم في منزله. «كيف يمكن لنا أن نتحسّر على شهدائنا بينما لا زلنا ندعم النظام الذي قتلهم؟ كيف يمكن أن نمد يدنا للأسد ومعتقلونا لا يزالون في أقبية زنازينه من دون أي خبر عنهم؟».
ويؤكد جوني دعمه الكامل للثورة السورية، ليس رغبة بالانتقام للشهداء، كما يشدّد، بل لضرورة تنقية العالم العربي من الأنظمة الفاسدة التي لم تراع يوما حقوق الإنسان. ويختم مصححا مفهوم العلاقة الجيدة مع «الدولة الشقيقة»: «إذا مزبوط بدنا علاقات منيحة معهم، ما لازم نوقف بوجه سعي الشعب اليوم للحرية!». 

السابق
حول الدفاع عن النظام السوري من لبنان
التالي
دعماً للتصويت لمغارة جعيتا