المادة 74: مكافحة السكْر… لكن الاعتراض في الحدث يزيد ويتفاقم

لا كحول بعد العاشرة في منطقة الحدث. مبدئياً، «القرار ماشي». أحد المحال خالف، فعوقب بغرامة مليونية. في جولة على أصحاب محال الكحول يتضح أن غضب هؤلاء بدأ ينضج والحركات الاعتراضية على القرار ستكون عبر عريضة، تسلم إلى رئيس البلدية في وقت قريب

إذا بقيت الحال على ما هي عليه، فستغلق إيلين سعادة محلها في منطقة الحدث (المعدّ لبيع الكحول) إلى الأبد. لن تنتظر العاشرة مساءً كي تُحصي الخسائر اليومية. كانت غاضبة جداً، رغم أن الزبون، كان شاباً لطيفاً. عرّف عن نفسه بأنه من «آل المقداد»، وأنه «ضد القرار». فهما الموضوع سريعاً؛ البائعة والزبون. نحن هنا بسبب قرار رئيس البلدية، المرتكز إلى المادة 74 من قانون البلديات 77/118 والقاضي بـ «وضع حد للفوضى الناتجة عن رواد محال المشروبات الروحية، وخصوصاً في الليل». لكن الشاب كان لطيفاً. لم يبد واحداً من محدثي الفوضى المفترضة. الشاب «الذي يعمل في مؤسسة وعد» كما يصر على الذكر، يقبض على زجاجة البيرة بيد، وباليد الثانية يشير إلى الكحول المكدّسة على الرفوف. يبالغ في «حنانه» عندما يعلن تعاطفه مع صاحبة المحل، مصارحاً إياها بأنه «اعتاد منذ أسبوع الشراء من منطقة عين الرمانة». فهو ينهي عمله قرابة التاسعة. تلاقيه سعادة في رفضها «مظاهر السكر». لطالما كانت من المطالبين بذلك. جاء الحل البلدي جذرياً وكانت أولى ضحاياه. وعوضاً عن حثّ رجال الأمن على ضبط الوضع أمنياً، إذا كان من وضع يتفاقم، أغلقت المحال في «ساعات الذروة». سيرتاح الدرك. لا دوريات بعد اليوم. الدوريات، وفقاً لأهل المنطقة، تقوم بها شرطة البلدية، للتأكد من تقيّد المحال بالقرار.

ثمة إصرار، في أوساط أصحاب محال الكحول، على أن يد «الجيران» تخطت «خط التماس». هم مُقتنعون بذلك. يسردون سلسلة من الأحداث في الحدث. ليل الأحد وقع عراك «طُعن على أثره أحد شباب المنطقة بالسكين»، ولم يكن للكحول أية علاقة بذلك. قبلها بأسبوع أقامت القوى الأمنية حاجزاً و«ضبّت ما ضبّت» من دراجات نارية مخالفة. يشعرون بأن هناك مبالغة في «تقدير حجم الزحمة». الحركة تقتصر غالباً على السيارات العابرة باتجاه فرن الشباك والأخرى المتوجهة بقاعاً. الزبائن يأتون ويرحلون سريعاً. وإلى ذلك، يسألون عن المحال القريبة في بعبدا وعين الرمانة وفرن الشباك والبلدات المحاذية. يعترفون بأن «القاعدة» الأساسية لبضاعتهم ترتكز في الضاحية الجنوبية. سريعاً ما يشرح الباعة أن هذه «القاعدة» موجودة نفسها على امتداد بلدات ساحل المتن الجنوبي، لكن القرار ليس عاماً، بل محصور بالحدث دون غيرها، حيث « يُصادف» أن رئيس البلدية «عوني». هذا ما يقوله أصحاب المحال. بدورها، تستفيض سعادة في شرحها. محل الكحول ليس فرناً. الناس لا يشربون الكحول «على الريق». وكي يعمل المحل جيداً يجب أن «يفتح حتى منتصف الليل على الأقل». في رأيها، القرار ظالم. لا ترغب في تسييسه مبدئياً. تستغربه وحسب. الخسائر كثيرة، في أقل تقدير «على النُص». تارةً تفتح دفتراً يوضح حجم الخسائر، وتارةً أخرى تشير إلى مستودع قريب حيث تتكدس البضائع.

وفي محل آخر، يؤكد صاحبه أن التجار «لن يقبلوا القرار التعسفي ». يهدأ قليلاً، ويردف متعقلاً: «سنذهب بعريضة إلى رئيس البلدية لعله يتراجع عن الموضوع أو يمدد القرار حتى منتصف الليل على الأقل». تفسير القرار بالنسبة إلى التجار حمّال أوجه. بعضهم يقول إنه سياسي بامتياز. هذا البعض «يتهم الحزب بالضغط على حليفه». هل يكون «الحزب» مُحرجاً من تصرفات بعض «الشباب في الضاحية؟»، التجار يلمّحون إلى ذلك. بعضهم الآخر يقول إن رئيس البلدية ضرب عصفورين بحجر واحد. الأول هو «مراعاة» تفاهم مار مخايل الشهير، والمساهمة في إبعاد الشيعة عن «المُسكرات»، طبعاً يقولها أحد التجار ممازحاً. والعصفور الثاني، يعده أحد أصحاب المحال «العلمانيين»، هو «التقليل من زيارات الشيعة إلى الحدث». يصرخ فجأة هنا: «لو كان الأمر يتعلق بالضجة فعلاً لأغلقوا محلي القمار المعروفين في الحدث». 
لكن، رئيس البلدية، جورج عون، ينفي هذه الاتهامات، إذ إن خصومه «يحاولون تسييس الموضوع ». يجزم عون بأن الأمر متعلق بالـ«زعرنة». أتى قرار رئيس البلدية «حاسماً» منذ البداية. سلّمه للمحال يوم السبت 19 أيلول في الثانية ظهراً، وطلب منهم الإغلاق في اليوم نفسه قبل العاشرة مساءً. أحد المحال لم يلتزم في ذلك اليوم فعوقب بغرامة قيمتها مليون وخمسمئة ألف ليرة لبنانية. الرئيس «العوني» حاسم: لا كحول بعد العاشرة. وتالياً، لا محال مفتوحة. فالناس يشتكون من الضجة. وفي الأساس، البلدية رضخت لإرادة الأهالي، وخصوصاً أن «معظم الشباب ليسوا من المنطقة» كما يقولون. الشباب هم «الزعران» إذاً. الزعران الذين يشربون الكحول ويعيثون فساداً في الشوارع. وإذا مضينا في فرضية «الزعرنة»، يمكن القول إنه ما زال بإمكان هؤلاء أن «يتزعرنوا». المهم في الأمر أن ينهوا كل شيء قبل العاشرة. لأنه بعد العاشرة، تصبح «الحدث» منطقةً صافية. مغلقة تماماً.

أحد سكان المنطقة، قال ما «لا يستطيع الريّس عون قوله»، قاصداً رئيس البلدية. يرى الستيني، أن «الغربا» يأتون من أجل الكحول الممنوعة في «مناطقهم». وبذلك، هم لم يعودوا محتاجين إلى المجيء «على دراجاتهم النارية بعد العاشرة». كان لافتاً، سابقاً، أن القوى الأمنية تفرط في حواجزها في منطقة الحدث، الخط العام، لاصطياد الدراجات النارية. وكان لافتاً أن الستيني أبدى ارتياحاً للقرار، لا لأن «الشباب يسكرون». على العكس، عقّب ممازحاً: «قليل من الخمر يحيي قلب الإنسان». المشكلة الوحيدة أن الشباب «الذين يسكرون شيعة». «محمودات». جميعهم «محمودات».

المادة 74: «مكافحة السكْر»

حمل قرار رئيس بلدية الحدث القاضي بمنع الكحول الرقم 114/أ .د. واستند فيه إلى المادة 74 من قانون البلديات 77/118. ورغم اعتراضات أصحاب المحال، على القرار الذي يرونه « مجحفاً » فإن القانون إلى جانب القرار البلدي، إذ إن إحدى الفقرات في متن القرار، تشير بوضوح إلى صلاحية البلدية، باتخاذ «التدابير بشأن مكافحة السكر والأمراض الوبائية أو السارية وأمراض الحيوانات»، ذلك إضافة إلى فقرة أخرى تشير إلى صلاحية البلدية بـ«تأمين السير وتسهيل التجول في الشوارع والساحات والطرق العمومية». 

السابق
سلهب: آلية صنع المحكمة غير دستورية
التالي
سوريا.. النظام يحاصر نفسه