معاني رمضان كما يفنّدها الشباب

منهم من ينتظره على أحرّ من الجمر، ويحسب له ألف حساب، ومنهم من يمضي العام يتفيأ في نعمه وبركاته، هو الشهر التاسع في التقويم الهجري، شهر رمضان المبارك لدى المسلمين. ماذا يعني هذا الشهر بالنسبة إلى الشباب المسلم؟ كيف يعبّرون عنه؟ وغيرها من الاسئلة التي توجهت بها "الجمهورية" إلى مجموعة شبابية.

فرصة للعودة إلى الذات

"يبقى لشهر رمضان نكهة يصعب تذوقها في أي وقت آخر"، بحماسة متناهية ينظر محمود فقيه إلى هذا الشهر المبارك، مشيرا إلى انه يعني له الكثير: "إنه مناسبة للتقارب ولاجتماع العائلة، كما انه فرصة من أجل العودة إلى الذات وفحص الضمير".

لا ينكر فقيه ان مصادفة شهر رمضان في الصيف، تحديدا في آب، أصعب من أي عام آخر: "نظرا إلى الطقس الحار يواجه الصائم صعوبة في المثابرة على الصوم، ولكن في هذه التحديات الصغيرة تكمن الفضائل الكبيرة". ويتابع موضحا: "لا شك في انني لا ألتزم الامتناع عن الطعام فقط، بل ممارسة الفروض الدينية التي قد لا يتسنى لي التزامها في باقي الاشهر".

ولدى سؤالنا ما الذي يميز شهر رمضان بين عام وآخر، يجيب محمود: "لا شك في ان مظاهره تتغير بين عام وآخر، ولكن عموما من المؤسف انه يأخذ طابعا تجاريا متزايدا على حساب انحسار ممارسة الطقوس الدينية". في السياق نفسه، عبّر محمود عن انزعاجه من الخيم الرمضانية: "لا علاقة لهذه "الحركات" بهذا الشهر المبارك، ويجب استبدال اسم هذه الخيم بتسميات أخرى.

"الخيم الرمضانية"

من جهته، يجد عبدالله في شهر رمضان فرصة لتمتين علاقته بخالقه: "في هذه المناسبة يتمكّن المرء من التفرغ لعلاقته مع الله، ولترويض ذاته وحاجاته طوال العام". ويضيف: "لا شك في أن التقرب من الخالق يجب أن يكون على مدار السنة، إلا أنّ رمضان فرصة لكل من لم يتعظ بعد أو لم يهتدِ".

يجد عبد الله ان هذا الشهر يجب ان يترافق مع عادات قد يعتبرها بعضهم أولية وبسيطة، إلا أن مفعولها كبير، فيوضح: "على سبيل المثال، تتفق العائلة على ألا نلجأ إلى البذخ على الإفطارات، بل نلتزم تناول وجبات متواضعة، عادية". ويضيف: "لا أكتفي بالتقشف في المنزل، بل أرفض أي دعوة إلى موائد رمضانية حيث البذخ والإسراف".

كما يعتبر عبدالله أنّ رمضان فرصة لتقييم الذات وأفعالها: "أسعى الى التزام عدم تكرار بعض الأخطاء والهفوات في كل عام ولو أنّ الحياة تفرض علينا اتخاذ مواقف غير مقتنعين بها، أو قد تستدرجنا إلى الانفعال". في هذا الإطار، لم يعبّر عبدالله عن انزعاجه فقط من الخيم الرمضانية "لأنها تعكس وجها تجاريا لا أخلاقيا لهذا الشهر"، بل عبّر عن تململه من الجلسات التي يديرها بعض رجال الدين: "أجد نفسي في ما ندر معنيّا بما يتحدث به رجال الدين، ولا سيما انه لا يحمل الأخذ والرد، ولا يسمحون لنا بمناقشتهم".

أما بالنسبة إلى الشابة زينب، فإنّ شهر رمضان يعني لها الكثير: "ننتظره لأنه يسمح لنا بالعودة إلى ذواتنا ونبذ الأخطاء التي ارتكبناها، وفي الوقت عينه يدفعنا إلى مشاركة المحتاجين عوزهم وأوجاعهم". في هذا السياق، عبّرت زينب عن أسفها وسخطها لظاهرة بروز الخيم الرمضانية: "أيا تكن الغايات من استحداثها، فهي لا صلة لها بهذا الشهر، وهي مدعاة خجل واشمئزاز ليس في رمضان فقط، بل أيضا في الأشهر العادية". وتضيف: "الكثير من المظاهر التجارية تحولت إلى بدعة وهرطقة بعدما انطلقت من باب العادة".

في وقت يعرب الشباب عن انزعاجهم من بعض المظاهر التي تسيء إلى هذا الشهر الفضيل وتفرغه من جوهره، إلا انهم يتفقون في شأن الكثير من الحسنات والنعم التي يكتسبونها، والتي "لا يدرك حقيقة طعمها إلا الصائم".

موقف الدين

"رمضان هو الشهر الذي أنزل فيه القرآن الكريم، ما يعني أنه يجب أن يكون شهر التزام، عبادة وتقرّب من الله"، هذا ما أوضحه الامين العام للمجلس الشرعي الاسلامي الاعلى في دار الفتوى الشيخ خلدون عريمط، لافتا إلى "اهمية ان يشكر المؤمن لربه نعما كثيرة، منها الحياة، العقل، ومعجزة الله في خلقه الإنسان".

وعمّا يميّز رمضان عن غيره من الاشهر، يجيب عريمط: "بدايته رحمة، أوسطه مغفرة ونهايته… من الناس"، ويتابع موضحا: "رمضان يعني تصحيح مسيرة الإنسان ومحاسبته نفسه، والامتناع عن الطعام والشراب من الفجر إلى المغرب".

في هذا الاطار، يؤكّد عريمط أنّ رمضان "لا يعني الامتناع عن الطعام فقط فترات محددة، ولكن يجب ان يترافق هذا الامتناع مع الصلاة، والدعاء، ومساعدة الفقراء والمساكين، وأصحاب الحاجة، وتفقّد الأهل والأقرباء والتواصل معهم، والاطلاع على حاجاتهم".

ويتابع موضحا: "كتب الله شهر الصيام على كل الأنبياء والرسل الذين سبقوا في نزولهم رسالة الإسلام، فالصوم لدى المسلمين والمسيحيين واليهود، ولدى كل أتباع الانبياء والرسل"، كما يذكر في إحدى الآيات القرآنية: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلّكم تتقون"، منها لشهر رمضان مكانة مميزة لدى المسلمين".

أما عن معاني ليلة القدر، فيقول: "هي الليلة التي نزل فيها الملائكة من السماء ناقلة الرحمة إلى العباد والمؤمنين الذين آمنوا، صلّوا وصاموا وزكّوا".

مظاهر تتنافى والمضمون

وعن موقفه من المظاهر والعادات الفنية الترفيهية التي تترافق مع هذا الشهر الفضيل، يقول: "من المؤلم أن الكثير من المظاهر والعادات والتقاليد تتنافس وتتعارض مع معاني شهر رمضان، وخصوصا ما يرافقه من خيم رمضانية تتنافى مع التزام المؤمنين. رمضان ليس شهرا للحفلات الغنائية ولا للمنتديات الاجتماعية، إنما شهر يتفرغ فيه المرء لعبادة الله، ويتفقد أوضاع الناس والمحتاجين منهم".

في هذا السياق، أثنى عريمط على بعض التقاليد التي تشهدها الساحة اللبنانية في مقدمها "موائد الرحمن التي يقدمها الأغنياء على مدى 30 يوما، لإطعام الفقراء"، منتقدا في الوقت نفسه موائد السياسيين: "من الأولى ان تكون الحفلات لأصحاب الحاجة من الفقراء، والا تكون مجاملات سياسية لأصحاب المال والسلطة". ويضيف: "يتوجب على هؤلاء جميعا ان ينفقوا مما رزقهم الله لأن ما يملكون من أموال هم أوصياء عليه وللفقراء فيه حقوق، كما عليهم واجبات ليصلح المجتمع ويعود إلى توازنه". من هنا اعتبر عريمط "ان كل ما يرافق شهر رمضان وخصوصا في أثناء الافطار وبعده من إسراف وبذخ وتسابق في المظاهر، لا قيمة لها، والأجدى المساعدة بصمت".

السابق
152 شخصاً في استحمام جماعي
التالي
خالد زهرمان: تسريب المعلومات لا يفسد عمل المحكمة القانوني