د. محمد ياسين يُعالج السياسة بحسِّهِ الطّبي

 شارك في أكثر من قرار ومحطة ودخل ساح السياسة من بوابة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى والإمام الصدر
هو راضٍ عن أدائه بالمجمل وعنيد بالحق ولا يُحني هامته لأحد
د. محمد ياسين: للمجلس الشيعي ثوابت في العروبة والإسلام والاعتدال اللبناني

هو نجل العلاّمة المرحوم الشيخ خليل ياسين الذي جايل فطاحل العلماء والشعراء في جبل عامل في القرن الفائت (العشرين) وكان صنوهم علماً وأدباً ورفعة ومكانة، فمن الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين إلى المرجع السيد محسن الأمين إلى الشيخ محمد جواد مغنية والشيخ موسى عز الدين وحتى مجيئ الإمام موسى الصدر إلى لبنان عام 1959 كان محمد ياسين الطفل ثم الشاب الناشط في الشأن العام رفيقاً لوالده وشاهداً على ذلك العصر الذهبي. قُدِّر للدكتور محمد ياسين أن يشارك في صناعة أكثر من قرار في مرحلة الستينات الذهبيّة للحركة الشيعية التي تشكّلت وكان له أكثر من محطّة وأكثر من موقف مع أنّه أبى أن يلج السياسة وبقي على ضفافها لأنه على حدّ قوله "لا يعرف الكذب ولا يطيق انحناء الرأس". غير أن مكانته الاجتماعية والأكاديمية فرضت نفسها وحتَّمت عليه التدخّل في بعض الأمور وفي المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى تحديداً، الذي نجح في دخوله عضواً في الهيئة التنفيذية بعد معركة انتخابية حامية الوطيس أيام الإمام المغيّب السيد موسى الصدر، وهو ما زال إلى يومنا هذا عضواً في هذا المجلس وفاعلاً فيه، ومن علاماته الشابة الفارقة، بشهادة الجميع.

طفولة وشباب
عن طفولته يقول أنها كانت في العباسية حيث ولد وترعرع في كنف والده الشيخ وكانت دراسته التكميلة في المدرسة الجعفرية في صور وهي المدرسة التي أنشأها الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين عام 1938 وتابعها شخصياً وأصبحت صرحاً من صروح العلم والمعرفة في جبل عامل. ثم يتابع "شدّتني مطلع شبابي الوطنية والعروبة أيام عبد الناصر والبعث والوحدة العربية وشاركت في المظاهرات الطلابية والاعتصامات وهربت ورفاقي من وجه المباحث خوفاً من الاعتقال مرات عدة".
ثم بعد ذلك ينتقل الوطني الشاب إلى بيروت حيث الرحابة والغنى في التفاعل الثقافي والاجتماعي، وذلك من أجل دراسة المرحلة الثانوية التي كانت تفتقرها مدارس الجنوب في ذلك الزمان.
ولمّا كانت رغبة والد أديبنا الطبيب المرحوم الشيخ خليل ياسين، هي متابعة ولده مسيرة العائلة في طلب العلوم الدينية والانضمام إلى سلك رجال الدين، فإن لنجله الشاب كانت رغبة مغايرة إذ سرعان

إلى دنيا الطب
ما تحقق حلمه الذهبي وطار إلى فرنسا عام 1960 ودخل إلى كلية الطب في مرسيليا ليصبح طبيباً متخصصاً في القلب والشرايين بعد سبع سنين، وكانت أطروحة الدكتوراه بعنوان "سرطان القلب البدئي". ويقول أديبنا الطبيب "لإثني عشر سنة في مرسيليا تذوقت طعم العلم والحرية وكرامة الإنسان كما عرفت طعم الصداقة وعظمة الكبار كأساتذتي في تواضعهم ومحبتهم وتسامحهم. وكذلك كان الدكتور المرحوم عدنان حب الله صديقي الدائم من العام 1962 وحتى تاريخ وفاته العام الفائت رحمه الله، ولقد طبعت وفاته في نفسي الكثير من الحزن والألم من لوعة فراقه إذ لطالما جمعتنا الدراسة، والعيادتان المتجاورتان بعد مجيئنا إلى الوطن إضافة إلى الهموم والآمال المشتركة التي كنا نحملها ونسرّها لبعضنا سويّة".
وفي مرسيليا تعرّف الدكتور ياسين إلى السيد موسى الصدر عام 1967 حيث كان نجله صدري يخضع لعملية جراحية في المستشفى نفسه، الذي يعمل فيه، وحضَّر أثناءها حفل تقديم أطروحة للدكتوراه.

في المعترك
وتشاء المقادير أن يدخل الدكتور ياسين العمل السياسي من بوابة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الذي أسسه الإمام الصدر لاحقاً عام 1969 وتولّى رئاسته، إذ بعد عودة الدكتور إلى وطنه عام 1972 لممارسة المهنة، اقتنع مع بعض من رفاقه ذوي الهوى اليساري الوطني والعروبي أن يؤلفوا لائحة من أجل خوض انتخابات الهيئة التنفيذية في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وفازت اللائحة على سبعة أعضاء من أصل إثني عشر عضواً وكان الدكتور الشاب من جملة الناجحين.
وعلى أن هذه المعركة يتحدّث الدكتور ياسين مستعرضاً أوّل اجتماع للمجلس الشيعي بهيئتيه الشرعية (المؤلفة من رجال الدين وجلّهم مؤيّدون لسماحته) والتنفيذية (التي حصل فيها تيارنا اليساري على الأغلبية)، فقال السيد المديد العقل والقامة: يقولون في الجرائد والمجلات والإعلام أن اليسار أصبح في المجلس "ليش حركة المحرومين هم يمين"؟! تساءل مستنكراً. وبذلك وضع الكل تحت عباءته من جديد على حدّ قول أديبنا الطبيب، وخرج الإمام إلى الصحافة قائلاً عقب الاجتماع: "هذه هي الديموقراطية الحقيقية".

تقييم التجربة
ما زال الدكتور ياسين إلى اليوم عضواً في الهيئة التنفيذية في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى إلى جانب أنه يمارس عمله كطبيب مختص في أمراض القلب والشرايين متنقلاً بين عيادته والمستشفيات. ويخلص الدكتور ياسين أنّ تجربته في العمل العام ضمن المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى كانت ناجحة بالمجمل وهو الذي عاصر المؤسس الإمام الصدر والإمام الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين، وسائلاً الله العافية وطول العمر للإمام الشيخ عبد الأمير قبلان نائب الرئيس حالياً وهو الذي يحمل هموم الطائفة حالياً في هذا الظرف العصيب واضعاً نصب عينيه منهج التسامح والاعتدال والاهتمام بضعاف القوم ومساعدتهم، عسى أن يوفقه الله ويعينه، إذ أن نضالي كما يقول الدكتور داخل المجلس كان ضمن قناعتي الوطنية في أن تترسَّخ تلك القيم التي غالباً ما عمل المجلس في اتجاهها وهي قيم الوطنية والعروبة والإسلام المعتدل".

(كادر)
الدكتور محمد ياسين
عميد كلية البيولوجيا الطبية في الجامعة الإسلامية.
مشرق على امتحانات الكولوكيوم للأطباء طيلة 3 سنوات.
المؤلفات: سرطان القلب البدئي عام 1967 – ثلاث دراسات علمية بالفرنسية 1972 – كتاب أمراض القلب والشرايين الحائز على جائزة أفضل كتاب علمي لعام 1983 من مؤسسة التقدم العلمي في الكويت – الجنوب اللبناني قضية ومصير 1984.
كتب قيد الإصدار: العلامة الشيخ خليل ياسين في مسيرته – الكولسترول ليس عدوّاً – التدخين ماله وما عليه – الغذاء في الحماية من أمراض القلب والشرايين – وقلب المرأة
 

السابق
حسن خليل: للترفع عما يؤدي إلى الإنقسامات
التالي
د. عبد المجيد الحر: مدرّسٌ وناقد وشاعر طَوَّع الأوزان