إقفال المدارس (1): من بنى المدارس.. ونسي بناء التلاميذ.. فأقفلت المدارس؟

قيل يوما إنّ الرئيس نبيه بري راح يبني المدارس في ردّ على "نكتة" تناقلها "كارهو "الإقطاع" في الجنوب، وهي أنّ فعاليات الجنوب طلبوا من الرئيس السابق لمجلس النواب كامل الأسعد أن يبني لهم المدارس، فأجابهم: "عم نعلّم أحمد"، قاصدا ابنه الذي تبرّأ منه لاحقا، حتى على فراش الموت، وتبيّن أن تعليمه لم ينفع أحدا، حتى هو.

اليوم، وبعدما ملأ رئيس مجلس النواب، ورئيس حركة "أمل"، الجنوب مدارسا ومعاهدا، يبدو أنّه نسي أن يملأها بالتلامذة. فهذه الأبنية الكثيرة، والتي هناك شكوك حول الأهداف والطرق والعمولات و"التظبيطات" التي بنيت لأجلها وعبرها، صارت أبنية تسكنها الأشباح، فيما التلامذة إما يهربون إلى المدارس الخاصة، أو يتجهون إلى المدن سكنا وعيشا وعلما وعملا، حين ضاق الجنوب بأهله منذ تحريره في العام 2000 إلى اليوم، وصار حكرا على بعض المنتفعين من الأحزاب وبعض المستفيدين أو الموظفين أو المحظوظين.

فمنذ مطلع العام الفائت، 6 أبنية مدرسية كبيرة أقفلت أبوابها في قضاء بنت جبيل، ربما الى غير رجعة، بعد صدور قرار وزير التربية السابق حسن منيمنة بدمجها مع مدارس أخرى، بسبب ندرة الطلاّب. إضافة الى مبنى مدرسة تبنين القديم، الذي لجأت لجنة وقف البلدة الى هدمه، بعد شرائه من وزارة التربية، رغم أن المبنى البديل عنه والمشيّد على نفقة الحكومة الكورية رفضت الوزارة استلامه لعدم صلاحيته. كلّ ذلك مع انتشار عدد المباني المدرسية الرسمية الكبيرة، والمشيّدة بأفضل المواصفات، والتي تتّسع لآلاف الطلاّب، دون الحاجة الماسة اليها، كما حصل في بلدة رشاف (بنت جبيل)، التي شيّد لطلاّبها الذين لا يزيدون على الثلاثين، مبنى رسمي من ثلاثة طوابق، على نفقة مجلس الاتنماء والاعمار، يتّسع لما يزيد على 1000 طالب، وصدر قرار مطلع العام الحالي بإقفاله، بينما المدارس الخاصة يزداد عدد طلاّبها يوماً بعد يوم، رغم زيادة الأعباء المالية على كاهل الأهالي. في الوقت الذي لم تعالج فيه مشكلة الفائض في المعلمين الذين وجدوا أنفسهم فجأة في مدارس أخرى، لا تحتاج الى خدماتهم، أيضاً بسبب تضاؤل عدد الطلاب.

ويبدو أنّ غيرة أبناء القرى على مدارسهم المقفلة برزت اليوم، بعد صدور القرار، رغم أن معظم أبنائهم مسجّلين في المدارس الخاصة: "لسنا نحن مصدر الخلل بل ضعف الرقابة والأداء التربوي والدعم الرسمي للمدارس الرسمية الابتدائية والمتوسطة هو السبب المباشر لذلك، وكان على الوزير أن يعالج هذا السبب لا أن يقفل المدارس ويزيد الطين بلّة"، يقول علي علوية، أحد أولياء أمور الطلاب، من بلدة مارون الرّاس، ويضيف: "إقفال المدرسة الرسمية الوحيدة في بلدتنا سيتذكّره الأهالي بعد عشرات السنين، فهم لطالما كانوا يحلمون بوجود مدرسة رسمية في بلدتهم تؤمّن حاجات أبنائهم التربوية المميزة، وهذا كان من الممكن أن يتحقق بوجود المدرسة ودعمها وتحسين مستواها الأكاديمي وفتح فرع لتدريس اللغة الانكليزية فيها، وهم يتكبّدون مصاريف طائلة على تعليم أولادهم في المدارس الخاصة البعيدة، فإعادة فتح المدرسة لن يكون سهلاً في المستقبل". وهذا ما يؤكده مدير مدرسة مارون الراس الابتدائية الرسمية المقفلة محمد حسن، الذي اعتبر أن ""إقفال المبنى الكبير والوحيد للمدرسة، بعد تهدّم مدرسة أخرى في حرب تموز 2006 أمر صعب على البلدة وأبنائها، رغم ندرة الطلاّب، لأن اعادة فتح المدرسة في المستقبل سيكون صعباً جداً لأنه يحتاج الى تعيين أساتذة جدد أو نقلهم من مكان الى آخر".

ومدرسة مارون الرّاس الابتدائية كان عدد طلاّبها في العام الماضي 13 فقط، مقابل 8 معلّمين، رغم أن المبنى يتّسع لأكثر من 500 طالب، ولن يوفّر اقفالها المبالغ المالية على الدولة بحسب مديرها، لأن "الدولة لم تكن تدفع أي مبالغ مالية لسدّ نفقات المدرسة، فهذا كان على نفقة أولياء أمور الطلاّب، حتى أن المازوت كان يتم تأمينه من قبل الدول المانحة، أما معاشات الأساتذة فهي ستبقى كما هي، لأن المعلمين انتقلوا الى مدرسة بنت جبيل المتوسطة الرسمية الثانية، وانضمّوا الى أكثر من ثلاثين معلماً هناك، رغم أن عدد الطلاب لا يزيد على 200". وهذه المدرسة انضمّ اليها معلمو ثلاث مدارس أقفلت بعد قرار الدمج وهي مدارس بلدات كونين ومارون الراس ومدرسة بنت جبيل الابتدائية الأولى التي يعود تاريخ افتتاحها الى ثلاثينيات القرن الماضي، بحسب الدكتور مصطفى بزّي، الذي يقول  إن "المبنى تمّ تجديده وترميمه حديثاً وهو يتسّع لأكثر من عشرين غرفة، وأبناء بنت جبيل كان يريدون دمج مدرسة عبد اللطيف سعد الرسمية بهذه المدرسة، وهم طالبوا بذلك مراراً، كي يبقى مبنى مدرسة سعد مخصّصاً فقط للجامعة اللبنانية التي تحتلّ جزءاّ منه، اضافة الى دار المعلّمين".

ويكشف بزّي أن "الأهالي اعترضوا على طريقة الدمج وعلى طريقة توزيع المعلّمين، كما اعترضوا على طريقة توزيع تجهيزات المدارس المقفلة لأنها لم توزّع بشكل عادل على المدارس الرسمية الأخرى. وكان من المفترض أن يلتحق معلّمو المدارس المقفلة بمدرسة جميل جابر بزّي الرسمية التي تحتاج اليهم أكثر، لا أن يتم الحاقهم بمدرسة لا تحتاج الى خدماتهم بسبب قلّة عدد طلاّبها".

 

السابق
غانم:من غير المفيد اطلاق حوار جديد قبل تنفيذ ما اتفق عليه
التالي
الجائزة الكبرى