النهار: الحرية للأستونيين والهدايا في المفاوضات السرية عنوانان لشريطي تسجيل أدّيا إلى إنجاز الصفقة

مع أن خيوطاً وتفاصيل كثيرة متصلة بقضية خطف الأستونيين السبعة قبل أربعة أشهر في المنطقة الصناعية بزحلة وإطلاقهم صباح امس في حقل الطيبة باتت في عهدة القضاء اللبناني في ضوء افادات المحررين الأستونيين وقبلها افادات تسعة موقوفين لبنانيين في هذه القضية، فان ذلك لم يكفل إماطة اللثام عن اسرار الصفقة الغامضة والسرية التي أدت الى النهاية السعيدة ولكن مع استمرار "الفاعل مجهولاً".

والواقع أن هذا الحدث الذي كاد يطغى على الجلسة الأولى لمجلس الوزراء بعد نيل الحكومة الجديدة الثقة والتعقيدات التي واجهتها في موضوع التعيينات وانتهت الى تسوية تجنبت عبرها الانتكاسة المبكرة، انطوى على مجموعة وقائع ومفارقات لعل أبرزها أن لبنان الرسمي بشقيه السياسي والأمني كان الغائب الأكبر عن المفاوضات السرية "الطائرة" فوق مسرح عملية الخطف والاطلاق، على الأقل في مرحلتها الأخيرة، باعتراف أكثر من جهة لبنانية معنية. حتى ان اللغز المحير الذي يتصل بمكان خطف الأستونيين في الأشهر الأخيرة وما اذا كان في لبنان أم في سوريا كما رجحت معطيات عدة، لم يتمكن الأستونيون المحررون أنفسهم من جلائه في افاداتهم. وجاءت عملية اطلاقهم في حقل الطيبة وتسلم وفد ديبلوماسي – أمني فرنسي إياهم ونقلهم الى السفارة الفرنسية في بيروت، لترجح الطابع الخارجي المتعدد الطرف الذي طبع النهاية السعيدة مع ما يمكن أن تتضمنه من تكاليف ومكافآت غير مرئية.

وقد استرعى الانتباه أن أحد أبرز شروط إطلاق الأستونيين تمثل في عدم وجود أي جهاز أمني لبناني، في حين بدا الجانب الأستوني الأكثر صراحة باعلان وزير الخارجية الأستوني أورماس بابيت قبيل وصوله ليلاً الى بيروت أن عملية إطلاق مواطنيه "تمت بمساعدة فرنسية والمانية وتركية مع جهات أخرى"، موضحاً أن عملية الافراج عنهم "حصلت على الأراضي اللبنانية وليس لدي معلومات عما اذا كان المخطوفون في بلد آخر".

وفيما كان المحررون الأستونيون السبعة يطلون عبر شرفة من السفارة الفرنسية لتحية حشد من الصحافيين والمصورين تجمعوا أمام المبنى، لم يفت مصادر ديبلوماسي بارزة الاشارة عبر "النهار" الى ان الحدث اتخذ ذروة رمزيته ودلالاته في توقيت مثلث البعد، إذ شكل في الدرجة الأولى مكسباً ديبلوماسياً كبيراً لفرنسا التي اضطلعت بدور أساسي في مواكبة الجهود اللبنانية والأستونية طوال أشهر احتجاز الرهائن وجاء إطلاقها على يد الموكب الفرنسي منفرداً بمثابة هدية كبيرة الى فرنسا. كما أن البعد الثاني لا يمكن عزله عن المضاعفات التي أثارها الاعتداء على سفارتي فرنسا والولايات المتحدة في دمشق ما دامت معطيات جدية كثيرة تشير الى دور محوري أساسي لدمشق في ملف الأستونيين سبق للجانب الأستوني نفسه أن أكده علناً مرات عدة. أما البعد الثالث للتوقيت "السعيد" فتمثل في ما تداوله معظم الأوساط الداخلية في شأن "هدية" أرسلت على عجل الى حكومة الرئيس نجيب ميقاتي صبيحة يوم اقلاعها في مسارها الاجرائي والعملي.

وأبلغت جهات معنية بهذه القضية "النهار" أن المفاوضات التي تولتها الدولة الأستونية بمساعدة فرنسا مع الجهة التي تمون على الخاطفين هي التي أثمرت إطلاق المخطوفين السبعة، بينما اقتصر دور السلطات اللبنانية على انجازين أساسيين ساهما في العملية بنسب محددة لكنهما لم يشكلا العامل الحاسم في التحرير. وأشارت هذه الجهات الى ان الانجاز الأول الذي حققته السلطات اللبنانية تمثل في القبض على الموقوفين التسعة المتورطين في عملية الخطف ما أدى الى تبديل مسارها وحسابات الجهات الخاطفة. أما الانجاز الثاني بتمثل في القرار الذي اتخذ في ظل الحكومة السابقة بتزويد السلطات الاستونية نتائج التحقيقات والعنوانين اللذين بث منهما شريطا تسجيل ظهر فيهما المخطوفون السبعة على "اليوتيوب" واللذين حددتهما قوى الامن اللبنانية من مكانين مختلفين في دمشق في حينه. وكشفت الجهات نفسها انه مذذاك تولت السلطات الاستونية اكمال المفاوضات، لافتة الى ان دفعا قويا لهذه المفاوضات سجل عقب اعلان الموقف الاستوني الرافض للعقوبات الاوروبية على سوريا. وأشارت الى ان السلطات اللبنانية لم تعد حاضرة بعد هذه المرحلة التي انتهت أمس باطلاق المخطوفين.

وقد نقل المحررون الاستونيون بعد ظهر أمس من السفارة الفرنسية الى مقر المحكمة العسكرية حيث أدلوا بافاداتهم امام قاضي التحقيق العسكري فادي صوان والتي تناولت ظروف خطفهم منذ 23 آذار الماضي. والاستونيون السبعة هم: كاليف كاوسار، واندريه بوك، وماديس بالوجا، وجان جاغوماجي، وبريت ريستيك، واوغست تيلو، ومارتن متسبالو.
وأفادت مصادر قضائية أن الاستونيين السبعة كشفوا خلال الاستماع الى افاداتهم الجهة الخاطفة والاشخاص وانتماءاتهم ومعتقداتهم وتفكيرهم ولم تعلن أسماء الخاطفين حفاظا على سرية التحقيق. وأضافت ان المحررين لم يتعرضوا لأي تهديد عند اطلاقهم، كما أكدوا انهم لا يعلمون ما اذا كانت دولتهم دفعت فدية عنهم أم لا ولكن من جهتهم لم يدفعوا أي فدية.

وأعرب وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه عن "سروره" باطلاق الاستونيين، مذكرا بأن "فرنسا بذلت كل الجهود الممكنة للمساهمة في ذلك نظرا الى أن أستونيا ليست لها سفارة في بيروت". وأشاد "بجهود كل الذين ساهموا في هذه النهاية السعيدة وخصوصا السلطات اللبنانية".

كما ان السفير الفرنسي في بيروت دوني بييتون أعلن خلال الاستقبال الذي أقامه مساء أمس في مناسبة العيد الوطني الفرنسي "اننا سعداء لأننا استطعنا بناء على طلب الحكومة الاستونية ان نساهم في هذه النهاية السعيدة الى جانب الدول الشريكة والصديقة لأستونيا ولا سيما منها دول الاتحاد الاوروبي الاخرى".
مجلس الوزراء

وانعقد مجلس الوزراء بعد ظهر أمس في قصر بعبدا على وقع حدث اطلاق الأستونيين السبعة، فيما كانت المشاورات الجانبية لا تزال ناشطة من اجل الخروج من مأزق الخلاف على تعيين المدير العام للأمن العام الذي رغب "حزب الله" و"أمل" في ادراجه مع دفعة التعيينات الاولى.
وجاء في المعلومات المتوافرة ان وزير الداخلية مروان شربل لم يبلغ المجلس أين تم تسليم الأستونيين لدى الافراج عنهم بل طمأن المجلس الى انه حين زارهم في السفارة بدوا في صحة جيدة.

وتناول رئيس الجمهورية ميشال سليمان في مداخلته هذا الموضوع معتبرا أنه "لولا تمكن قوى الامن من توقيف بعض العناصر من المجموعة التي نفذت عملية الخطف والاجراءات الميدانية والاستعلامية التي قامت بها هذه القوى وقوى الجيش لما تم الافراج عنهم سالمين"، منوها بدور السفارة الفرنسية في الامر.
أما موضوع التعيينات، فأمكن تجاوز مأزقه على قاعدة التعيين في المناصب الثلاثة المدرجة في جدول الاعمال في مقابل تخصيص جلسة لبت تعيين المدير العام للأمن العام الاسبوع المقبل. وقد جدد مجلس الوزراء لحاكم مصرف لبنان رياض سلامه وعين العميد الركن وليد سلمان رئيسا لأركان الجيش بعد ترفيعه الى رتبة لواء، كما عين انطوان شقير مديرا عاما لرئاسة الجمهورية.

وتقرر ان يعقد مجلس الوزراء جلساته الدورية الاسبوعية كل أربعاء على ان تعقد جلسة أخرى الاثنين المقبل. وتضمنت كلمة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي في الجلسة ردا ضمنيا على الرئيس سعد الحريري وقوى المعارضة، إذ قال ان ما يطلق على الحكومة من توصيفات "هي افتراءات"، نافيا أي "سياسة للابعاد او العزل"، ومؤكدا أن الحكومة "لن تكون انقلابية".

السابق
اللواء: لتعيينات تمرّ بتفاهم على الأمن العام الإثنين وأستونيا تستعيد المخطوفين السبعة بدور فرنسي وجهد سوري وفرع المعلومات يكشف المتورّطين
التالي
السفير: فضيحة الأستونيين: العيد لفرنسا … والدولة شاهد ما شفش حاجة