شاعر المحكيّة المعاصر سعيد حيدر يكتبُ مقاماته العاملية

 شقَّ الأرض بمحراثه والمعاني البكر بأشعاره. هو شاعر العامية الجنوبي سعيد حيدر، مصدر إلهامه الشعري كان وسيبقى دائماً قريته طيردبا وطبيعتها الساحرة الخلابة فمع الفجر وزقزقة العصافير يرحل كل صباح إلى عمله ليسقي أرضه عرقاً ثم حبراً، ومعاني رقيقة تعلوه شعراً، كما يعلو الأخضر حقله ويخضّبه بألوان الطبيعة الغنّاء.

الفلاحة والشعر
لم تمهله قساوة حياة الفلاحين وصعوبتها كي يكمل تعليمه كما يحب ويريد خصوصاً وأن شاعرنا كان ذو قابلية، وهمّة عالية تطلب العلم والعمل في آن، غير أن لقمة العيش كانت لها الغلبة أخيراً فدرس حتى الصف الخامس أساسي بعد ذلك تحوّل سعيد حيدر إلى قراءة كل ما هو ممتع ومحبب لديه من أدب وشعر وتاريخ، وسير الأنبياء والأئمة الصالحين وكذلك قرأ لمن بنوا صرح الثقافة في عصر نهضة جبل عامل وأغنوا المكتبة العاملية بمؤلفاتهم النفيسة أمثال السيد محسن الأمين والسيد عبد الحسين شرف الدين والشيخ محمد جواد مغنية وغيرهم.

قصيدته الأولى
يقول شاعرنا أن أوّل قصيدة له كانت في سبعينات القرن الماضي عندما كان يسكن منطقة سن الفيل وهو كان من أصدقاء "جمعية التآخي" التي نظمت احتفالاً في ذلك الوقت فألقى شاعرنا قصيدة على منبرها لاقت استحساناً استحوذ على إعجاب الموجودين لينطلق بعدها شاعرنا يكتب زجلاً وشعراً عاميّاً موزوناً.
وعن رأيه في الشعر يقول حيدر أنه ينبع من داخل الشعور مفعماً بالعواطف غير أن ذلك لا ينبغي أن يمنعه من أن يتحسّس المسؤوليات والواجبات الملقاة على عاتق كل ناطق بالحرف وهي الانحياز لقضايا الشعب والدفاع عن الوطن في وجه الطامعين.

النصف و… الخبز
عن المرأة يقول شاعرنا الحاج سعيد؛ "لقد أوليتها أهميّة كبرى في قصائدي لأنها عنصر مهم في المجتمع وهي أكثر من نصفه، فهي الأم والأخت والزوجة والابنة والمقاومة والعاملة".
أما الثقافة فهي خبزه اليومي ولطالما كان الكتاب يرافقه دائماً في حلّه وترحاله وحتى في عمله الزراعي، وهو الآن يواظب على حضور الأمسيات الشعرية العاملية التي تزخر بها مرابعنا في الجنوب مثل جلسات "العليّة" في بلدة مجدل سلم التي يرعاها سماحة السيد أحمد شوقي الأمين وكذلك الجلسات التي تعقد في منزل الشاعر أحمد سعد وكذلك في منزل النائب السابق أحمد عجمي ومجمع باسل الأسد الثقافي في صور ومنبر الجزيرة وغيرهم…

المقامات الحيدرية
أصدر حيدر ديوانه الشعري بعنوان "مقامات عاملية" (طبع 2009) أهداه إلى "أرض جبل عامل أرض أبي ذر الغفاري، وبهاء الدين العاملي، وإلى سائر العلماء الأقذار السابقين واللاحقين. إلى هذا الجبل الذي أنبت العلماء والأدباء والمفكرين والشعراء والمجاهدين والشهداء".
ثم صدّر في صفحته الأولى ببيتين شعريين أودعهما خلاصة رحلة عمره وتجربتها وهما:
عِشْت بِدِني فيها المصايب والهموم وثلثين عمري في حوادثها انهدم
عند النهاية شنّت عليّ هجوم الجسم اندثر والرسم في سجنا انحكم
ونقتطف من عامية شعره العفوي هذه القصيدة: لبنان مرجوحة
لبنان أصبح مثل مرجوحهْ في ملعب الأطفال مشلوحه
أو مثل طير لجا نحو مكسور أصبح رهين جوانح الشوحه
وبستان سايب ما إلو ناطور العم يسرقو عايش ببحبوحه
حاكمو أصبح عبد مأمور بوابو عا شرق وغرب مفتوحه
شرق وغرب جاؤا بشاهد زور وشهادتو بالحق مجنوحه
أصبح قصر لحِكم مشهور وكل القضايا فيه مطروحه
وللسياسة في فلك ببيدور للعدالة هدّم صروحه
ولبنان أصبح بين ظلمهْ نور والأسطواني فيه مبحوحه
من بعد ما كان مرج زهور وشهادتو الإخلاص ممنوحه
بنار السياسة أحرقو البخور والعدالة فيه مجروحه
وباعو وطنا ومزّقوا الدستور بهيئة أمم عملوه إطروحه
ولما وفد لبنان كان بيزور أرض الخليج بمؤتمر دوحه
تعاونو والحظ كان موفور وكاتب عدل سجل على اللوحه
اتفاق بخاتمو المنذور عا حكومة عدل مسموحه
شو صار حتى تغيّرت الأمور وآمرات السر مفضوحه
وعسكر النحل الناطر ودبور وفي بيتها قابض على روحه
ومقاومتنا عا شواطئ صور ناطره تا يرجع المحتل
وتكون هالرجعه بلا روحه
 

السابق
بيوتات عاملية حملت لواء المعرفة وتوارثتها منذ ما قبل الأربعينات
التالي
زعيتر: أميركا ترسي قواعد عدل لا علاقة لها بالعدالة