الاخبار: ميقاتي لـ14 آذار: تعرفون من فاوض على دم الشهداء

بانعدام ثقة متبادل، تتوجه الأكثرية والأقلية إلى جلسات الثقة اليوم. العدة جاهزة لديهما لاستكمال حربهما الكلامية المفتوحة، وخصوصاً أن معظم النواب يحبون الإطلالات الإعلامية، فكيف والنقل التلفزيوني مباشر ولأيام ثلاثة، والكاميرات جاهزة لترصد أي حركة أو انقباض عضلي قد يشير إلى تطور الأمور إلى أكثر من الكلام؟

لم يمر الهجوم المركّز الذي شنّته قوى 14 آذار على الحكومة الجديدة ورئيسها خصوصاً والأكثرية الجديدة عموماً من دون ردود على قدر الكلام الذي أُطلق مساء أول من أمس من فندق البريستول. وإذا كان بيان البريستول لم يقترن بتوقيعي زعيمين غائبين هما الرئيس سعد الحريري وقائد القوات اللبنانية سمير جعجع، فإن الردود عليه جاءت رئاسية ومن زعامات من الصقور والمعتدلين والوسطيين، وأبرزها من الرئيس نجيب ميقاتي الذي بدا أن نوع ما قيل عنه دفعه إلى خلع قفازات الدبلوماسية المعروفة عنه، وردّ عبر مكتبه الإعلامي على ما استهدف حكومته من «حملة شعواء» ارتكزت على «مغالطات متعمدة لتضليل الرأي العام»، متهماً المجتمعين في البريستول بأنهم استغلوا مرة أخرى جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري «ليصبّوا غضبهم وحقدهم على الحكومة لأهداف لم تعد خافية على أحد، ولا سيما أنهم انكفأوا عن المشاركة في الحكومة على رغم الدعوات التي وجهت إليهم للمشاركة فيها».

ورداً على محاولة «تضليل الرأي العام»، أكد احترام الحكومة ورئيسها للقرارات الدولية والعدالة والحرص على تبيان الحقيقة من خلال المحكمة الدولية، وتضمين ذلك في البيان الوزاري، «في وقت يعرف القاصي والداني من عمل في وقت من الأوقات على «تسوية»،حتى لا نقول أكثر، على حساب دماء الشهداء وقضيتهم للتمسك بموقعه في السلطة»، مع الإشارة هنا إلى أن قناة المنار عرضت مساء أمس وثيقة تؤكد قبول الرئيس سعد الحريري بتسوية في هذا المجال.
ورفض وصف الحكومة بأنها حكومة انقلاب على اللبنانيين، «وكأن الذين اجتمعوا في البريستول يملكون وحدهم حصرية تمثيل اللبنانيين، أو هم وكلاء حصريون لدماء الشهداء»، مشيراً إلى أن هذه الحكومة «انبثقت من إرادة نيابية تعكس تمثيلاً شعبياً واسعاً من كل الأطياف»، وأنها «برئيسها وأعضائها تدرك قيمة الشهادة ونبل الاستشهاد في سبيل الوطن، وليست في حاجة إلى شهادة من أحد، ولا سيما ممّن يستحضرون دماء الشهداء في المناسبات التي يحتاجون فيها إلى رافعة».
وختم بالقول «لهؤلاء»: «المعارضة حق مشروع، ولكن التخريب على الوطن جريمة»، لافتاً إلى أن المسؤولية الوطنية تتطلب من الجميع حماية السلم والاستقرار لا «التخريب أو افتعال بطولات وهمية توتر الأوضاع الداخلية». ورأى أن الطلب من الحكومات العربية والمجتمع الدولي عدم التعاون مع هذه الحكومة هو «أمر يعكس حال الاضطراب ونوبات الغضب الشديد التي يعيشها المجتمعون في البريستول الذين هالهم أن تتألف الحكومة وهم الذين راهنوا على استمرار الفراغ الحكومي، فراحوا يصوّبون على الحكومة لعجزهم الواضح عن مواجهة حقيقة خروجهم من السلطة».

ورداً على الرد، سألت الأمانة العامة لقوى 14 آذار: «هل من يطالب بالعدالة لدماء الشهداء يستغل هذه الدماء؟»، محددة لرئيس الحكومة «موعداً مع نواب 14 آذار» في ساحة النجمة اليوم. أما تيار المستقبل، فجاء ردّه عنيفاً، ومنه اتهامه لميقاتي بـ«تبديل الأثواب واتقان فنون الاختباء وراء شعارات الاعتدال والوسطية».

إلى ذلك نقل نقيب الصحافة محمد البعلبكي عن ميقاتي قوله أمام مجلس النقابة أمس: «علينا التعاون بواقعية تامة مع موضوع المحكمة لكشف الحقيقة وإحقاق العدالة، وفي الوقت ذاته التأكيد على استقرار لبنان، ولا سيما في ظل وجود فريق من اللبنانيين يرى أن المحكمة تستهدفه. علينا التوفيق بين الأمرين وعدم اعتبار أي منهما متعارضاً مع الآخر»، مجدداً تأكيد الاستمرار بكل الالتزامات تجاه المحكمة «إلى حين حصول إجماع لبناني على أي أمر آخر». ورداً على سؤال عن كلام الأمين العام لحزب الله «في شأن عدم تسليم المتهمين الأربعة إلى المحكمة الدولية»، قال ميقاتي إنه يقوّم إيجاباً حرص نصر الله على عدم تعريض البلد لأي فتنة، «وفي الوقت ذاته أحتفظ بحقي في أن أقوم بواجباتي كما تقتضيها الأصول الدستورية والقانونية والقضائية»، مؤكداً أن السلطة السياسية لن تقوم بأي عمل من شأنه أن يعرقل عمل الأجهزة القضائية في هذا الشأن».

وفي ردّ غير مباشر على 14 آذار، جدّد الرئيس نبيه بري، في كلمة خلال إحياء الذكرى السنوية الأولى لرحيل السيد محمد حسين فضل الله، دعوته «الجميع للخروج من مرحلة المراهقة السياسية، وعدم الضغط على الحكومة قبل أن تبدأ بالعمل»، مؤكداً الرفض التام للاستقواء بالسلاح «ونقول: إن شرف سلاح المقاومة هو في وجوده في مواقع المقاومة وتلبية نداء الوطن إلى جانب الجيش في ساعة الشدة لا أكثر ولا أقل». وعن المحكمة الدولية، قال: «لقد حذرنا من مسلك التحقيق الدولي في ما يتعلق بالمحكمة الخاصة بلبنان، وطالبنا بمحاسبة شهود الزور، ونرى أبعاداً سياسية للقرار الاتهامي الذي مثّل في لحظة صدوره أداة من أدوات الفوضى الخلاقة التي تهدف إلى زيادة التوتر»، معلناً أننا «سناسد موقف الحكومة في التعاطي مع القرار الظني والمحكمة الدولية وفقاً لنص البيان الوزاري، ونطالب بأن يكون على أعلى جدول أعمال الحكومة إعادة الثقة إلى القضاء اللبناني».

وفي الاحتفال نفسه، جدّد نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم موقف الحزب من المحكمة، وهو أنها «مسار أميركي إسرائيلي عدواني مخصصة لإسقاط العدالة والحقيقة»، وقال لقوى 14 آذار: «راجعوا سياساتكم التي أخرجتكم من السلطة بالإرادة الشعبية، ولو دامت لغيركم لما آلت إليكم، ثم خسرتموها. وهل أفجعكم الخروج من السلطة إلى هذه الدرجة؟ وهل تستحق السلطة أن توقظوا الفتنة للإمساك بها؟ وهل تعتقدون أن المسار الإسرائيلي والأميركي سينفعكم؟». وشدد على أن «التحريض الداخلي والخارجي لن ينفع لبنان، ولن ننجر إلى ما تفعلون، وستستمر المقاومة شامخة عزيزة وعلى الله الاتكال».

كذلك أعلنت كتلة التنمية والتحرير، إثر اجتماع عقدته برئاسة بري أمس، رفضها «لغة التهديد والتهويل والاستقواء بالخارج في القضايا الوطنية وفي ما يتصل بعمل الحكومة»، وأكدت أنها ستمنح الحكومة الثقة.
وبعد ترؤسه اجتماع تكتل التغيير والإصلاح، استغرب العماد ميشال عون «البدء بمعارضة الحكومة قبل نيلها الثقة، وقبل أن تقوم بأي عمل»، متهماً المعارضين بأنهم حوّلوا شعار «كلنا للوطن» إلى «كلنا على الوطن». وقال إن كلام المجتمعين في البريستول «عن حملة خارجية لمقاطعة لبنان»، هو بمثابة عمل إجرامي وتهديد للبنانيين، مضيفاً «إن توجه مواطن معارض إلى دولة أخرى وسعيه إلى فرض عقوبات على أهله أمر غير مقبول». ورأى أن «هناك عدم مسؤولية في تصرفاتهم، وعدم وعي، ونلاحظ أن هناك بالفعل فقداناً للأعصاب»، طالباً منهم «لمصلحتهم الخاصة، ألا يكثروا من الكلام غداً (اليوم)، وأن يبقوا ضمن الأصول الديموقراطية. وأكد عدم الخوف «من أي تدبير، وننصحهم بألا يتطاولوا، لا باللسان ولا باليد». ورداً على سؤال قال إن المحكمة الدولية «هي من تعطي الرأي وتحدد إن كان موقف الحكومة مطابقاً لما تريده أو لا. لماذا يعترضون مسبقاً ويقولون إننا مخالفون للقرار الدولي؟ نحن لا نريد أن نتحدث عن المحكمة، ويمكن أن نطبق الاتفاق معها، فلماذا يريدون أن يأخذوا منا اعترافات؟».

أما النائب وليد جنبلاط، فدعا إلى خطاب عقلاني «مختلف عن الكلام المتشنج لفريق المعارضة الذي سيعيد إنتاج التوتر الذي لا يخلو من الاعتبارات الطائفية والمذهبية»، مشدداً على أن «الذهاب بالبلاد إلى أفق مسدود لا يخدم الاستقرار ولا العدالة». وقال: «لقد كانت الجرائم والاغتيالات التي وقعت سياسية بامتياز، والاتهام الذي عبّر عنه القرار الظني سياسي بامتياز أيضاً، وذلك لربما يدخل لبنان في صراع دولي أكبر منه»، وطالب بإفساح المجال أمام الحكومة لتلتقط أنفاسها، على أن تحاسَب لاحقاً على أدائها وسلوكها، وهذا من صميم عمل المعارضة وحقوقها، بعيداً عن التشهير والتجريح»، واضعاً خيارين أمام مناقشة البيان الوزاري: «إما تأكيد أصول الحياة الديموقراطية، أو مناسبة لمبارزات إعلامية وتشويق فولكلوري في غير مكانه وزمانه، ويترك تداعياته السلبية ميدانياً. والمسؤولية هنا تقع على عاتق القوى السياسية قاطبة».

إذاً، اليوم يبدأ مهرجان الثقة في البرلمان. فريقا الأكثرية والأقلية أنجزا خططهما الهجومية والدفاعية: قوى 14 آذار قسّمت الأدوار، وأسقطت فكرة جرى تداولها ليل أمس بالخروج من القاعة العامة وإعلان بيان من خارج المجلس، بعدما «تحمّس» مسيحيّو 14 آذار للرد على كلام عون. وأكدت مصادر رفيعة المستوى في قوى الأقلية أنها ستكتفي برفع السقف عالياً داخل المجلس، وعدم نقل الصراع السياسي إلى الشارع، أقلّه في الأيام القليلة المقبلة. أما قوى الأكثرية، فوضعت خطة دفاعية عن حكومة ميقاتي، قررت فيها عدم المبادرة إلى أي هجوم، والاكتفاء بالرد على كل هجوم بما يناسبه.

أما ميقاتي، فأكدت أوساطه أنه لن يكرر تجربة الرئيس عمر كرامي عام 2005، بل سيتبع تكتيك «تبريد الأعصاب والاستيعاب ثم الهجوم متى يجب ذلك»، على صورة بيان مكتبه أمس.

السابق
البناء: تنشر صور الوثائق الموقّعة لنقل كمبيوترات التحقيق الدولي إلى إسرائيل و جلسات الثقة تنطلق وتصعيد «14 آذار» لن يحول دونها
التالي
الانباء: نزال نيابي شرس بين الحكومة والمعارضة اللبنانية اليوم وميقاتي لـ14 آذار: نعرف من سعى لتسوية على حساب دم الشهداء