النهار: القرار الاتهامي ينقل لبنان إلى مرحلة الاختبار الحاسم مذكرات في حق 4 من “حزب الله” والمهلة 30 يوماً

وأخيرا، صدر القرار الاتهامي.
بعد اربع سنوات من انشاء المحكمة الخاصة بلبنان في ايار 2007 بموجب القرار الدولي 1757 وتحت أحكام الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة. وبعد سنتين من انطلاقة عملها في آذار 2009، بات 30 حزيران 2011 تاريخا مفصليا جديدا في مسار عمل المحكمة الدولية مع تسلم السلطة القضائية اللبنانية أربع مذكرات توقيف صادرة في حق لبنانيين في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري مع القرار الاتهامي.

ويكتسب هذا التطور القضائي الدولي أهمية استثنائية لكونه أطلق اجرائيا العد العكسي للعملية الحاسمة في مسار المحكمة والمتمثلة في الاستعداد لبدء المحاكمة بعد مهلة الايام الثلاثين المحددة للقضاء اللبناني والسلطات المعنية لتنفيذ مذكرات التوقيف واخطار المحكمة بالنتائج سلبا أو ايجابا. أما من الجانب اللبناني، فان الاهمية التي توازي الجانب الاجرائي تتمثل في انتصار غير مسبوق لمنطق العدالة في وضع حد للافلات من العقاب في مسلسل الاغتيالات السياسية الذي عاناه لبنان طوال عقود وكانت ذروة انفجاره الدراماتيكي في حرب الاغتيالات الموصوفة التي أودت منذ خريف 2004 بزعماء وسياسيين وصحافيين وقادة رأي وطبعت البلاد بأزمات هائلة متلاحقة حتى الوقت الحاضر.

وجاء صدور القرار الاتهامي وسط تزامن مذهل بين انعقاد مجلس الوزراء صباح امس لاقرار البيان الوزاري للحكومة الجديدة والمعلومات المتسارعة عن صدور القرار، إذ بدا واضحا أن الحكومة كانت تسابق العد العكسي لتسليم مذكرات التوقيف الى القضاء وتسعى جاهدة الى الخروج بصيغة تكرس عبرها "الموقف الجديد" للأكثرية من المحكمة، من غير ان تستثير المجتمع الدولي. واذا كانت ردود الفعل المعارضة على الصيغة التي اعتمدت سباقة في تظهير تراجع الحكومة عن التزامات لبنان الدولية قياسا بالصيغة التي وردت في البيان الوزاري للحكومة السابقة، فان هذا العامل شكل عنصرا اضافيا وأساسيا في رسم معالم الصفحة الجديدة التي فتحت مع صدور القرار الاتهامي والتي يبدو معها الوضع الداخلي مقبلا على احتدام سياسي واسع.

ذلك أن لبنان عاش أمس يوما محموما من حبس الانفاس في ضوء اقتصار المعلومات عن القرار الاتهامي على الجانب غير الرسمي في ضوء السرية المطبقة التي واكبت عملية تبليغ الاجراءات للقضاء وقرار قاضي الاجراءات التمهيدية في المحكمة دانيال فرانسين ابقاء القرار سريا في هذه المرحلة. ووقت كان المدعي العام التمييزي سعيد ميرزا يتبلغ من وفد ثلاثي من المحكمة هذه الاجراءات، تسربت أسماء أربعة متهمين ذكر انهم ينتمون الى "حزب الله" وشملتهم المذكرات وهم: مصطفى بدر ا لدين شقيق زوجة القيادي في "حزب الله" عماد مغنية الذي اغتيل في 2008، أسد صبرا وحسين عنيسي وسليم العياش.
وعلمت "النهار" ان ميرزا تسلم من وفد المحكمة أربعة مظاريف مختومة يتضمن كل منها نسخة من القرار الاتهامي لتسليمها الى المتهمين الاربعة في حال توقيفهم. كما علمت ان ميرزا لم يتسلم نسخة من القرار الاتهامي للاطلاع عليه انما تسلم المذكرات التي يقتضي تنفيذها وفقا للقرار.
وأفادت مصادر قضائية ان ميرزا باشر على الفور اجراءات تنفيذ مذكرات التوقيف عبر قسم المباحث الجنائية المركزية الذي يتخذ قصر العدل مقرا له.

وأعلنت المحكمة الخاصة بلبنان مساء في بيانين لها ان قاضي الاجراءات التمهيدية صادق على قرار الاتهام الثلثاء الماضي 28 حزيران، موضحة ان المصادقة على القرار "تعني ان القاضي فرانسين مقتنع بوجود أدلة كافية للانتقال الى المحاكمة (…) إلا أن ذلك ليس حكما بالادانة ويعتبر أي متهم بريئا حتى تثبت ادانته في المحاكمة". وكشفت ان فرانسين قرر ابقاء قرار الاتهام سريا "لمساعدة السلطات اللبنانية على الوفاء بالتزامها توقيف المتهمين". وأضافت انه يتعين على السلطات اللبنانية ابلاغ رئيس المحكمة التدابير التي اتخذتها الدولة لتوقيف الشخص او الاشخاص الذين وردت اسماؤهم في قرار الاتهام في مهلة لا تتجاوز 30 يوما "واذا لم يوقف أي فرد او أفراد بعد انقضاء المهلة واذا رأى رئيس المحكمة ان محاولات معقولة قد جرت لتبليغ قرار الاتهام جاز له ان يقرر اصدار اعلان عام بالتشاور مع قاضي الاجراءات التمهيدية".

وأبلغت مصادر عسكرية "النهار" ان الجيش كان اتخذ قبل 72 ساعة من صدور القرار الاتهامي تدابير أمنية لمواكبة صدوره في كل المناطق وخصوصا في بيروت والشمال.
وفيما رفض المسؤولون في "حزب الله" التعليق على صدور القرار والاسماء التي يشملها، جددت محطة "المنار" التلفزيونية مساء امس اتهام المحكمة بالتسييس، وقالت: "نطق أرباب المحكمة بقرارهم المعروف سلفا"، معتبرة ان "لا مفاجآت في الاسماء" ورأت ان "المحكمة ضبطت بالجرم المشهود وهي تضبط على ساعة استحقاقات لبنانية واقليمية"، مشيرة الى ان الاسماء التي يتضمنها القرار الاتهامي هي نفسها التي أظهرتها "التسريبات غير الرسمية (…) مما يعني ان المحكمة مسيسة ومتخمة بشتى صنوف أجهزة الاستخبارات".

ولم يعرف بعد ما اذا كان الحزب سيعلن موقفا قريبا من القرار بينما علم ان الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله سيلقي كلمة متلفزة في الخامسة مساء الثلثاء المقبل في مناسبة "يوم الجرحى". كما ان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط سيعقد في الحادية عشرة والنصف قبل ظهر اليوم مؤتمرا صحافيا في كليمنصو يحدد فيه موقفه من القرار الاتهامي وطريقة التعامل معه.

14 آذار
في المقابل، قوبل صدور القرار الاتهامي بترحيب واسع من قوى 14 آذار مقرون بتحميل الحكومة مسؤولية التعاون مع المحكمة والتحذير من أي تراجع عن التزامات لبنان حيالها. ووصف الرئيس سعد الحريري صدور القرار بأنه "لحظة تاريخية مميزة في حياة لبنان السياسية والقضائية والامنية والاخلاقية". وطالب الحكومة بتنفيذ التزامات لبنان حيال المحكمة قائلا: "لا حجة لأحد في الهروب من هذه المسؤولية (…) نهاية زمن القتلة قد بدأت وبداية زمن العدالة أوشكت".
وصدرت مواقف مماثلة للرئيس أمين الجميل ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع والامانة العامة لقوى 14 آذار.
ويشار في هذا السياق الى ان معلومات أفادت ان القرار الاتهامي يتضمن معطيات تثبت الارتباط بين المتهمين الاربعة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وجرائم اغتيال جورج حاوي ومحاولتي اغتيال النائب مروان حماده ونائب رئيس الوزراء السابق الياس المر.
وقال حماده في مداخلة مساء امس مع "المؤسسة اللبنانية للارسال" انه لم يطلع على أسماء المتهمين ولم يسمع بمعظمهم. ولفت الى الشكوك التي بدأت مع خروج وزراء من الحكومة منذ طلب تشكيل المحكمة يوم اغتيال جبران تويني، وتوجه الى السيد نصرالله والحكومة مطالبا "بالتعاون مع المحكمة والتزام هذا التعاون ليكون القرار جزءا من الربيع العربي واللبناني". وحذر من "العداء السافر مع المحكمة".
أما المر، فحمل في مداخلة أخرى رئيس الجمهورية ميشال سليمان "مسؤولية كشف لبنان أمنيا في الماضي والحاضر والمستقبل" وقال: "كنت معه منذ ان كان قائدا للجيش ولم يقم بواجباته في التحقيق في مسألة محاولة اغتيالي وبموقفه من مسألة الحكومة أخيرا كشفنا أمنيا".

البيان الوزاري
في غضون ذلك، عقد مجلس الوزراء جلسة طويلة استمرت نحو أربع ساعات انجز فيها اقرار البيان الوزاري وظل خلالها البند 14 محور أخذ ورد الى ان أقر كما وضعته اللجنة الوزارية مساء الاربعاء من دون تعديل. وعلمت "النهار" ان تسعة وزراء سجلوا تحفظاتهم عن عبارة "مبدئيا" الواردة في صلب البند وهم الوزراء غازي العريضي، وائل أبو فاعور، علاء الدين ترو، وليد الداعوق، حسان دياب، نقولا نحاس، محمد الصفدي، سمير مقبل وأحمد كرامي.
وقد نص البند الرابع عشر على الآتي: "ان الحكومة انطلاقا من احترامها للقرارات الدولية تؤكد حرصها على جلاء الحقيقة وتبيانها في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه وستتابع مسار المحكمة الخاصة بلبنان التي انشئت مبدئيا لاحقاق الحق والعدالة بعيدا من أي تسييس او انتقام وبما لا ينعكس سلبا على استقرار لبنان ووحدته وسلمه الاهلي".
(نص البيان الوزاري ص5)
وعلم ان رئيس مجلس النواب نبيه بري سيحدد غدا موعد بدء جلسات مناقشة البيان الوزاري في المجلس ابتداء من الاثنين او الثلثاء المقبلين.
وقد ألغى رئيس الجمهورية سفره الذي كان مقررا اليوم الى موناكو لحضور زواج أمير موناكو من أجل التفرغ لمتابعة التطورات.

واشنطن
* في واشنطن (هشام ملحم) امتنع الناطق باسم وزارة الخارجية الاميركية مارك تونر عن مناقشة مضمون القرار الاتهامي الصادر عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، لكنه رأى ان صدور القرار الاتهامي بحد ذاته يعتبر "خطوة مهمة في اتجاه العدالة وانهاء الحصانة للاغتيالات السياسية في لبنان". وقال إن حكومته ستعلق على مضمون القرار لاحقاً. وشدد على ضرورة تنفيذ الحكومة اللبنانية واجباتها وفقا للقرار الاتهامي، أي توقيف المتهمين و"من الواضح اننا نريد نهاية هذا الفصل في تاريخ لبنان، وهذا يتطلب اتخاذ الخطوات الاخرى… وبالنسبة إلى الحكومة وما نطلبه منها، فقد كنا واضحين بأننا نريدها ان تطبق واجباتها الدولية، وهذا يتضمن تنفيذ تعهداتها للامم المتحدة وللمحكمة الخاصة" بلبنان.

وامتنع عن التكهن بموقف واشنطن اذا رفضت الحكومة اللبنانية توقيف المتهمين قائلاً: "دعونا لا نستبق الأمور… وسنرى ما الذي ستقوم به الحكومة اللبنانية لاحقاً. نحن نتوقعها ان تتخذ الاجراءات". وذكّر "بالتزامات الحكومة السابقة للامم المتحدة، وعلى هذه الحكومة الجديدة ان تلتزم هذه التعهدات".

وقال مصدر رسمي بارز معني بالشأن اللبناني لـ"النهار" إن الانظار ستتركز الان على ميقاتي "الذي أراد هذا المنصب بالشركة مع نصرالله وحلفائه. والان عليه ان يصون شرف لبنان في ظل ظروف صعبة". ولاحظ انه مع مرور الوقت "سوف تسود" صدقية المحكمة الدولية "على محاولات حزب الله الفظة وحتى المضحكة التي كان لها بعض التأثير في تقويض سمعة المحكمة الخاصة… ولكن مما لا شك فيه ان حزب الله لن يفلت من الحكم الحتمي، أي ان جريمة قتل رفيق الحريري ورفاقه سوف تبقى مخيمة فوق رأس نصرالله وشركائه الى الابد".

السابق
السفير: لبنان يستوعب بهدوء القرار الاتهامي في جريمة الحريري سعد الحريري يؤكّد أن ملاحقة المتهمين مسؤولية الحكومة … وجعجع يدعو لتنفيذ التوقيفات!
التالي
البناء: لبنان يتجاوز الصدمة بعد تكرار سيناريو ديرشبيغل هل التوقيت المُبرمَج لصدور القرار الاتهامي جائزة ترضية لـ 14 آذار؟