ولد في جبشيت، تلقى دراسته الأولى في النبطية، ثم سافر إلى النجف عام 1919 بعد أن عاد منها والده العلامة الشيخ عبد الكريم الزين وتفرَّغ لأبناء عاملة يهديهم أمور دينهم ودنياهم في عصر كان فيه العلم عملة نادرة.
ويقول شيخنا «عندما ذهبت إلى النجف، كنت أحمل روحاً عربية بالفطرة، أما الثقافة والوعي السياسي فلم يكن موجوداً، كنت مندفعاً ضد الاستعمار بعاطفة قومية، مع عدم فهمنا لها».
من النجف إلى جبل عامل وبالعكس
بعد ذلك جاءت أفواج جديدة إلى النجف قادمة من جبل عامل منهم: الشيخ حسين مروة، الشيخ محمد شرارة، السيد هاشم الأمين، فانخرط شيخنا معهم وكانوا أشبه ما يكون بكتلة مميزة تعنى بكشف النزعات التجديدية وترفض الأدب البالي القديم، فأسّسوا «منظمة الشبيبة» عام 1925 وكانت كتابات الشيخ علي الزين تدور حول التعليم وأوضاع المدارس الدينية والحاجة إلى تجديد مناهجها.
وفي عام 1928 عاد الشيخ علي الزين إلى لبنان واستقر في بلدته جبشيت واتصل ببعض الأدباء والشعراء في ذلك الوقت وأسس «عصبة الأدب العاملي» عام 1935 وترأسّها شخصياً وضمت من بينها: الأستاذ عبد اللطيف شرارة، الشيخ محسن شرارة، الشاعر موسى زين شرارة، الشاعر عبد الحسين عبد الله، الأستاذ نور الدين بدر الدين، السيد زهرة الحر، الشيخ حسين مروة، الشاعر عبد المطلب الأمين وأخوه السيد هاشم وغيرهم…
وكان أعضاء هذه الرابطة يسعون إلى إحداث نهضة وتغيير في الأدب والثقافة عموماً تنقذه في القديم وتدفعه نحو الجديد.
اهتم الشيخ علي الزين بتاريخ جبل عامل خصوصاً وسعى إلى كشف الحقائق المطموسة واضعاً الأحداث التاريخية في موقعها الصحيح، مدخلاً الشك إلى بعض المسلّمات التي تعوّد الدارسون الأخذ بها كحقائق غير قابلة للنقاش. ومن هذه المؤلفات: «مع التاريخ العاملي»، «للبحث عن تاريخنا»، «فصول من تاريخ الشيعة في لبنان» وغيره.
وبعد حياة حافلة، أغنت دنيا العلم والأدب في جبل عامل توفي الشيخ علي الزين عام 1984 مخلِّفاً ذرِّية لها حضوراً لافتاً في ميادين الثقافة والأدب والصحافة نذكر منهم حفيده الصحافي اللامع في جريدة «النهار» الأستاذ جهاد الزين نجل الدكتور حسن الزين. أما شعره الطريف فلنا معه وقفة حميمة.
ليالي الصدّ
فمن رسائله الشعرية إلى الشيخ محسن شرارة عندما أحجم عن حضور المجالس الأدبية في النجف هذه القصيدة:
ليالي الصد حسبك مالقينا وحسبي منك جد العابثينا
لقد ضلَّت بك الأحلام قصداً وشذَّت منطقاً وهفت طنونا
وحبّ ضاق جهدي عن مداه وعزّ على الرياضة أن يلينا
تعهدناه إكباراً وصوناً وطفنا بالمجامر خاشعينا
وتمعن في العزوف على التغابي ممالأة لخبث الماكرينا!
فليس اللين نبلاً كلّ حين ولا معنى الكياسة أن نهونا
أدعوك للأنس
دعا المرحوم الشيخ محمد رضا الزين قاضي النبطية آنذاك جماعة من إخوانه وأصفيائه من أهل الفضل والأدب، إلى مأدبة غداء على نبع (الميذنة) منهم الأساتذة الشيخ أحمد رضا والشيخ سليمان ظاهر والسيد محمد الحسن والفكه الأديب عبد الله كحيل ثم وجّه الدعوة إلى الشيخ علي الزين بهذه الأبيات:
أدعوك للأنس في أرجاء مئذنة مع عصبة في علاها الدهر يفتخر
فإن أتيت فشمل الأنس مجتمعٌ وإن أبيت فذاك الشمل منتشر
وإن أبيت ولم تخفف لدعوتنا فأنت من عصبة بالدين قد كفروا!!
غير أن الشيخ علي الزين لم يستطع أن يلبي الدعوة فأرسل له القاضي وضيوفه هذه الأبيات:
قل لعلي الزين ما صدّه عن دعوة للأنس في الميذنه
فهل تراه كان في غفلةٍ عن هذه الدعوة أم في سِنه
أم جانب الفضل وأربابه فلم يصب من رأيه أحسنه
أم سلبت (بنت جبيل) له نهى فقد صيرها مسكنه
رماه بالكفر صديق له فيها وما أخفاه بل أعلنه
رموه بالكفر ويهواهم أليس هذي حالة (مسخنه)
إن كان أداه لذا رأيه تباً لهذا الرأي ما أوهنه
أو كان يبغي الأنس غض الجنى فقد أضاع الفرصة الممكنه
أو كان يرجو الخير من غيرها فلا يعود الدور حتى سنه
ابن كحيل (بالعتابا) شدا يحتاج من فضلك (للميجنه)
طل عليه من بعيد ولو من شق باب أو (روزنه) .
فأجاب الشيخ علي:
ما للهوي والأنس والميجنه عند بقايا كبد مثخنه؟
يا عصبة للفضل قد أحرزت من كل فنّ رائع أحسنه
أسرفتم بالعتب ضمن الثنا حتى تحامى القلب ما أيقنه
الهزء والإسفاف من لحنها حلاً محل العلة المزمنه
كادت تذود الجد عن ورده وتصرف الأقلام (للميجنه)
إن تأخذوا الأحباب في هفوة ليست على القائل (مستهجنه)
أو تأخذوني باحترامي لهم جرياً مع الإنصاف لا (مسكنه)
فكم لهم في العنق من منَّة على حياتي ويد محسنه
تقهقر (السل) لها عنوةً وضلَّ (عزرائيل) ما دوّنه!
واستمتعت بالعلم غضَّ الجنى وقد أصابت فيكم معدنه
وآنست بابن (كحيل) فتى في معرض النكتة ما (ألعنه)!
وإن يدر للرقص أو للغناء لم يعد وضعاً حجر المطحنه
يستل همَّ المرء من صدره ويسحر الأعين والألسنه
فكيف بالعصمة منهم إذنٌ وفي سواهم يُصب مأمنه
أم كيف لي بالعتق من لومهم وقولهم: الله (ما أخشنه)
أليس هذا من جنون الفتى أليس هذا منتهى (التيسنه)!
تلال قشور
أرسل السيد جعفر الأمين هذه الأبيات إلى الشيخ علي الزين عندما كان مريضاً في المستشفى 11 كانون الأول سنة 1944:
يعزُّ عليّ لبثك في السرير طريح السقم والألم المرير
بعيد الدار عن وطن وأهل وعن صحب بهم جلو الصدور
فلا «جبشيت» تبصرها بعين ولا «شاي» تعاليه «بكوري»
ولا شيخ تجادله بغسلٍ وبالحدث الصغير أو الكبير!
فيرفع صوته يبدي اعتراضاً وتأخذ بالصياح وبالهدير!
ويغلي في فؤادكما حماسٌ كما تغلي مياهٌ في قدور!
ويشتد النقاش فكل حبرٍ يريد الفوز بالنصر الأخير
فخوفاً منك من سوء المصير ومعركة تدور على الحصير!
استغفر الرحمن
وفي قصيدة بعثها الشيخ علي الزين إلى الشاعر موسى الزين شرارة بمناسبة جوابه على إنذار بانتقاد شعره وقوله:
حتام تعبثُ مستخفاً بالمودة والصحاب
وتصكَّ سمعك عن صدى حبٌّ تمادى أو دعاب
هو من شجوني رقصة المذبو ح أو قلب مذاب
أرسلته وتراً يرنُّ بكل الحن مستطاب
وسترت وجهي خشية من قولهم نعب الغراب
حسبي فقد نهشت قواي العاديات بكل ناب
وتناهبت قلبي الهموم تؤمُه من كل باب
وأحالني هزل الحوادث هيكلاً رثَّ الإهاب
حتى تحامتني العيون وهمهمت حولي الكلاب!
وبقيت أرمقكم كما يرنو إلى الوضر الذباب
وأخال بلدتكم ولو كانت كمعدتكم خراب!
دنيا تضوّع بالمنى وتفيض بالمتع العذاب
أو روضة غناء مشرقة الرفارف والجناب
أو دمنةٌ خضراء ترفل في محاسنها الكذاب
أو مومساً حسناء تلس للشيوخ وللشباب!
أو دمية الفنان لم تحسب لعاطفة حساب
حسبي ابتلاء – والطرير يزيده الأدبُ انجداب
– أني عقلت وإنني أحيا وأدأب للصواب
وقد رد الشاعر موسى الزين شرارة على قصيدة الشيخ علي الزين بقصيدة على نفس الوزن قال فيها:
يا شيخ قل ما شئت لا لومٌ عليك ولا عتاب
وأيأس ولا تطمع فلا (قمحٌ) لديَّ ولا تراب
أنا من علمت فكيف أجزعُ من وعيدك أو أهاب
سيفُ القريض بساعدي إن صال غيري بالقراب
سائل شيوخي هل تركت على معائبهم حجاب؟
ما للحرائر والتبرُّج فالتبرُّج للقحاب!
شعري إذا كان القريض سُلافة كان الحُباب
أو كان أزهار الحقول الشعر كان هو الملاب
غيري له الشاطئ ولي من زاخر الشعر العباب