إحصاء اليد العاملة في قطاعي الفنادق والمطاعم

لعلّ في الاستفزاز المقصود الذي انطوت عليه مداخلة وزير العمل د. شربل نحاس أمس بعض الفائدة. فمناسبة الاستفزاز أكثر من دالة: إطلاق المؤسسة الوطنية للاستخدام لـ«دراسة إحصاء اليد العاملة في قطاعي الفنادق والمطاعم في لبنان»، التي أنجزت بالتعاون مع «منظمة العمل الدولية» و«الوكالة الكندية للتنمية الدولية». والقطاعان الحيويّان، على ما يردّد القيّمون عليهما دوماً، يشكلان عصب الحياة السياحية، وتالياً الاقتصادية في لبنان، وعمادها الأساس. لذا التهاون والاستخفاف في تناول الموضوع غير محمود بالمرة أو بالأحرى غير مسموح البتة.

طبعاً، التحفظ ليس على التعاون مع هاتين المؤسستين المرموقتين كل في مجال عملها، إنما التحفظ، كل التحفظ، على الغياب الفاضح والمشين لإدارة الإحصاء المركزي، تلك التي لا ينقصها شيء يحول دون تعاونها مع مختلف القطاعات في شتى المجالات، وذلك بغية الخروج بدراسات إحصائية وجداول تفصيلية تعتمد على المعاينة الميدانية، بحيث تشكل قاعدة معلومات لصناع القرار والسياسات على أنواعها في لبنان. بذا توفّر أكلافاً عالية على الدولة والقطاعات كافة في آن، من جراء الاستعانة بالمؤسسات الدولية المتخصصة في هذا الحقل.

لكن القاعدة المعمول بها في لبنان وغيره من دول العالم الثالث، والتي تشكل الممر الإلزامي لشتى أنواع النهب المنظم كانت ولا تزال: الأرقام يجب أن تبقى وجهة نظر!

هذا على مستوى الشكل، الذي يتعدى هاهنا بعض جوانب المضمون في أهميته. أما على مستوى المضمون الذي يمكن اختزاله بالمنهجية المتبعة في إجراء الدراسة علاوة على النتائج المتولّدة منها، فقد سجّل نحاس أكثر من ملاحظة جوهرية استدعت ولا شك احمرار بعض الوجوه من المشاركين والحضور على حد سواء.

بعض الأرقام.. وجهة نظر!
بالعودة إلى الدراسة (تحليل د. نجيب عيسى)، التي تهدف حسب معدّيها إلى دعم خدمات التوظيف العامة في لبنان، يتبين أن عدد الفنادق المشمولة بلغت 416 فندقاً، وهي تلحظ جميع الفنادق التي تضمنتها لوائح نقابة أصحاب الفنادق المودعة لدى وزارة السياحة، وقد «تبين للمحققين على الأرض أن هناك عدداً من الفنادق لم تأت على ذكرها اللوائح المذكورة، اما لعدم انتسابها الى النقابة واما لكونها جديدة»(!). وهي توزع على المحافظات بنسبة 53 في المئة لمحافظة جبل لبنان، 24 في المئة لبيروت، و15 في المئة لمحافظة الشمال، و8 في المئة لمحافظات البقاع والجنوب والنبطية مجتمعة.

هذا فيما بلغ عدد المطاعم (المسجلة لدى نقابة أصحاب المطاعم) 350 مطعماً، ونظرا لأن عدد المطاعم الموجودة فعلياً على الأراضي اللبنانية أكبر بكثير من هذا العدد، وحرصاً على ان تكون العينة ممثلة فعلاً للقطاع خصوصاً لناحية التوزيع الجغرافي على المحافظات فقد جرى بالتعاون والتنسيق مع المسؤولين النقابيين إضافة عدد اخر من المطاعم بحيث أصبحت العينة مكونة من 415 مطعماً.

وبلغ عدد العاملين حسب اللوائح الإسمية التي قدمتها المؤسسات المعنية الى المحققين 13280 عاملاً (العدد الفعلي 15408 عمال)، بينهم حوالى 82 في المئة ذكور و18 في المئة إناث. وقد عانت الدراسة من عدم تجاوب عدد لا بأس به من أصحاب المطاعم والفنادق، خوفاً من تدخل السلطات الضريبية والمالية، وفق ما تشير الدراسة.

ثلثا العاملين أقل من 800 ألف

وعلى مستوى التوزع حسب الجنسية، يشكل اللبنانيون حوالى 87،5 في المئة من مجموع العاملين في المؤسسات المشمولة بالتحقيق، والسوريون حوالى 6 في المئة والعرب الآخرون حوالى 3 في المئة، أكثريتهم من مصر والسودان والباقي أي حوالى 3،5 في المئة يتوزعون على مختلف الجنسيات الأجنبية (اثيوبية، هندية، سريلنكية…).

وعلى مستوى الاجور، جاءت نسبة عدم الإجابة على السؤال المتعلق بقيمة الأجر مرتفعة: 47،5 % في استمارة المؤسسات، و24،3 % في استمارة الأفراد. وأظهرت نتائج الاستمارتين أن ثلثي العاملين المصرح عن قيمة رواتبهم يقل الراتب الشهري للواحد منهم عن 800 ألف ليرة (5،9% أقل من 500 ألف و59،5% بين 500 و800 ألف)، في حين ان نسبة الذين يحصلون على راتب يزيد عن مليون و600 ألف ليرة لا تزيد نسبتهم عن 7،1 في المئة من العاملين. والباقي (27.5%) تتراوح رواتبهم ما بين 800 ومليون و600 الف شهرياً.

نقاط الضعف

ومن نقاط الضعف التي أشارت إليها الدراسة، المتضمنة في مقدمة الدراسة، «التغاضي عن تنسيب قسم كبير من العاملين في هذا القطاع إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، إذ 45 في المئة من الفنادق والمطاعم المشمولة تبقي عمالها خارج الإفادة من تقديمات الصندوق، وأكثرية هذه المؤسسات لا تقوم بدورات تأهيل للعاملين فيها، ونسبة العاملين المعوقين متدنية. أما نسبة الإناث العاملات في هذا القطاع فهي منخفضة لسبب شائع وهو الدوام الطويل، وغالبيتهن ذات مستوى تعليمي أكاديمي وينخرطن أكثر في الأعمال الإدارية والكتابة، بيد أن مستوى رواتبهن أقل من الرواتب عند الرجال (…) وهناك أكثرية ساحقة من العاملين في هذا القطاع يؤدون أكثر من 40 ساعة في الأسبوع وتصل إلى 60 ساعة في بعض المؤسسات».

هذا وتلاحظ الدراسة، بعد إيراد معلومات حول «القطاع السياحي» عموماً ودوره ضمن الاقتصاد، إن من حيث مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي أو من حيث فرص العمل التي يتيحها، أنه «في ما يتعلق بقطاع الفنادق والمطاعم تحديداً فلا يتوفر الكثير من المعلومات الموثوقة حوله»، بفعل النسبة الضخمة من العاملين غير المنتسبين إلى الضمان، ربما، والذين يقاسون من جراء ظروف عمل صعبة وشروط غير إنسانية. ما يعني أنهم يعانون من أبشع أنواع الاستغلال، بلا رقابة ولا محاسبة!

فبالرجوع إلى حسابات لبنان الاقتصادية، تلفت الدراسة إلى أن هذا القطاع حقق خلال السنوات 1997-2004 معدل نمو قدره 6،6 في المئة سنوياً، وأصبح هذا المعدل سلبياً في السنتين 2005 و2006 ليعود فيرتفع إلى 0،6 في المئة في عام 2007، ويقفز إلى 9،5 في المئة في العام 2009. وفي عام 1997 شكل قطاع الفنادق والمطاعم نسبة 2،5 في المئة من حجم الاقتصاد اللبناني (قيمة منتجات القطاع نسبة إلى مجموع الإنتاج المحلي)، وأخذت هذه النسبة بالارتفاع إلى أن وصلت إلى 3،3 في المئة في عام 2004، وبعد ذلك انخفضت في الأعوام 2005-2007 إلى 3 و2،8 و2،6 في المئة تباعاً، لتعود فترتفع في العام 2008 إلى 2،8 في المئة.

من ناحية ثانية، لاحظت الدراسة أن «نسبة العاملين في قطاع الفنادق والمطاعم بلغت 2،8 في المئة من اليد العاملة في لبنان في عام 1997 أي حوالى 35 ألف شخص، حسب مصدر آخر إلى حوالى 46400 شخص في العام 2001، أو ما نسبته 3،7 في المئة من مجموع اليد العاملة في العام المذكور. وحسب مصادر نقابية شهد قطاع المطاعم في لبنان منذ العام 2005 نمواً غير مسبوق. فقد تم إنشاء أكثر من 1500 مؤسسة جديدة منتشرة على الأراضي اللبنانية وقدر حجم الاستثمارات في هذا القطاع منذ تلك السنة بـ300 مليون دولار، وتخطى عدد الوظائف التي تم استحداثها 15 ألف وظيفة جديدة (حتى تاريخ 20-10-2010)».

إطلاق الدراسة

تجدر الإشارة إلى أن حفل الإطلاق شهد كلمات لكل من مدير عام المؤسسة الوطنية للاستخدام نبيل ثابت، رئيس نقابة الفنادق بيار الأشقر ممثلاُ بنزار ألوف، ورئيس نقابة المطاعم والمقاهي والباتيسري بول عريس، ونائب المديرة الإقليمية لمنظمة العمل الدولية موريسيو بوسي، والسفيرة الكندية هيلاري شيلدز ادامز، ووزير العمل شربل نحاس.

ففي حين أشار ثابت إلى أن المؤسسة الوطنية للاستخدام تسعى إلى إنشاء قاعدة أدلة تهدف إلى بلورة سياسة توظيف وطنية وتطبيقها في لبنان، لفت بوسي إلى أن هذا التقرير يشكل خطوة أولى مهمة تهدف إلى توفير المعلومات الخاصة بالقطاع في سوق العمل.

وشدد ألوف على أن عامل الخدمة أساسي في إنجاح القطاع الفندقي، كما انه أساسي للتنافس مع الدول المجاورة. أما عريس فلفت إلى أن فوضى التوزيع على مستوى قطاع المطاعم أدت إلى إقفال 30 مؤسسة في الجميزة، كما يواجه قسم كبير من المؤسسات العاملة في مونو مشاكل كثيرة بفعل إصلاح شبكات الصرف الصحي، ونال قسم كبير من مؤسسات الحمراء محاضر ضبط بفعل انتشارها بين السكان.

وتقدم نحاس بملاحظات عديدة وجوهرية حول الدراسة، حيث أشار الى أنه في حين تتضمن الدراسة أموراً عدة، إلا أن خلاصتها تنطوي على مشكلة كبيرة جداً. فعدد العاملين في القطاع مبهم برغم كل الإشارات الواردة في الدراسة. ولاحظ نحاس أيضاً بعد قراءة أولية لنص الدراسة أنها تتحدث عن حصة القطاع السياحي من الناتج، في حين أن تعريف الناتج المحلي الإجمالي لا يلحظ من قريب أو من بعيد تسمية القطاع السياحي، بل يشير إلى حصة كل مكون من مكونات القطاع السياحي نسبة إلى الناتج.
وفي ما يتصل بمنهجية الدراسة، دعا نحاس الى توحيد المفاهيم التي تعتمد للمقارنة في أي قطاع، بحيث تكون القاعدة الإحصائية الأساسية مرجعاً لمختلف القطاعات. ولفت إلى أن المعلومات حول أي قطاع لا تأتي من الإحصاءات وحسب، بل من المصادر الإدارية، فضلاً عن لوائح الضمان، ووزارة المالية.

وبعد إجراء حسبة بسيطة استناداً الى الأرقام الواردة في الدراسة، تساءل نحاس «هل من الممكن أن تكون أرباح القطاع 5،5 مليارات دولار، في حين ان الأجور لا تتجاوز الـ 80 مليون دولار وحسب؟!».

السابق
خريس: المعارضة حكمت على الحكومة الجديدة بالتبعية والفشل قبل البدء بعملها
التالي
القائد الإيطالي يجول على المرجعيات الروحية في صور .