طلاب على خط التماس بين التربية والمدارس الخاصة

عادت «العلاقة المأزومة» بين المدارس الخاصة ووزارة التربية والتعليم العالي إلى الواجهة، بعد قرار الأخيرة تسليم بطاقات ترشيح بديلة للطلاب المتخلفين عن دفع أقساطهم، إذا لم تعطهم المدارس إياها. قرار، استرجعت معه إدارات المدارس ذكريات، «ليست جميلة»، تسببت في مراحل سابقة بـ «أزمة ثقة متبادلة» كان من نتائجها وصول الطالب إلى لحظات حرجة وإصدار قرارات عشوائية

قبل أربعة أيام من موعد انطلاق الامتحانات الرسمية، خرج المدير العام للتربية فادي يرق ليعلن، في حديث تلفزيوني، قرار الوزارة منح الطلاب المتقدمين لامتحانات الشهادتين المتوسطة والثانوية بطاقات ترشيح، إذا لم يستطيعوا الحصول عليها من مدارسهم، إثر التقدم بدعوى ربط نزاع أمام مجلس العمل التحكيمي التربوي. بعد الإعلان، تقدم «المضطرون» بكتاب لدى المنطقة التربوية التي تتبع لها مدارسهم، ونال نحو 115 منهم بطاقات بديلة للترشيح عن تلك التي احتجزتها المدارس بسبب عدم تسديدهم الأقساط. يومها، قامت الدنيا ولم تقعد.

استنفر اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة، باعتبار أنه المتضرر الأكبر. فمترتبات القرار كثيرة، وعلى المديَين: القريب والبعيد.
على المدى الأول، لن يكون في مقدور بعض المدارس الخاصة التي تعاني «مشاكل مالية» مع طلابها تحصيل المستحقات إلّا بدعاوى قانونية… أو التسوية، وهي صعبة في هذه المرحلة، لكون بعض الطلاب المتقدمين للشهادة سيتركون مدارسهم عقب هذه المرحلة، إلّا «إذا كان لهم أخوة في المدرسة»، يقول رئيس الاتحاد الأب مروان تابت.
أما على المدى الآخر، فتتخوف معظم إدارات المدارس الخاصة من أن يصبح «الاستثناء»، الذي اتخذته وزارة التربية هذا العام، عرفاً يسري على السنوات المقبلة. وهنا، بطبيعة الحال، سيكبر الرقم: 115 يصبحون 1150 وربما أكثر، والأهالي لن يجدوا مفراً من «الاسترحام» أمام الوزارة مجدداً، التي لن يكون بمقدورها هي الأخرى حرمان أيّ طالب حقّه.
كبرت الهواجس، فكثرت الأسئلة لدى أصحاب المدارس الخاصة: لمَ يراد «تعويد الناس الحرام»؟ من يحمي حقوق المدارس أيضاً؟ لمَ لا يفسح المجال للتفاهم بين إدارات المدارس وأولياء الأمور قبل اتخاذ «قرار شمولي»؟ لمَ لم تُعلم الوزارة أصحاب القضية بقرارها أولاً؟
الجواب الأوّلي على هذا الرشق من الأسئلة، أسئلة يوجّهها المسؤولون التربويون في الوزارة إلى «أصحاب القضية»: «ماذا نفعل بمن تُهدّدون حقوقهم؟ ولمَ لم تحصل التسويات قبل الوصول إلى تلك اللحظة الحرجة؟».
الأسئلة التي تضيع الآن في زحمة الامتحانات، لم تبقَ عالقة من دون أجوبة، فكل طرف يحمل في جعبته مجموعة من الأجوبة، أو في أحسن الأحوال، استيضاحات، قد يتفقون في بعضها ويختلفون في أخرى، لكن المؤكد أن لكل منهم وجهة نظره: الأهالي، لجان الأهالي، إدارات المدارس الخاصة، ووزارة التربية.
القصة تبدأ من اعتراض إدارات المدارس الخاصة على قرار الوزارة الذي أتى من «دون تنسيق»، كما يقول مسؤول الشؤون التربوية في جمعية المقاصد الخيرية الدكتور كامل دلال، «وهو ما ترفضه الوزارة، حاسمةً الموقف بعبارة واحدة: نسّقنا مع الاتحاد».
نسقت الوزارة أم لم تنسق. لا فرق، فالثقة «غير مضمونة» بين الطرفين، وخصوصاً أن هناك سوابق في هذا الموضوع. فقد سبق للوزارة، بحسب دلال، أن اتخذت قراراً مشابهاً في عهد وزير سابق «فيما كان الطلب الدائم للمدارس هو التنسيق وإعطاؤنا الفرصة لنكون قادرين على التفاهم مع الأهل قبل الحسم من أعلى»، باعتبار أن «القصة كلها لا تكلف أكثر من اتصال هاتفي». هكذا، يقول الرجل، بينما يجيب رئيس المنطقة التربوية في بيروت محمد الجمل «فعلنا ما يجب فعله في اللحظة الحرجة».
لكن، لو لم تفعل الوزارة «اللازم» في لحظة حرجة، ماذا كانت ستكون الآلية للوصول إلى تسوية؟ هنا، يجيب الأب تابت: «تتألف لجنة وساطة بيننا وبين الوزارة، ومهمتها درس كل طلبات الطلاب المتخلفين عن دفع الأقساط، ومن ثم تُفرز الحالات وتحوّل إلى المدارس التي ينتمي إليها الطالب لتسوَّى».
لكن، بما أن الآلية لم تخطر على البال، بسبب اللحظة الحرجة، عقد اتحاد المؤسسات اجتماعاً استثنائياً الأسبوع الماضي اتخذ بموجبه قراراً يقضي «بالطلب من مؤسساتنا ملفات الطلاب الحاصلين على بطاقات ترشيح بديلة، ورفعها إلى وزارة التربية لمعرفة من تقدّم بورقة ربط نزاع ومن نال بطاقته مباشرةً من الوزارة». فهنا، في الحالة الأخيرة «تتحمل الوزارة المسؤولية»، في رأي تابت. ورغم تأكيد يرق أن جميع الحاصلين على بطاقاتهم تقدموا بكتب إلى المنطقة التربوية، التي حولتها بدورها إلى المجلس التحكيمي، ثمة خوف «من التسريبات التي يقوم بها الموظفون، كأنْ يعطوا بطاقات مباشرة للطلاب من دون المرور بالمجلس التحكيمي»، يقول.
وسط «الطاسة الضايعة» بين الوزارة والمدارس الخاصة، ماذا عن اتحادات لجان الأهل والأهل أنفسهم المتأرجحين بين طرفي النزاع: بين مدرسة يعجزون عن تسديد مستحقاتها التي «تتضخم» عاماً بعد عام، ووزارة لا تُعدّ نفسها مسؤولة عنهم إلا في اللحظات الحرجة.
هنا، لا مجال للحديث إلا عن «مساعدة» يطمح إليها الأهالي من الطرفين. ولئن كانت المدارس تُجمع على أنها «لم توفّر يوماً طريقاً للمساعدة»، كما يقول المدير العام للمؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم الشيخ مصطفى قصير، فكيف ستسهم الوزارة في المساعدة؟ سريعاً يأتي الجواب من رئيس اتحاد لجان الأهل في كسروان ـــــ الفتوح جوزف بطيش «يعني بس تطلع الوزارة بمشروع زيادة الأقساط بطرق مختلفة مثل درجات الأساتذة وغيرها من الخطوات، عليها أن تسهم مع الأهالي بـ50% من هذه الزيادة، كأن تساعد المدارس بالمازوت والكهرباء وغيرها من الأمور».
حلّ لا يبدو مشجعاً، لكون الوزارة لا تدعم إلا «المدارس الخاصة المجانية»، يقول يرق. وإن كان لا بد من المساعدة «فأهلاً وسهلاً بالجميع في المدرسة الرسمية».

السابق
علّهم لا يفشلونك
التالي
عرقجي: انتقد مواقف 14 آذار معتبرا مواقفها معاكسة للواقع