نحو خطاب اعتدالي في الإعلام الديني

يحق السؤال بقوة ,عن التسيب المذهبي فيما نشاهده على القنوات الفضائية الإسلامية ,الحديث ليس تعميميا بالتأكيد ,هناك قنوات تحترم عقل المشاهد ,وتحترم أهدافها الرسالية حتى مع انطلاقها وإشهارها لهويتها الخاصة,يعرف العاملون عليها أساليب التخاطب وطرائق مقاربة عقل وثقافة المختلف في مديات الفضاء الإعلامي المفتوح على مصراعيه,هذه القنوات قليلة جدا للأسف الشديد .
هل يكفي التوفر على بعض الأموال الكافية لامتلاك فضائية وتصدرها لإلقاء طوفان من الأفكار المحتبسة في المضائق المذهبية والتي تنتمي إلى عوالم التصدع والشروخات السياسية في عقل وجسد الأمة ؟
هذا ما يحصل فعلا وبشكل يومي !! يشير ذلك بشكل قاطع لا لبس فيه إلى عدم معرفة تلك الفضائيات بالجغرافيا السياسية المتحركة كالرمال العاصفة !!فضلا عن عدم الالتفات لكيفية إدارة الفكر الإسلامي لعقل الإنسان ,.فالإسلام في مرتكزاته التحتية والفوقية عقلاني إلى أقصى الحدود وهنا يكمن جلاله ويتجلى جماله .
إن من أهم الثوابت والمرتكزات الأساسية لهذا الدين العظيم ,أنه لم يسع الى تشكيل الصخب في وعي المنتمين اليه ,بل عمل في كل نصوصه الأولى والواضحة الانتماء والصدور عنه إلى صياغة مخيال ديني يقوم في كل بناءاته على العقلانية ووظف كل أساليبه الرائعة للوصول إلى هذا الهدف .
أتابع أحيانا بعض الفضائيات لأخذ عينات تثقيفية مذهبية ومعرفة المدى المتشقق الذي وصلنا إليه ,والنتيجة الأولية لهذه المعاينة لميكانيك العقل المذهبي انه يغلب عليه طابع الاحتراب بين المسلمين في طريقة ممارسة الفريضة الكلامية والتبليغية المقدسة ,وأيضا يتبدى الاغتراب الواضح عن فقه اتصال العالم الفضائي إعلاميا في فاعليته الكبيرة بالمدى الأرضي وانفعاله وتأثره بأي فكرة تلقى إليه وتدير عقله الديني المتداخل بنيويا مع عقله السياسي وتموضعه في الرقعة الجغرافية التي يعيش عليها .
البعض يعمل في هذا الشكل من الصخب لأنه يشعر بحرمان تاريخي من التعبير عن أفكاره المذهبية ,يعتقد بأن الآخر المذهبي كان يمتلك السلطة بما تشمل القدرة على سلطة القول وممكناته ,بينما هو كان يندرج في صلب معارضة تاريخية لم يمكنها التعبير عن أفكارها في إطار حرية لم تكن ممكنة ,قد يكون هذا صحيحا وبملابسات "سياسية " ولكنه لا يعني تصحيح طرائق المخاطبة بالطريقة التي تمارس ومن دون مكابح ,أن ارتفاع منسوب التعبير في المدى الحر والمفتوح على قاعدة العبث بأعصاب أبناء المذاهب وتحميلهم أوزارا تداخل فيها السياسي مع المذهبي بل وظلم فيها المذهبي لصالح التوظيف السياسي خطيئة كبرى وإثمها اكبر من نفعها بما لايقاس بل لا نفع لها أصلا .
أيضا ما يجري من منصات أخرى محكوم بعقدة التمدد المذهبي الاخر ولو برافعات سياسية ومحكوم أيضا بتمثلات تحيل إلى الدفاع عن مكتسبات تاريخية سياسية ,وهذه الطريقة في الخطاب لا توصل أيضا إلا إلى طريق مسدود ومستقبل مظلم على جميعنا .
ما نريده بكل قوة ,هو إعادة التفكير والنظر بطريقة ممارسة الخطاب الإسلامي العابر للحدود والعمل على صياغة خطاب معتدل يمكنه مخاطبة الجميع بلا استفزاز ,ففي الإسلام بكل مندرجاته قيم بإمكانها بناء مجتمع حر ومستقيم ,ما نتمناه هو العمل على توحيد الخطاب الإسلامي التبليغي والدعوي لتشكيل وعي إسلامي موحد ليمكننا معالجة مشاكلنا الكبيرة جدا كما ونوعا ,أقول هذا مع علمي تماما أن هذه الفضائيات المحمومة هي إفرازات لتصدع وحدة أنساق مرجعياتها "الثقافية "في الداخل المذهبي ,وإعتناقات تلك المرجعيات "الثقافية" لطرائق مقاربة لبنية خطابها وتجلياته وأهدافها بما يجعلها الى خارج التاريخ أقرب.

السابق
الادّعاء على مرافق وهّاب بجرم التعامل مع إسرائيل
التالي
حملة تشجير في عيناتا الجنوبية