فوبيا الاسلام في وعي الاخر

مما لا شك فيه أن هناك بعض التصرفات التي تصدر باسم الدين تفرض على المرء مجموعة من المساءلات تتوجه إلى المتدينين أنفسهم وصولا إلى الدين نفسه في إطار عملية استجلاء لموقفه الصريح والحاسم منها ,وفي إطار الإجابة على تلك الإشكاليات لا بد من إقامة فرز واضح بين المفردات والمفاهيم والمصطلحات كي لا تحيل الاشتباهات المصطلحية إلى نقائضها تماما فلا يعني على سبيل المثال مفهوم "الاستبداد الديني " -في أبعاد هذا المصطلح والمدعم بأمثلة في الواقع الإسلامي المعاش –استبداد الدين نفسه.
فلم يكن الاستبداد الديني الذي مورس على الناس في أوروبا عصور الظلام استبدادا إنجيليا ,لم يدعو الإنجيل يوما إلى قتل الناس بجريرة العلم وإرادة المعرفة وممارسة فريضة التفكير ما حصل في أوروبا هو إفراز لإقامة وزارات ألحقائق في مربعات المعابد كانت تفرض أنماط السلوك وطرائق التفكير الشامل المنسحب على إرادات الشعوب وتطلعاتها ما أدى في النهاية إلى أن دفع الدين نفسه ضريبة باهظة بعد أن سدد الاجتماع الأوروبي الكثير من أقساطها في طريقه إلى تحرره الشامل .
إلى جانب ذلك ألا يحق لأحد أن يسأل, من المسئول عن تقديم النبي محمد(ص)للوعي وللصحافة الغربيين وكذلك الإسلام على طبق من دماء ؟؟ أتحدث عن صورة تمت صياغتها من قبل بعض الاتجاهات "الاسلاموية" في وعي المجتمعات الغربية الذي تشكله وسائل الإعلام بالصوت والصورة والبث الحي الموثق ؟؟؟
ألا يعتبر اختطاف الصحفيين والمدنيين الذين وفدوا إلى المناطق الساخنة في أوطاننا ونحن جزء لا يتجزأ من عملية احتراقنا واختراقنا الكبير ليكونوا شاهدين على الحقائق المرة وموثقين لآلامنا بأقلامهم وعدساتهم ألا يعتبر ذلك استبدادا باسم الدين ؟؟متى كان الرسول الكريم يشرعن أو يبيح قتل الناس بفتوى تصدر من مسجد أو "متدين " ذي عقل حار وحشوة "إيمانية "اغترفها على عجل ممن قرأ الدين على استعجال ؟ألا يسمى قطع رؤوس الناس على مرأى من العالم ومسمع استبدادا وجريمة بحق الله والأنبياء والضميرالانساني الشامل واستبدادا باسم الدين ؟؟لا تلغي تلك الصرخات والأسئلة مسائلة أمريكا نفسها عما صنعته بشعوبنا وأوطاننا ومقدراتنا وخيراتنا على الإطلاق ولكن هذا لا يبرر ذلك إطلاقا .
لا يجوز استعمال أي منبر أو محراب ومجموعة آيات وأحاديث مجتزأة من سياقها العضوي والتاريخي لتدشين سلوك ما يؤدي إلى اهراق دم إنساني مقدس بالموازين الإلهية والبشرية في إطار قراءة ساذجة لظواهر الإحداث التاريخية والمعطيات الفقهية الصادرة في ظرف اشتباك تاريخي له أسبابه غير المفتوحة بالضرورة على ظروف أخرى ,كل ذلك يفرض إعادة مركزة للفهم والإنتاج الفقهي في سياق منظومات عقلانية دينية تستند على إرادة الله في مقاصده الفقهية واحترام الإنسان في كرامته وحصانته ,لا بد من استعادة للدين في نسخته التي تعمل على إبداع وتشكيل مجتمعات إنسانية روحية قيمية تشيد علائقيتها مع المختلف على أسس الرحابة التي تزخر النصوص الدينية في التأسيس لها والبناء عليها .
ما يحصل في بعض جيوب عالمنا العربي والإسلامي يدعو إلى استنفار الطاقات والجهود لترسيخ عقلانية الدين وعقلانية أتباعه وبالأخص حيث يكمن الاجتماع المشترك والمتداخل الذي كان من الممكن أن يكون مثراة ثقافية وحضارية ولوحة جمالية بات يشكل مأزقا من خلال مفاعيل تلك المقاربات المأزومة !!مأزق لن تقتصر تداعياته على حاملي لوائه فحسب بل ستطال حتى من يشجبون ويرفضون هذه الأنماط الاستبدادية قولا وممارسة <<واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة>>

السابق
الحزب وسوريا
التالي
اسرائيل تحمل سورية مسؤولية الاحداث على حدود الجولان