8 آذار تعبّد الطريق سياسياً أمام ميقاتي

تزاحمت الاستحقاقات، محليا وخارجيا، أمنيا وسياسيا واقتصاديا وماليا، وفرضت للمرة الأولى منذ التكليف «تواضع» الأكثرية الجديدة إلى «أقصى الحدود الممكنة»، لتصبح «الطريق معبدة سياسيا أمام الرئيس المكلف نجيب ميقاتي من أجل تأليف حكومته الثانية وأن يبدأ العد العكسي لمشواره الجديد إلى السرايا الكبيرة»، على حد تعبير مرجع بارز في الأكثرية الجديدة، «فلقد أصبحنا عمليا في مرحلة حاسمة… إما أن تؤدي إلى بلوغ النهاية السعيدة المرجوة سريعا… وإما نكون قد دخلنا في نفق حسابات داخلية وخارجية متقاطعة، عنوانها إطالة مرحلة تصريف الأعمال إلى أقصى حد ممكن».

بهذا المناخ كان أحد المتابعين لحركة الاتصالات التي جرت منذ يوم السبت الماضي، تاريخ اجتماع الرئيس المكلف والرئيس نبيه بري بحضور «الخليلين» في عين التينة، يلخص النتائج، مبديا تفاؤله بأن تحمل الساعات الثماني والأربعين المقبلة، المزيد من التطورات الإيجابية، خاصة مع إعلان أوساط رئاسة الجمهورية في ساعة متأخرة من ليل أمس، أن الرئيس ميشال سليمان «جاهز لتقبل أية فكرة تساعد على التعجيل بتأليف الحكومة لمواجهة الاستحقاقات الكبيرة التي تواجه لبنان داخليا وخارجيا والتي تتطلب تحصينا، يجعل لبنان قادرا على الاستفادة من الإيجابيات إذا توافرت، والنأي بنفسه عن أية سلبيات خارجية محتملة».

وفيما كان الرئيس ميقاتي يمضي ليلته مع عائلته في طرابلس، حيث ينتظر أن ينتقل الى بيروت هذا المساء، فإن أوساط الرئيس نبيه بري عبّرت عن تفاؤلها بإمكان تحقيق خرق إيجابي، مشيرة إلى الدور الذي قام به بري والسيد حسن نصر الله، من أجل تسهيل مهمة الرئيس المكلف. ولاحظ زوار عين التينة أن بري يراهن على إمكان تلقف فرصة التأليف قبل الثامن من حزيران، موعد الجلسة التشريعية التي كان قد دعا إليها، أول من أمس.
يأتي ذلك كله بالتزامن مع ارتفاع وتيرة التهديدات الإسرائيلية للبنان، وتلقي المراجع اللبنانية مؤشرات وصفتها بـ«الخطيرة جدا»، بعد عودة رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو من رحلته الأميركية، فضلا عن استنفار دبلوماسي غربي غير مسبوق منذ تموز 2006، وإجراءات ومناورات إسرائيلية جديدة، في مواجهة استحقاق مسيرة الخامس من حزيران الجاري.

في غضون ذلك، واصل فريق الرابع عشر من آذار حملته السياسية على خلفية الجلسة التشريعية العامة التي دعا إليها رئيس المجلس النيابي في الثامن من الجاري، بذريعة «مسها صلاحيات الرئاسة الثالثة وإخلالها بمبدأ التوازن والتعاون بين السلطات»، وهو مسار سيتوج، على الأرجح ببيان عالي السقف يصدره المجلس الشرعي الإسلامي يوم غد.

وفيما كرّر الرئيس بري إصراره على عقد الجلسة وتجاوز أية «حركات» تمس صلاحياته، او بهيبة مجلس النواب « كمؤسسة هي أم السلطات كلها»، رفعت قوى الأكثرية السابقة، بدفع واضح من «تيار المستقبل»، وتيرة تصعيدها، في وقت بدأت ترتسم في أجواء الجلسة علامات استفهام حول النصاب القانوني لانعقادها والذي يتطلب حضور الاكثرية المطلقة من عدد النواب أي 65 نائبا، وحول كيفية تأمين هذا النصاب وموقف كلّ من الرئيس نجيب ميقاتي والوزير محمد الصفدي والنائب أحمد كرامي من الجلسة وكذلك موقف رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط الذي يتوقف اكتمال نصابها او عدم اكتماله على حضور اعضاء كتلته، وقالت أوساطه إن جنبلاط سيبلغ بري قريبا بموقفه سواء بالحضور او عدمه علما انه يشدد على ضرورة الحؤول دون حصول شغور في حاكمية مصرف لبنان.

وفي بيان لافت للانتباه اتهم نائب رئيس المجلس فريد مكاري وأعضاء هيئة المكتب مروان حمادة وأنطوان زهرا وسيرج طور سركيسيان وأحمد فتفت، الرئيس بري بتجاوز صلاحيات هيئة مكتب المجلس، «ومخالفة النظام الداخلي للمجلس بتقرير جدول اعمال بمفرده ونشره وتبليغه إلى النواب». معتبرين أنَّ «الجدول لا قيمة قانونية له وأن الجلسة المحدّدة في 8 حزيران 2011 مخالفة للأصول البرلمانيّة وللدستور اللبناني والميثاقية اللبنانية والإصرار على عقدها يشكل طعنا بنظامنا البرلماني».
ورد بري عبر الأمانة العامة لمجلس النواب موضحا أن «هيئة المكتب في اجتماعها في 1/6/2011 لم تتطرق الى جدول اعمال الجلسة العامة المقررة في 8 حزيران الجاري، رغم عرضه من قبل رئيس المجلس وتوزيع جدول الاعمال على كامل الاعضاء»، مشيرا الى «ان السادة الأعضاء اكتفوا برفض انعقاد الجلسة، الامر الذي هو من اختصاص الرئاسة حصراً، وقد أُبلغ ذلك الى جميع أعضاء المكتب قبل انفضاض الاجتماع، كما انهم أبلغوا بأنه في حال عدم اكتمال النصاب في الموعد المحدد فإن الرئيس بري سيدعو الى جلسات أخرى متتالية».

في غضون ذلك، استغربت اوساط رئيس الجمهورية «طغيان الصراع السياسي على الأحكام الدستورية». وقالت إنه في ما يتعلق بميثاقية جلسة 8 حزيران، فإنه لا يكفي غياب أو تغيّب فريق سياسي عن الجلسة لكي تفقد ميثاقيتها، إنما عندما يتغيب فريق برمته ينطبق عليه منطوق البند (ي) من مقدمة الدستور والذي ينص على أن «لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك». وفي هذه الحالة تقع المشكلة وتعتبر هذه الجلسة شرعية أم غير شرعية، وهذا الأمر ينطبق على مجلسي النواب والوزراء وأي سلطة دستورية في البلد.

وأما في ما يتعلق بحاكمية مصرف لبنان والاقتراح الذي تم تداوله حول امكان احياء صيغة المرسوم الجوال لمنع حدوث الشغور في موقع الحاكمية، فإن اوساط رئيس الجمهورية عكست عدم تأييده لفكرة اعتماد المرسوم الجوال، مشيرة الى انه «مع التوافق على عقد جلسة لمجلس الوزراء للبت بهذا الموضوع فقط لا غير إذا اقترب موعد الشغور ولم تشكل حكومة جديدة» (ص 2 و3).

الراعي: ما أجملهم وهم مجتمعون
وخلافا لهذه الأجواء الساخنة، انعقد اللقاء الماروني الثاني في بكركي برعاية البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي أعرب عن ارتياحه لهذا الانعقاد وعبر عن ذلك بقوله «ما أجملهم وهم مجتمعون». واصفا اللقاء بالممتاز معربا عن اعتقاده أنه لم يعد هناك من امور خلافية.

ولم يحد الاجتماع الثاني عن سياق الاجتماع الاول، وإن اختلف عنه بشموليته حيث لم يحصر بقادة الصف الماروني الأول بل توسع ليشمل نحو 27 شخصية سياسية ونيابية مارونية، فيما جدول اعمال البحث انحصر بالمواضيع «التوافقية» سواء ما يتصل بموضوع بيع الاراضي أو الحضور المسيحي والماروني تحديدا داخل الادارة بالإضافة الى البند الاساس أي وحدة الصف الماروني.

وانتهى اللقاء الى التأكيد على «الالتزام بمبدأ الشراكة كخطوة اولى لتفعيلها مع كل العائلات اللبنانية، وعلى المحافظة على الارض اللبنانية كوسيلة لترسيخ الوجود والهوية والحفاظ على تعددية لبنان، وإعادة التوازن الى الإدارات العامة من خلال مشاركة المسيحيين في خدمة الدولة انطلاقا من احترام مبدأي الكفاءة والمناصفة». كما انتهى اللقاء الى تشكيل لجنة لمتابعة العمل والتنسيق على ان تعقد لقاءات مقبلة ستحدد مواعيدها اللجنة.

وقالت مصادر مطلعة على أجواء اللقاء انه اتسم بنقاش معمق حول الامور الوفاقية، ولم يتطرّق الى الشأن السياسي، وقد حرص البطريرك على إبعاد اللقاء عن أي امر سياسي من شأنه ان ينسفه نظرا لعمق الاختلافات بين القيادات المارونية وعدم التقائها على موقف موحد حيال الأساسيات. كما صد البطريرك محاولة قام بها رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع لتوسيع جدول الاعمال ليطال الشأن السياسي.

وقالت المصادر إن البطريرك يسعى الى إعطاء البعد الوحدوي من خلال الإبقاء على الحوار المنطقي والهادئ حول الامور التي تعتبر محل اجماع مسيحي وماروني تحديدا، وقد استطاع ان يجمع الموارنة تحت سقف بكركي، نائيا بالصرح البطريركي عن ان يكون طرفا يميل الى فريق دون آخر من الموارنة ويضعه بالتالي في موقع الخصم لفريق آخر .

السابق
القاء قنبلة صوتية في الاوزاعي
التالي
ميقاتي: لم أتبلّغ تفاهمهم