التمسك بالحرف الدستوري

ليس من المعقول أن يكون الفراغ المحتمل في حاكمية مصرف لبنان أخطر من الفراغ الواقعي في السلطة. ولا أن يكون الخوف على الليرة أكبر من الخوف على لبنان. لكن التركيبة السياسية التي تستسهل شل المؤسسات والحياة السياسية وتختلف على كل شيء تقريباً، وسط أخطار مصيرية، تبدو متفقة على شيء واحد: الحرص على الليرة ومصرف لبنان وسلامة القطاع المصرفي. ولا أحد يجهل الدوافع والحسابات التي يسلم الجميع بأنها محقة. وهي القاسم المشترك بين الذين يريدون التجديد للحاكم رياض سلامة وبين الذين يريدون مرشحاً آخر ويفضلون أن ينتظروا الى ما بعد تأليف الحكومة. علماً أن الفراغ في الحاكمية غير واقعي لأن النائب الأول للحاكم رائد شرف الدين يتولى الصلاحيات بالوكالة، ولا أحد يقول للناس أين المشكلة في الأمر.

ذلك أن الكل يتصرف على أساس أن الحاكمية بالأصالة هي أولوية ملحة. وليس من الصعب في هذه الحال أن يبتكر العقل اللبناني صيغة تحظى بالتوافق على تجديد الولاية للحاكم. فما في التداول اليوم هو ثلاث صيغ: مرسوم جوال، جلسة لمجلس الوزراء، اقتراح قانون في المجلس النيابي يمدد للحاكم الى أن يتمكن مجلس الوزراء بعد تأليف الحكومة من اتخاذ قرار.

لكن النقاش حول دستورية أو لا دستورية هذه الصيغ يدار ويدور في مناخ انقسامي. فهو يدار من مواقع سياسية، ويدور وسط مفارقة كبيرة: التمسك ب الحرف في الدستور والقوانين والنظام الداخلي وسط برج بابل في التفسير، ولكن في واقع التصرف من خارج الدستور والقوانين والنظام الداخلي. فالكل يعرف ما جاء في الكتاب من أن الحرف يميت والروح يحيي. ومن الوهم الخروج من المأزق بالانقسام. فالتسويات في حاجة الى توافق، ولو جاء من خارج الحرف في الدستور. والطريق الأفضل هو الاسراع في تأليف حكومة بما يخرجنا من الجدل العقيم.

ولا مجال بالطبع لتجاهل الموقع المهم لحاكمية مصرف لبنان. لكن السؤال هو: ماذا يستطيع الحاكم أن يفعل أو أية معجزات يمكنه اجتراحها حين نبقى في فراغ السلطة، بحيث يقول وليد جنبلاط عن حق أن ما يملأ الفراغ هو الفوضى أو الهريان الاقتصادي؟ أليس التحدي أمامنا هو مصير لبنان الذي يقترب من انحلال مكوناته الوطنية والسياسية؟ ألسنا في وضع اقتصادي يتدهور، حسب التقرير الاقتصادي لبنك عودة؟
لا بأس في الاهتمام بالفروع. لكن الأهم هو مواجهة الأصل.

السابق
خريف لبنان والربيع العربي
التالي
هل يتحول الربيع العرب خريفا قاتما؟