ما العمل في بلد لا متماسك ولا ممسوك؟

لا مهرب، وسط الغرق في السجالات والصراعات، من تحدي السؤال التقليدي الذي وضعه لينين عنواناً لواحد من كتبه: ما العمل؟ كيف نخرج من وضع يشبه مباراة في كرة القدم، ولكن من دون كرة؟ كيف نملأ فراغ السلطة بحكومة بدل أن نتحايل على الفراغ أو أن نوظفه في تصفية حسابات ضيقة؟ وأين باب الاحتكام الى الدستور حين تكون الأبواب مشرعة لكل أنواع التفسيرات المتناقضة بعدما نزعنا من المجلس الدستوري صلاحية تفسير الدستور؟
من يطلب الاحتكام الى الدستور يعرف أن لبنان محكوم بمعادلة سلبية: لا هو قابل للحكم بدستور الطائف، ولا هو قادر على تعديله، بصرف النظر عن القول ان حرباً طويلة قادت الى الطائف وان التعديل يحتاج الى حرب أخرى لا أحد يريد أو يستطيع تجربتها من جديد. والذين يخوضون الصراعات على أمور فرعية يعرفون أنها مجرد حرب عصابات سياسية عاجزة عن التغيير في غياب القدرة على حرب سياسية شاملة تنتهي بغلبة ما، وقبل ذلك، في غياب القدرة على الوفاق الوطني.

ذلك أن لبنان كوطن في حاجة الى دولة، ليس على جدول الأعمال في الداخل. ولم يعد في موقع بارز على جدول الأعمال في الخارج. فالتركيبة السياسية مشغولة بهمومها الفئوية ومصالحها الضيقة من دون حساب لقضايا الناس والوطن. والعرب مشغولون بهمومهم المستجدة في مرحلة التحولات التي تغلي بها المنطقة. والأميركان والأوروبيون مشغولون بهمومهم وهموم اسرائيل وأصدقائهم الحكام العرب، حيث الارتباك أمام الثورات والرغبة في احتوائها. وبكلام آخر، فإن لبنان الذي كنا نقول بعد الطائف في ظل الرعاية العربية المدعومة دولياً انه ممسوك وغير متماسك، هو اليوم لا متماسك ولا ممسوك.

والحساب على الأرض: اتفاق الدوحة الذي فرضه استخدام القوة كان انحرافاً جديداً في مسار الطائف الذي تعرض لكثير من التحريف. وما انهار بإسقاط حكومة الشقاق الوطني المسماة حكومة الوفاق الوطني هو اتفاق الدوحة. وما حدث بعد السقوط هو تبدل الاهتمامات لدى القوى العربية والدولية التي صنعت الاتفاق في لحظة سانحة. فضلاً عن أن القوى التي قادت الانقلاب علي الدوحة لم تستطع إكماله بتأليف حكومة لأسباب عدة بينها تبدل الظروف والحسابات والعجز عن التغيير الكامل لموازين القوى والمصالح بما قاد الى الشلل.

والسؤال تكراراً هو: ما العمل؟ البلد ينهار أمام عيوننا المفتوحة. ولا مجال الآن للرهان على مجيء الأشقاء والأصدقاء لمساعدتنا، إن لم يساهموا في تعقيد الأزمة. والوقت حان لأن نتعود أن نأخذ أمورنا بأيدينا ونفكر في التسويات بدل الصراعات التي لا تنتهي.

السابق
إرجاع لبنان ستين عاماً إلى الوراء مجدٌ لم تنجزه “ثورة الأرز”!
التالي
نهاية العام الدراسي ثواب أم عقاب للمعلّمين؟