مسيرة النكسة بعد مسيرة النكبة

اجتمع جرحى 15 أيار في نقابة الصحافة أمس. تحدثوا عما جرى معهم في ذلك اليوم على الحدود اللبنانية الفلسطينية. أهالي الجرحى والشهداء كانوا هناك أيضاً. اللقاء كان لإعلان تحركات مقبلة تلي تحرك النكبة. النية تتجه نحو مسيرة في ذكرى النكسة، إلا أن الكتمان ينصبّ تحديداً على وجهة المسيرة ومكانها

صوره كانت في كل مكان. هنا أيضاً، في نقابة الصحافة. كان أول من سقط خلال مسيرة العودة في ذكرى النكبة على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة. صور وفيديو إصابته وسقوطه عن السياج واستشهاده كانت قد انتشرت بكثافة عبر الإنترنت. عماد أبو شقرة، هذا كان اسمه. الشاب أصيب بطلق ناري في صدره وهو يحاول القفزعن السياج الشائك الذي اجتازه باتجاه الأراضي اللبنانية، بعدما كان قد قفز عنه باتجاه فلسطين. أرضه المحتلة. الرصاصة التي أصابت ظهره لتخرج من صدره، نشرت دماءه على العلم الفلسطيني الذي كان يحمله. سقط على الأرض بينما بقي العلم معلّقاً هناك على السياج. عشرة قتلى، صورهم كانت مرفوعة، و120جريحاً كان معظمهم حاضراً أمس للتكريم، ولحضور إعلان مسيرة العودة الثانية في ذكرى النكبة في الخامس من حزيران المقبل.

الجرحى ليسوا من أصحاب المنابر. يبدو خجلهم واضحاً لدى اعتلائهم المنصة. فقد تحوّلوا فجأةً من لاجئين مهمشين في المخيمات الى أسماء تداولتها وسائل الإعلام، عن شباب واجهوا العدو الإسرائيلي في مارون الراس. هكذا، تعتلي لميس يوسف القط المنبر لتقول بكلمة مقتضبة ما جرى معها على الحدود «شفت الإسرائيلي قدّامي، سبيتو»، تبتسم الفتاة بحياء لتضيف وقد احمّرت وجنتاها «ثم رأيته يطلق النار عليّ».

هكذا، توالت شهادات الجرحى. كلها كانت تحكي عن الحيرة، عن الصدمة لمشاهدة أرضهم المزروعة بيد المحتل، المحصودة بيده أيضاً.

«شفنا الحدود، نزلنا ما حسينا على حالنا، والله لو كنتو محلنا لحسيتو فينا» يقول عادل اللداوي. في لهجته شيء من التبرير لتلك الخطوة الخطرة التي خلّفت عشرة قتلى. «شفنا أرضنا والحرقة بقلوبنا، نسينا بيوتنا ونسينا إنو رح نرجع على المخيمات، حسينا بالغضب وطلّعناه لما شفنا اليهود قدامنا». هكذا، لخص اللداوي أمس، وهو من مخيم عين الحلوة، مشاعر معظم جرحى مسيرة العودة، الذين اجتمعوا أمس في نقابة الصحافة لتكريم الشهداء، ولإعلان «مسيرة العودة 2 في ذكرى النكسة في 5 حزيران المقبل» كما أعلن د. هاني سليمان عضو اللجنة المنظّمة للمسيرة. القاعة كانت تغص باللاجئين من مختلف مخيمات لبنان، وخصوصاً الجنوبية. أهالي الشهداء والجرحى كانوا موجودين أيضاً، منظّمو المسيرة ومتضامنون أجانب أتوا للمشاركة في التكريم، للتعرف على وجوه الأسماء التي سمعوا بإصابتها في مارون الراس. هكذا، تعرفوا على أهل الجريح منيب المصري، الذي أُصيب في ظهره ولا يزال في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، كما تعرّفوا على منيب المصري الجد، الذي أفصح لـ«الأخبار» عن نيته مقاضاة إسرائيل لاعتدائها على حفيده، الذي لم يكن مسلحاً، وكان في الأراضي اللبنانية، وهو الأمر الذي سيعلنه اليوم في مؤتمر صحافي. أما التطور الأهم، فهو أن كل الجرحى انضموا الى دعوى المصري.

تبدأ شهادات الجرحى. يلفتك أن عمر أكبرهم لا يتجاوز 25 عاماً.

تنتظر أن يعلنوا شيئاً عن مسيرة العودة 2. شيء أكثر تفصيلاً من مجرد النية. لا شيء. تحاول الحصول على بعض المعلومات، فقد بدا أن أمراً بالتكتم قد صدر. مصادر المنظمين توحي بأن هناك «موافقة مبدئية» على المسيرة، بعدما كان التصور أنّ من المستحيل الحصول على موافقة على تظاهرة مماثلة. ما هو مسار المسيرة؟ أين ستتوقف؟ كل ما تحصل عليه هو الابتسامات الغامضة كإجابة.

تعتلي منى الأعرج، والدة الجريح منيب المصري المنبر. تصمت للحظات، ثم تبتسم لتقول «لم أُعدّ أيّ كلمة لألقيها، أريد أن أقول ما أشعر به، منذ دقائق كنت أكلّم منيب على الهاتف، وأسمعته أصواتكم، وتصفيقكم». تضيف المصري «أفتخر بأن ولدي جريح، كما نفتخر بأننا فلسطينيون، ويجب أن نقول للعالم الغربي: يكفي دماءً». السيدة تقول لـ«الأخبار» إنها توقعت أن يشارك ابنها في «مسيرة العودة، وكنت سأستغرب لو أنه لم يشارك، لكنني لم أتخيل أنه سيصاب أو ستُطلَق النار على المعتصمين، وخصوصاً أنها كانت تظاهرة سلمية، ولم يكن معهم أي نوع من الأسلحة». إصابة المصري كانت بالغة، فنُقل الى مستشفى بنت جبيل، ومنه الى مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، حيث خضع لعمليات جراحية عدة.

تترك السيدة المنبر للجرحى. يعتلون المنبر الواحد تلو الآخر. منهم من يسير بمساعدة عكّازين، ومنهم من ضُمدت يده لإصابته بكتفه، ومنهم من لم تظهر إصابته، إذ كانت في الصدر. «لمّا الواحد يشوف أرضو وبلدو ويشوف صهيوني فيها وهو برّاتها، شو بيعمل؟» يسأل الجريح أسامة أحمد الحضور. الشاب لا ينتظر الإجابة، يستطرد راوياً «رمينا حجراً عليهم، وكانوا حتى من الحجارة عمّ يهربوا، والله لو معانا رصاص لكنّا فتنا عليهم»، يقولها بغضب. معظم الجرحى لم يستطيعوا التعبير عما شعروا به عندما رأوا فلسطين أمامهم للمرة الأولى. «نزلنا صوب الحدود، رأينا اليهود ينظرون إلينا، غلي دمنا، شعرنا بالغضب من نظراتهم اللي كلها «تحدي»، وبدأنا برمي الحجارة، وعندما سقط الشهيد الأول، زاد ذلك من إصرارنا ولم نكن خائفين وبدأنا بالتقدم أكثر باتجاه الحدود»، يقول الجريح محمد الرفاعي. في النهاية يعلن د هاني سليمان أن هذه الشهادات التي ذكرها الجرحى سيجري «تدوينها لتصبح كتيّبات توزَّع في المخيمات». أما لماذا في المخيمات فقط؟ فأمر علمه عند الله.

السابق
سورية واليونيفيل… وصناعة الخوف اللبناني
التالي
هيئة أبناء العرقوب هنأت اللبنانيين بذكرى 25 أيار