في قراءة تحليلية لخطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما، رأى النائب والوزير السابق محمد عبدالحميد بيضون، ان الخطاب المذكور لم يكن لمهاجمة سورية بقدر ما كان للتعبير عن إدانة البيت الأبيض لعمليات القمع والقتل وإطلاق النار ضد المتظاهرين المدنيين على أراضيها، معتبرا ان ما جاء بين سطور الخطاب هو التأكيد على ان هناك قرارا دوليا بإعطاء الرئيس الأسد فرصة جديدة لصياغة إصلاحات حقيقية، تتماشى والمتطلبات الديموقراطية على المستويين السياسي والإعلامي، مشيرا من جهة اخرى الى انه وبالرغم مما تقدم فإن الموقف الحقيقي للبيت الأبيض تجاه التطورات السورية يُستشف من تصريحات وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون التي أعلنت مرتين ان الولايات المتحدة لن تتخذ موقفا حاسما من نظام الرئيس الأسد قبل ان تتبلور صورة المعارضة في سورية وتتضح هوية ومعالم قيادتها، وذلك لاعتباره ان جزءا كبيرا من خطاب أوباما مغلف بحيثية انتخابية قائمة على تمسك قواعده الشعبية بحقوق الإنسان وبالدفاع عنها سواء في الولايات المتحدة او خارجها.
ولفت بيضون في حديث لـ «الأنباء» الى ان ما فرض من عقوبات على الرئيس الأسد شخصيا لم تكن عقوبات جدية أساسية لمحاصرة النظام السوري وشل قدراته، بقدر ما هي عقوبات رمزية تهدف من جهة الى عزل القيادة السورية على المستويين العربي والدولي لإصابة هيبة النظام التي عُرف بها طيلة العهود الماضية والتخفيف من حدة شوكته، وتهدف من جهة ثانية الى عدم إبداء الدعم الكافي للمعارضة السورية ضد الرئيس الأسد قبل التأكد من هوية وأهداف تلك المعارضة.
هذا، ولفت بيضون الى ان روسيا وبالرغم من وقوفها الى جانب الرئيس الأسد والنظام السوري، لن تستطيع الاستمرار في تغطية إسالة الدماء في سورية، بحيث ستضطر لاحقا ولأسباب عديدة أهمها اقتصادية للحاق بالركب الأميركي وبالتالي للسير في خط توجهات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، خصوصا ان الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف كان اول من تقدم بالنصح للرئيس الأسد بعدم التصرف على طريقة الرئيس الأسبق ميخائيل غورباتشيف الذي تكلم لمدة 3 سنوات من عهده عن إصلاحات جدية دون الإقدام على تطبيق اي منها، وهو التأخير الذي كان سببا أساسيا في استباحة هيبة ما كان يُعرف سابقا بـ «الاتحاد السوفييتي» وبالتالي كانوا سببا أساسيا من اسباب تفككه.
وأضاف بيضون، ان العالمين الغربي والعربي بما فيه لبنان راهنوا لفترة طويلة على استقرار سورية لأهميته في المنطقة ولو على حساب الحريات وديموقراطية العمل السياسي، مشيرا الى ان تلك المراهنات لم تعد قائمة اليوم جراء المتغيرات الجذرية الحاصلة في المنطقة العربية وتحديدا في مصر وليبيا وتونس، وجراء التطورات الأمنية في الداخل السوري، وبالتالي يعتبر بيضون ان الرهان على استقرار سورية كركن أساسي لاستقرار المنطقة قد تبدل وأصبح قائما على مبدأ «الحرية تصنع الاستقرار» وليس القمع، مشيرا الى ان هذا التبدل في مفهوم صياغة الاستقرار في المنطقة أفقد سورية بريق ورقتها التي كانت ترفعها دائما أمام المجتمع الدولي على انها مفتاح الاستقرار في المنطقة الشرق أوسطية.
استقطاب رجال الدين
وبناء على ما أدرجه بيضون من مطالعة في اساس وأبعاد التطورات السورية وردا على سؤال حول ما اذا كان يرى ان ردود الفعل الدولية ستؤول الى حتمية سقوط النظام السوري، اكد النائب بيضون ان سر قوة النظام السوري تكمن في عدم حيادية الجيش بعكس ما اتخذه الجيش المصري من موقف من الأحداث المصرية، خصوصا ان الجيش السوري غير قابل للانقسام على ذاته ما بين مؤيد ومعارض، وقد أبدى التزاما كاملا بتوجهات القيادات السياسية لنظام الرئيس الأسد، مستدركا بالقول انه وبالرغم من تماسك الجيش وبالرغم من وقوف النظام السوري على تلك الركيزة الأساسية لبقائه في الحكم إلا ان الرئيس السوري متخوف من بعض المشاكل الطائفية، وذلك بدليل تكثيفه اللقاءات مع رجال الدين الى اي طائفة او مذهب انتموا، بحيث استجاب مؤخرا ومنذ اللقاء الأول معهم وبشكل غير مسبوق وغير متوقع لمطالبهم التي تجسدت في إنشاء قناة فضائية تعنى بالشؤون الدينية، وبعودة المنقبات الى سلك التعليم بعد قرار قضى بمنعهم من ممارسة المهنة، وبإغلاق الكازينو الذي لم يمر على إنشائه سوى أشهر قليلة، مشيرا بالتالي الى ان الرئيس الأسد لم يكن ليستجيب لمطالب رجال الدين لولا سعيه الى استقطاب دعمهم له جراء مخاوف حقيقية لديه من حصول نزاعات طائفية في سورية.
هذا، وأعرب بيضون عن اعتقاده ان الشعب السوري غير معني بالعمق الطائفي للدولة السورية بمستوييها الاجتماعي والسياسي كونه شعبا ثار في العام 1936 لتوحيد سورية بعد ان كانت مقسمة الى دويلات طائفية، معتبرا ان هذا البعد الوطني لدى الشعب السوري يؤدي الى حتمية عدم انزلاق سورية الى نزاعات طائفية على غرار ما حصل في لبنان.
وردا على سؤال حول التحركات العسكرية السورية على الحدود الشمالية للبنان، أعرب بيضون عن عدم تخوفه من تفاقم المشهد الحالي، وذلك لاعتباره ان القيادة السورية تدرك ان اي عملية عسكرية ضد الأراضي اللبنانية ستنعى النظام السوري عبر دفع الملف بكامله الى مجلس الأمن الدولي، وبالتالي الى تلقي النظام ضربة عسكرية تكون أقسى عليه من الضربة التي تلقاها النظام الليبي، مشيرا الى ان الهدف من تلك التحركات العسكرية على الحدود الشمالية للبنان لن يتجاوز عتبة التهويل كون المقصود منها هو إيصال الرسائل السياسية لكل من المجتمعين الغربي والعربي لحثهما على دعم النظام في أزمته الراهنة.