سائقو تاكسي المطار مَن يقودهم؟

أمام بوّابات الوصول في مطار رفيق الحريري الدولي، يتجمهر عدد من سائقي "تاكسي المطار" في انتظار اصطياد راكب دَسم. راكب ما إن يطلّ حتى يتهافت السائقون على كَيل عبارات الترحيب، وعرض توصيله الى المكان الذي يرغب في التوجّه اليه.

للوهلة الأولى، يشعر الراكب بالإطراء، لكنه انطباع سرعان ما يتبدد، عندما يستقل إحدى سيارات "تاكسي المطار"، لتبدأ المغامرة.

مغامرة يرويها هيثم الآتي من العراق، والذي فضّل عدم تحميل أصدقائه مغبّة توصيله من المطار الى الفندق في وسط بيروت. خرج هيثم من قاعة الوصول، صادفه شاب، قائلا "الحمد الله عَ السّلامه إستاذ، بَدّك تاكسي؟"، وعندما حاول الاستفسار عن التسعيرة الى وسط بيروت، أجاب السائق بسرعة: "وَلا يهمَّك إستاذ". ركب هيثم السيارة، فسأله السائق عن اسمه وعن الأوضاع في العراق، ليعود بعدها

إلى رفع صوت الراديو، والى زيادة معدل السرعة في شكل جنوني.

يقول هيثم: "شعرت مرّات عدة بأنّه سيصطدم بالسيارات أمامنا، ونصحت له التروي في القيادة، لكن من دون جدوى".

وعندما وصلت وسألته: كم تريد؟، طلب خمسين دولارا أميركيا، مؤكدا أنّها "التسعيرة" الرسمية، ولمّا علّقت قائلا إنها مرتفعة، أجاب: "الله يسامحك، ليش ما سألت قبل ما تِطلع بالسيّارَه؟". وتابع: "وَلَوّ يا إستاز، حضرتك نازل بأوتيل بـ وَسَط بيروت، ودافع حَق تذكرة السفَر كَومِه، وعم تشارِع عَ إجرة تاكسي؟!"، مضيفا "أنجَق توَفّي معنا مِن وَرا غَلا البنزين".

شكوى هيثم ليست الوحيدة، بل هي واحدة من قصص كثيرة حدثت مع عدد من السيّاح، بعضهم عَضّ على الجرح واكتفى بروايتها لأصدقائه، في حين رفع جزء يسير منهم شكاواهم الى وزارة السياحة.

هذا الواقع المأزوم دفعَ "الجمهورية" الى التوجّه الى موقف سائقي تاكسي المطار، للوقوف على حقيقة ما يجري.

سائقون أبدوا ارتيابهم في البداية، محاولين إظهار تقيّدهم بالقوانين المرعية الإجراء. يقول احدهم: "إنّ الراكب الذي يرغب في ان يستقلّ السيارات الخاصة في المطار، يقوم بتدوين اسمه لدى مركز لقوى الامن الداخلي، ويحصل على إيصال بالمبلغ الذي دفعه من السائق".

وما هي إلاّ لحظات، حتى يتجمّع سائقو تاكسي المطار ليشكوا من الظلم اللاحق بهم، بسبب عدم تعديل تعرفة النقل في السيارات العمومية من مطار بيروت الدولي، والتي تعود الى تاريخ 4 تموز1995، أيام وجود الوزير عمر مسقاوي على رأس وزارة النقل والأشغال العامة.

ويقول احد السائقين: "في مَظلومِيّه للشوفار"، مضيفا "عَ بيروت وضواحيها يمكن تِنحمَل القِصّه بـ 35 الف ليرة، بس تخايَلي على حمانا التاكسي بـ 60 ألف؟!". ويتابع "نحنا مندفع 200 دولار ضرائب لـَ رئاسة أمن المطار، لنعمل ضمن حرمه، ومحكومين إنّو تكون سياراتنا جديده، و 6 سلاندر، فـ شُوفي قَدّيش بيكّلفنا المشوار ع جونيه، مع عَجقَه ومْكيِّف".

ويضيف "بَرّا، فَتحِة الباب بتكَلِّف 5 يورو، وبلبنان جايي السايح يتبَاخَل ع شوفار التاكسي!!".

ولفت احدهم الى أنّ المؤتمر الصحافي الذي اعلن عنه وزير السياحة تّم تأجيله بسبب اعتراض رئيس اتحاد نقابات سائقي السيارات العمومية للنقل البري عبد الأمير نجدي، مضيفا "لا نحن ولا النقيب نرضى ان يتوجّه السائح الى الكنتوار للحصول على بون، نريد تعرفة أو عَدّاداً".

شكاوى هؤلاء السائقين لا تقتصر على غلاء أسعار البنزين، وعدم تعديل التعرفة. فهم مستاؤون من مكاتب تأجير السيارات المتعاقدة مع الفنادق. لذلك، يقول احد السائقين: "الشركات عم تاخُد مِن دَربنا، تخَايَلي إنّو بيروح من قِدّامنا ما بين 400 أو500 تاكسي بالنهار!!".

وأشار احد السائقين إلى انّ "هناك أطماع من قبل الحكومة او الدولة… الكِلّ مستفيد والكِلّ عايش. نحنا مش "أولِيَا"، أوقات مناخُد أسعار عاليه. وكتار بيصير مَعن مشاكل، فيهن يتشَكّو للضابطه العدليّه بالمطار، ساعتها بيقدرو يعاقبو الشوفار المخالَف".

وتوجّه أحدهم الى وزير السياحة بالقول: "عم تلاحْقُو شوفار التاكسي بـ 40 دولار، وفنجان النسكافيه بالمطار بـ7 دولار؟! هَيدا حلال ونحنا يَلّي عم نِعِملو حرام؟!!".

واتهم آخر وزارة السياحة في "تسهيل عمل شركة London taxi، فكيف يضعون إعلانا للشركة من دون غيرها داخل المطار؟ كيف تسمح الوزارة بذلك؟!".

وقال أحد السائقين: "لأن المطار يقع في منطقة برج البراجنة، فمن الطبيعي ان يكون 80 في المئة من العاملين على سيارات الاجرة فيه من هذه المنطقة"، مؤكدا انّ كلهم أقرباء، ولا يهيمنوا على بعضهم بعضا، ويوزعون العمل فيما بينهم في الليل كما في النهار".

في المقابل، أشار سائق آخر الى وجود جماعات أشبه بـ "ميليشيا تسيطر على موقف المطار"، موضحا انّ غالبية سائقي تاكسي المطار "يقومون بالتغطية على بعضهم البعض، من دون وجود حسيب أو رقيب، وقسم كبير منهم يغطّيهم نائب سابق".

ولفت الى انّ عملية شراء نمَر تاكسي المطار تتم بين السائقين انفسهم، مشيرا الى وجود سوق سوداء لشراء النمر، إذ ليس هناك سوى 200 نمرة لتاكسي المطار، عِلما بأنّ سعر كلّ نمرة يتراوح بين 30 و40 الف دولار اميركي.

ويترحّم هذا السائق على ايام الماضي، حيث كان هناك وجود للدولة، كانت "هناك تسعيرة نظامية، ولم تكن هناك فوضى"، مستبعدا أن يقبل سائقو المطار العرض الذي قدّمه عبود، "فكيف ذلك؟ عندها لن يعود بإمكانهم ممارسة هَيمنتهم".

ويختم احد السائقين بالقول ساخرا: " الأمور صَرلا 45 سنه ماشيه عَ هالنَّمّط. أي قرار بتاخدو الدوله بالمطار بيضَلّ رِسمَالو 48 ساعه، وبعدين بيرجَعو يطَنّشو".

رئيس اتحاد نقابات سائقي السيارات العمومية للنقل البري عبد الامير نجده اكّد في اتصال مع " الجمهورية"، عدم دعوته الى حضور المؤتمر، نافيا "عِلمه به في البداية، ليعود ويتبلغ به من احد السائقين". واتهم النقيب وزير السياحة بالتفرّد في القرار، مضيفا "عندما علم وزير الأشغال العامة في حكومة تصريف الاعمال غازي العريضي، قرّر إلغاء المؤتمر".

شكاوى وضعتها "الجمهورية" برسم وزير السياحة في حكومة تصريف الاعمال فادي عبود، الذي عقد اجتماعات متتالية مع السائقين للبحث في آلية تنظيمية من شأنها أن تحسّن صورة تاكسي المطار، وتمحو الصورة السلبية التي تراكمت عبر السنين. الا أنّ المؤتمر الصحافي الذي كان مقررا فيه إعلان هذه الآلية، تأجّل بسبب خلافات داخلية بين سائقي التاكسي، و"عرقلة" رئيس اتحاد نقابات سائقي السيارات العمومية للنقل البري عبد الامير نجدي له، على حد تعبير عبود، الذي كشف أنّ "نجدي يتهرّب، وطلع بهذه التمثيلية لعرقلة الموضوع".

ولخّص وزير السياحة هذه الآلية التي تتمثل في إيجاد مكتب خاص يتوجّه اليه السائح ويشتري بطاقة، على غرار ما يجري في مطارَي نيويورك والقاهرة، ويدفع لسائق التاكسي "بُونَاً". وبذلك يكون وضع حدّا لأي تجاوز أو استغلال من قبل بعض السائقين في المطار، خلال وصول السيّاح الى لبنان.

وعن تفضيل السائقين تعديل التعرفة او اللجوء الى العدّاد لحساب أجرة تاكسي المطار، اوضح عبود ان "لو طبّقنا نظام العداد، لصارت كلفة سيارة الاجرة من المطار الى أوتيل فينيسيا على سبيل المثال 60 الف ليرة لبنانية، وهذا ليس بأمر معقول".

ولفت إلى انّ "تحديد التعرفة يقع على عاتق وزاة النقل والاشغال العامة، فالموضوع خارج نطاق صلاحياتي"، مضيفا "لَو تاكسيات المطار من صلاحياتي، لـ كِنِت قَبَعتُن".

وكشف عبود عن قيام بعض سائقي المطار بطلب مبلغ يتفاوت بين 50 دولارا أميركيا و100 لقاء "توصيلة" الى العاصمة والمناطق المجاورة. وتابع "شوفاريّة المطار عاملين دكّان للسرقه، هودي مِتِل صيّاد السمك اللي بيوقَف حامِل شَبكتو… وما بَدّن يكون فيه مكتب لينظّم هالمَسألِه"، مضيفا "ثمّة ميليشيا تسيطر على تاكسي المطار، وهي تقوم برشوة عناصر قوى الامن الداخلي، كي لا يخبروا السائح بقيمة التعرفة".

ومن اجل ذلك، طلب عبود من الشرطة السياحية في المطار توقيف كل سائح، وتدوين المبلغ الذي يتوجّب عليه دفعه الى سائقي سيارات الأجرة. فعلى سبيل المثال، يقوم عناصر الشرطة السياحية بتحديد المبلغ الذي يتوجب على السائح دفعه لسيارة اجرة مقابل توصيلة الى بيروت، وهو لا يتجاوز 25 دولارا الى منطقة بيروت. الا أنّ بعض السائقين يقنعون بدهائهم السائح بأنّ هذا المبلغ يعود الى وزارة السياحة، ولا يتضمن أجرتهم.

امام هذا الواقع، لا يبقى في يد وزير السياحة سوى إحالة الشكوى في حَق السائق المخالف الى القضاء، غير انّ محضر المخالفة لا تتجاوز قيمته الـ 50 الف ليرة لبنانية، متسائلا "كيف نمنع بذلك السائقين من المخالفة؟"

وختم عبود بالقول: "لقد اتهمت بأني أحاول التضييق على سائقي المطار، وانّ ابنتي تملك شركة "لندن تاكسي" التي لها مكتب في المطار"، مضيفا "قمت برفع دعوى امام القضاء اللبناني منذ 4 اشهر. وجاؤوا يعتذرون مني في ما بعد. في حينه، قُلت: سوف أستقيل إذا كانت لي علاقة، دعوا القضاء يأخذ مجراه، لتبيان الحقيقة".

امّا وزير النقل والأشغال العامة غازي العريضي فقد غاب عن السمع.

السابق
السياسة: مصادر بارزة في “8 آذار” دعت ميقاتي لحسم الأمور لمواجهة الاستحقاقات
التالي
السياسة: شحنات أسلحة جديدة إلى البقاع