برزت ليل امس محاولة تتسم بالجدية يتولاها رئيس الوزراء المكلّف نجيب ميقاتي وقوى الأكثرية الجديدة لوضع حد للسباق مع الاستنزاف السياسي الذي تعرضت له هذه القوى نتيجة التأخير المتمادي في تأليف الحكومة.
وعلى صعوبة تبيّن المعلومات التفصيلية المتعلقة بهذه المحاولة، نظراً الى التكتم الشديد على الاتصالات واللقاءات البعيدة عن الاضواء التي جرت امس، توافرت معلومات لدى "النهار" مفادها ان تطوراً جدياً طرأ على عقدة وزارة الداخلية بدت حياله للمرة الاولى نقطة مضيئة في نفق الانسداد الحكومي. ووصف هذا التطور بأنه تقدم جوهري في حل عقدة الداخلية تزامن مع لقاءات سرية عقدت مساء وكان ابرزها لقاء بين رئيس الجمهورية ميشال سليمان والرئيس ميقاتي في قصر بعبدا بعيداً من الاعلام تناول آخر التطورات المتعلقة بالمشاورات لتأليف الحكومة.
واذ تردد ان ملامح تفاؤل ظهرت للمرة الاولى في الرابية باعتبار ان العماد ميشال عون هو المعني الرئيسي بعقدة الداخلية، اشارت المعلومات الاولية المتوافرة الى ان فك عقدة الداخلية كان ثمرة اتفاق لن تعود بموجبه هذه الوزارة الى وزير محسوب على رئيس الجمهورية، من غير ان يعرف في المقابل ما اذا كان تقرر نهائياً اسنادها الى جهة سياسية اخرى او الى شخص محايد. غير ان المعلومات اكدت ان هذا الاتفاق اتاح احراز تقدم وتجاوز العقدة مبدئياً، مما فتح الباب امام البحث في الوزارات الاخرى وتوزيعها، لكن ذلك لا يعني ان اعلان الحكومة بات مسألة ساعات.
ولعل ما يسترعي الانتباه في هذا السياق ان المعلومات ناقضت اجواء سبقتها بوقت قليل ونسبت الى اوساط بعبدا وفردان ونفت ما تردد عن تخلي رئيس الجمهورية عن حقيبة الداخلية. كما ان المعلومات المتوافرة عن لقاء سليمان وميقاتي ليلاً لم تشر الى تناولهما بعض الصيغ التي تردد انها طرحت لحقيبة الداخلية، وان تكن لم تستبعد طرحها خارج اطار هذا اللقاء بين القوى السياسية المعنية. وفي انتظار نتائج الاختبار الجديد للتعجيل في تأليف الحكومة، بدا واضحاً ان قوى الاكثرية وجدت نفسها في مواجهة احتمال استنفاد الفرصة الاخيرة قبل ان تدهم البلاد مضاعفات التطورات الاقليمية ولا سيما منها الاضطرابات الدموية في سوريا فضلاً عن تراكم الملفات والازمات ذات الطابع الامني والاجتماعي والاقتصادي في الداخل. وكانت المنطقة الحدودية الشمالية مع سوريا شهدت امس جانباً طارئاً من تداعيات الحدث السوري تمثل في موجة نزوح لعائلات سورية وفدت من بلدة تل كلخ السورية والقرى المحيطة بها الى منطقة وادي خالد اللبنانية ومنها الى عدد من المدن والبلدات الشمالية الأخرى. وتبين من الافادات القليلة لشهود عيان من النازحين ان منطقة تل كلخ شهدت تطورات عسكرية أدت الى بداية النزوح منها في اتجاه لبنان. وقدر عدد النازحين أمس بنحو 1500 شخص معظمهم من النساء والاطفال والاولاد، وقد بدأت الموجة ليل الاربعاء عقب اعمال عنف واضطرابات وعمليات عسكرية في تل كلخ. واستقبلت عشائر وادي خالد النازحين السوريين، علما أن قسما كبيرا منهم أنسباء وأقرباء لهذه العائلات،ـ كما وصلت عائلات سورية ليلا الى طرابلس والميناء حيث توزعت على أقرباء لها.
وسجل ليلا سقوط قذيفة "اينرغا" على سيارة متوقفة في محاذاة مدرسة الاميركان في جبل محسن بطرابلس أدى انفجارها الى تحطيم السيارة. ولوحظ ان هذا الخرق الامني يتكرر للمرة الثانية عشية التجمع الذي دعا اليه "حزب التحرير" في الجامع المنصوري الكبير عقب صلاة الجمعة "لمتابعة حملة النصرة لثورة الشام".
الى ذلك، برز موقف لافت امس لوزير الخارجية الايطالي فرانكو فراتيني تناول فيه الوضع في لبنان في ضوء التطورات التي تشهدها سوريا. وقال فراتيني في مقابلة مع صحيفة "فوليو"، إن حكومة بلاده اتفقت مع حكومة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي على "اقتراح لعرض عقوبات صارمة على المجلس الاوروبي في ايار موجهة ضد المسؤولين العسكريين والاستخباريين عن المجازر التي شهدتها سوريا". وأضاف: "يمكن الازمة السورية أن يكون لها تأثير كبير على قرارات حزب الله وحماس". واعتبر "أن الدور الذي لعبته وستلعبه سوريا مع حزب الله، يفقد مهمة اليونيفيل أحد الاسباب المهمة لوجودها، والمفارقة هنا واضحة، فاذا ما شعر حزب الله بالضعف، نتيجة ضعف قوة التغطية والتسليح من سوريا، باعتبارها عرّابته، فمن الممكن ان يصبح أكثر عدوانية، وأن يخرج عن نطاق السيطرة، واذا حدث ذلك، فيجب تغيير طبيعة تكليف مهمة اليونيفيل". وأضاف: "سأتحدث عن ذلك بحزم في مجلس وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي منتصف ايار، فقد لعبت اليونيفيل دورا جيدا في تسوية الازمة بعد العام 2006 ويمكنها ان تتحول رادعا ممتازا حتى في مواجهة أزمة جديدة في المنطقة، ولكن بالتأكيد ليس وفقا لآلية القرار 1701". وخلص الى القول: "يجب ان يكون واضحا، مع ذلك، انه حتى لو لم تؤثر الازمة السورية على لبنان، فان التزامنا مهمة اليونيفيل، كما قررت الحكومة بالفعل، سينخفض كثيرا بالتنسيق مع حلفائنا".