أيّام معدودة تفصلنا عن أيّار، شهر ينتظره تلامذة الصف الثالث الثانوي بفارغ الصبر لإحياء حفل تخرّجهم. على رغم ما يخفيه العام الدراسي من مفاجآت، خصوصا على مستوى الامتحانات الرسميّة، يبقى تنظيم التخرّج هاجس الطلاب الوحيد. لذا قد تتنوّع الاستعدادات من مدرسة إلى أخرى، وكذلك الخيارات المطروحة من "سفرة" إلى سهرة، إلى … ولكن يبقى الهدف إحياء حفل لا مثيل له.
من اليوم الأول… إدّخار
"هو يوم واحد، يختصر مرحلة من عمرنا أمضيناها على مقاعد الدراسة نفسها، من البديهيّ أن نحتفل على نحو يليق بالذكريات". بلهفة عارمة، يتحدّث تدي جبّور عن 13 عاما أمضاها تلميذا في مدرسة ماريوسف قرنة شهوان، واليوم بفارغ الصبر ينتظر لحظة تخرّجه.
يعتبر تدي أنّ نشاطات مدرسته "عارمة" مقارنة مع مدارس أخرى، فيقول: "شكّلت الإدارة هيئة خاصة لمتابعة نشاط التخرّج، مكوّنة من مجلس تمثيلي من الطلّاب يشرف عليه أستاذ. وتبدأ عمليّة جمع الأموال لهذا النشاط منذ اليوم الأول من العام الدراسي، على نحو يدّخر التلميذ 30 دولارا شهريّا".
وفي مزيد من التفاصيل عن المصاريف التي يتكبّدها المتخرّج، يوضح تدي: "100 دولار مقابل الحفل الذي تعدّه إدارة المدرسة، 90 دولارا كلفة السهرة في المطعم، ونحو 50 دولارا كلفة متابعتنا للسهرة، إضافة إلى استئجار سيّارة لهذه المناسبة بما لا يقلّ عن 100 دولار، إلى جانب بِزّة تليق بالمناسبة نحو 300 دولار". ويتابع: "كذلك يسبق الحفل نشاط ترفيهيّ تنظمه الإدارة للأساتذة والتلاميذ على مدى يومين في أحد المنتجعات في البقاع الغربي، وكلفته 85 دولارا". لا ينكر تدي أنّ مصروف هذه المناسبة قد يتخطّى المعقول، ولكن "المناسبة لمرّة واحدة وبتستاهل"، على حدّ تعبيره، مؤكّدا "أنّ تذمّر بعض زملائه لا يتجاوز المزاح".
في هذا الإطار، يلفت تدي إلى أنّ "حفل التخرّج إلى حدّ ما يفقد رمزيّته وعفويّته، ويتحوّل إلى "تفشيخ" بين التلاميذ ".
لا بدّ من ليموزين
أمّا بالنسبة إلى مدرسة الحكمة الجديدة "فالتحضيرات لحفل التخرّج على نار حامية" كما وصفها التلميذ مايك عازار، موضحا: "في مطلع العام الدراسي أردنا أن نقيم التخرّج في الأردن، إلّا أنّ الفكرة لم تحظ بموافقة الجميع، لذا تمّ استبدالها بسهرة في أحد الفنادق، تليها نشاطات مختلفة بين التلامذة حتى ساعات الفجر الأولى من اليوم التالي".
إزاء الحماسة التي أبداها التلامذة لمشروع التخرّج، أثنى مايك على خطوة فريدة من نوعها قامت بها الإدارة، فأخبر: "نظرا إلى تزايد الواجبات المدرسيّة وضغط الامتحانات، اقترحت الادارة تأخير مشروع التخرّج إلى ما بعد إجراء الامتحانات الرسمية، بما يسمح لنا بالتحضير في رويّة أكثر وراحة بال". إلّا أنّ هذه الخطوة لم تنجح في كبح اهتمامات التلاميذ قبل تأكيدهم على الحجز المسبق لمختلف احتياجاتهم، فيخبر مايك: "للاطمئنان، حجزت وأصدقائي سيّارة الليموزين بقيمة 700 دولار".
يعترف مايك أنّ التحضيرات مكلفة، "فهي تتخطى الـ 700 دولار، إلّا أنه يعبّر عن اطمئنانه قائلا: "أخبرت أهلي عن المصاريف كاملة، وأنا ابنهم البكر، فلن يرفضوا لي طلبا".
من جهتها، تعتبر الطالبة كارين فرنسيس في ثانوية لور مغيزل الأشرفية، "أنّ مصاريف حفل التخرّج في المدرسة الرسميّة لا تقلّ كلفة عن المدرسة الخاصة، خصوصا أنّ الهواجس مشتركة، "هدفنا إنجاح المشروع، تخرّج بكل ما توافر لنا من إمكانات، لأنّها مناسبة تجسّد لحظات لن تتكرّر في حياتنا".
لا تنكر كارين أنّ التحضيرات لحفل التخرّج يشوبها كثير من النقاشات الحامية بين التلاميذ وكذلك مع الإدارة، "بشكل خاص في شأن اختيار المطعم المناسب، إلّا أنّ كلمة الحسم تبقى للإدارة التي تراعي أوضاع جميع تلامذتها على نحو يمكّن الجميع من المشاركة".
وعن المصاريف التي يتكبّدها الطالب، "عدّي ومدّي"، على حدّ تعبير كارين، موضحة: "في البداية ندفع 120 ألف ليرة مقابل الحفلة التي تعدّها الإدارة، من ضمنها كلفة العشاء في المطعم، أمّا تكاليف فستان السهرة وما يفرضه من أكسسوارات وتصفيف شعر، فلا سقف محدّد، "بالميتة 500 دولار هيدا إذا كان الفستان مُستأجَرا"، وتضيف: "هيّي ليلة من العمر بتحرِز نضحّي كرمالها".
آراء الإدارة
توضح مديرة راهبات القلبين الأقدسين بكفيا، الأم جاكلين عزّام، "أنّ تنظيم حفل التخرّج يبدأ من اليوم الأوّل على نحو هادئ"، مضيفة: "منذ مطلع العام الدراسي يدّخر كل تلميذ شهريّا من 5 آلاف إلى 10 آلاف من مصروفه، كذلك تسمح الإدارة بتنظيم مشاريع تمويليّة، دعما لهم. لذا لا يتكلّف الأهالي أيّ مبلغ إضافي خارج كلفة تنظيم ثوب تخرّج أبنائهم".
أمّا عن الحدود التي تقف عندها إدارة المدرسة، فتوضح عزّام: "نشرف على كامل مشروع التخرّج في المدرسة، وكذلك نشارك التلاميذ فرحتهم في المطعم، إلّا أنّنا نرفع مسؤوليّتنا عن أيّ مشروع قد ينظّمه الخرّيجون ليسهروا حتّى ساعات الفجر الأولى". ومن عزّام صرخة إلى الوزير زياد بارود: "نتمنّى لو يمنع أيّ مظاهر احتفالية في الطرقات، خصوصا سيّارات المواكبة".
من جهتها، تعبّر المديرة في ثانوية راهبات الورديّة المنتزه الأخت إيليان غوش، عن سخطها من سلوك الخرّيجين، فتقول: "للأسف ما من همّ يشغل الطلّاب إلّا حفل التخرّج، وعلى رغم أنّ الإدارة تسعى إلى التخفيف عن كاهل الأهل، إلّا أنّ الأبناء يبالغون في تبذير الأموال". لذا تمنّت الأخت غوش لو تتفق المدارس فيما بينها على "إلغاء حفلات التخرّج المبالغ بها".
وتلفت الأخت غوش إلى انّ "ما يزيد الطين بلّة غياب تعاون الأهل، فهم لايتردّدون في الاستدانة لتوفير مطالب أبنائهم، في حين يتأخّرون عن تسديد الأقساط المدرسيّة".
تتعدّد مظاهر الاحتفال في حفل التخرّج وتتزايد معها المخاطر، فهل من خطوات ستبادر الدولة إلى اتّخاذها حفاظا على أمن الطلّاب وسلامتهم، وتفاديا لتكرار تجارب الأعوام المنصرمة المرّة؟