لبنان يعاني رهاب تبييض الأموال

«يجب أن يعرف المصرف أين يذهب العميل، وإلى أي مدرسة يذهب أولاده، وأين يقضي إجازاته…». هذه الجملة التي جاءت في نهاية محاضرة قدّمها أمس مدير وحدة التحقيق والتدقيق في هيئة التحقيق الخاصة هشام حمزة، في مؤتمر «مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب»، هي الأكثر تعبيراً عن حالة القلق والتغيير الحاصلة في القطاع المصرفي اللبناني على أثر ما أُطلق عليه في المؤتمر «أزمة البنك اللبناني الكندي».

يمثّل هذا المؤتمر أوّل مناسبة لنقاش علني في خلفية الإجراءات الأميركية بحق البنك اللبناني الكندي، وتداعياتها على القطاع المصرفي في لبنان. إلا أنه لم يتعدّ كونه محاولة فاشلة للنقاش، فهو كان تخويفياً وتسويقياً؛ فما تطرق إليه المحاضرون هو الإجراءات التي يجب اتخاذها بعد «أزمة البنك اللبناني الكندي»، فلم يتطرّق أحد إلى كيفية اتهام هذا المصرف والأدلّة التي استندت إليها وزارة الخزانة الأميركية لاتهامه بتبييض الأموال لمصلحة شبكة أيمن جمعة، ولا إلى حركة حسابات الشبكة في غير البنك اللبناني الكندي، ولا إلى سرعة بيع المصرف المتّهم، وأسباب اختيار الشاري وهو مصرف عامل محلّياً مملوك بنسبة 19% من دولة أوروبية.

انصبّ تركيز المحاضرين الأساسيين على التخويف والتهويل. فبدأت مديرة الالتزام في بنك ميد سحر بعاصيري بتقديم يمام فضل التي تعمل في مكتب الأصول الخارجية في وزارة الخزانة الأميركية OFAC (مكتب يتخذ قرارات تجميد التعامل مع هذه الجهة أو تلك) وقالت: «اسم OFAC يُرعب كل المصارف». أما فضل فقد أوضحت أن قرارات OFAC تتخذ «بناءً على أهداف الأمن القومي الأميركي»، ثم أكملت بالحديث عمّا هو ممنوع وما هو مسموح، لافتة إلى ضرورة «وجود ضابط امتثال لدى المصارف حرصاً على تأمين درجة امتثال معيّنة».

وتحدّث هشام حمزة عن مشروع تعديل القانون 318 المتعلق بمكافحة تبييض الأموال، باتجاه الفصل بين جريمتي تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، علماً بأن تمويل الإرهاب كان مدرجاً كجريمة في إطار تبييض الأموال.
وتطرّق أيضاً إلى مقترح جديد يتناول «الإفصاح عن الأموال النقدية العابرة للحدود»، لافتاً إلى أنها المرّة الأولى التي يُدرج فيها أمر يتعلق بالأموال النقدية. فهذه الأموال التي غالباً ما يكون مصدرها المغتربين اللبنانيين في أفريقيا وأميركا اللاتينية، تودع لدى المصارف بموجب إيصالات، أو تودع لدى الصرافين بقصد شحنها، ويلي ذلك «تحاويل إلى الخارج لشراء سيارات وبضائع أخرى… وهو أمر يثير أسئلة عديدة: لمصلحة مَنْ تذهب هذه الأموال؟ فما بات واضحاً أن الأموال تكون باسم الناقل، أو بناءً على طلبه، ثم تحوّل إلى شركات أخرى أو أفراد. لكن في حالات أخرى هي تذهب بناءً على طلب طرف ثالث أو لطرف آخر غير ناقلها وغير مالكها الفعلي.

في الواقع، إن كل ذلك لا يؤلف اتهاماً بالقيام بعمليات تبييض أموال أو تسهيلها. فما هو معروف أن أموال الاغتراب تأتي نقداً بسبب صعوبة إخراج الأموال من أفريقيا بواسطة المصارف أو المؤسسات المالية المعروفة. وإذا كان هذا النوع من الأموال أو التحاويل هو المستهدف، فبحسب مسؤولين مصرفيين سابقين وحاليين، هناك ما لا يقلّ عن 15 مصرفاً من الأكبر في لبنان، استقطبوا على مدى السنوات الماضية أموال المغتربين النقدية، وتعهدوا لهم بإدخالها إلى النظام المالي.
لكن جاءت «فشّة الخلق» لتستهدف الصرافين وتجار السيارات المستعملة. إذ يقول ممثل بنك «أوف نيويورك ميلون» في المؤتمر دايفيد وايلدنر، إن القرارات الأميركية تطرقت إلى عمليات الصيرفة، وتجارة السيارات، والأعمال التي تنجز من حسابات مصرفية شخصية». ويتّهم وايلدنر الصناعة المصرفية اللبنانية بأنها تحاول «تلطيف هذه المشاكل».

على أي حال، اختصر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الأمر بالإشارة إلى أن موضوع مكافحة تبييض الأموال بات «من الأولويات لضبط المداخيل القومية ومنع التهرّب من الضرائب». ويلفت إلى أن مجموعتي الـFATF والـOECD، تتابعان مع الدول إفرادياً لتحقيق بيئة ملائمة لمنع الأموال غير الشرعية من الدخول إلى أي سوق مالي في العالم. وفي هذا الإطار، يؤكد سلامة أن مصرف لبنان يجري حالياً تعديلات على التعميم المتعلق بشحن الأوراق النقدية الأجنبية من وإلى لبنان، فبات ضرورياً إعلامه مسبقاً بالشحن وتعيين «ضابط امتثال» لمراقبة تقيّد المؤسسة المعنية بالقوانين والأنظمة.

السابق
طائرة استطلاع اسرائيلية خرقت اجواء الجنوب والبقاع
التالي
اضراب للسائقين العموميين في الكولا