الراي: لبنان يدير ظهره لأزماته ويتحرّى عن «القطب المخفية» في العاصفة السورية

انتقلت بيروت الى «المقاعد الخلفية» وهي تراقب باهتمام مفرط ما يجري على «المسرح السوري»… وتكاد الصالونات السياسية في العاصمة اللبنانية لا تبالي بـ «اجترار» الاخبار اليومية «المملة» عن الحكومة التي لم تبصر النور رغم المساعي «الجبارة» على مدى ثلاثة اشهر… وحدها محطات التلفزة كـ «الجزيرة» و «بي. بي. سي» مشرّعة الشاشات على ارصفة بيروت وفي بيوتاتها التي تتعقب التقارير عن مجريات المواجهة الكبرى في سورية، وسط الاعتقاد «الراسخ» بأن ما يحدث في دمشق سرعان ما يرتدّ على بيروت.

وتضجّ الغرف المقفلة في الشارع السياسي اللبناني بـ «الهمس» في مقاربتها لما يجري في «الشارع اللاهب» في سورية، وسط الانقسام اللبناني «التقليدي» حيال سورية و«كل شيء آخر».
فحلفاء دمشق يتعالون على إرباكهم وهم يشرحون أبعاد «الخلطة السحرية» التي اعتمدها النظام في سورية لـ «الافلات» من «تسونامي» التغيير في المنطقة، والقائمة على جزرة الاصلاحات من فوق وعصا البطش الغليظة من تحت.
اما خصوم سورية الذين بدوا وكأنهم «ابتلعوا ألسنتهم» حذراً من اتهامات لم توفرهم اساساً، غالباً ما يهتمون اليوم بـ «المعاينة» عن بُعد لخريطة الاحتجاجات في المدن السورية وأريافها، و«قراءة» الاصداء الدولية و«مستواها»، وسط سيل من الاسئلة «الصعبة» الاجابات.

وحلفاء دمشق كما خصومها ينهمكون في التحري عن «قطب مخفية» ترتبط بالموقف الغربي لا سيما الاميركي وما يشاع حول «مخاوف اسرائيل»، ومغزى الدور القطري ومضمون رسالة وزير الخارجية الاماراتي، وفحوى الالحاح التركي على الاسراع بالاصلاحات، اضافة الى المداولات الجارية في مجلس الامن.

فلبنان الرسمي والسياسي يجد نفسه «شاء ام ابى» وجهاً لوجه امام «المنزلق» السوري وإرتداداته المحتملة… من الحكومة التي صار تشكيلها في مهب العاصفة السورية، الى الموقف «السهل الممتنع» الذي يفترض بلبنان اتخاذه في مجلس الامن كممثل للمجموعة العربية.

وقد بدت ساعة لبنان السياسية مضبوطة امس على عقارب نيويورك في ضوء متابعتين متوازيتين.
* الاولى للمداولات التي سبقت عقد مجلس الامن الدولي جلسته الثانية في غضون 24 ساعة في محاولة لإصدار بيان يدين أعمال العنف في سورية المقترح من فرنسا وألمانيا وبريطانيا والبرتغال والذي يطالب بلجنة تحقيق يكلفها الامين العام للامم المتحدة القيام بتقصي الحقائق، وفي ضوء نتائج مهمتها يمكن اتخاذ عقوبات ضد سورية لممارساتها الامنية ضد المدنيين او احالة مسؤولين سوريين على محاكمات جنائية دولية. علماً ان «سابقة» مناقشة مجلس الامن أحداثاً تدور داخل سورية عكس انتقال الوضع السوري برمّته الى «المعاينة» الدولية وإن وسط صعوبات لا تزال تعترض تكوُّن موقف جامع بإزاء هذا الملف المستجدّ الذي تحوّل «كرة ثلج».
* اما المتابعة الثانية فللموقف الذي كان سيتخذه لبنان في جلسة مجلس الامن، في ضوء ما تبلّغه مندوب لبنان في مجلس الامن السفير نواف سلام من وزير الخارجية في حكومة تصريف الاعمال علي الشامي (من فريق رئيس البرلمان نبيه بري) بعدم الموافقة على البيان الصحافي الذي لم يسمح بأيّ حال موقفا روسيا والصين الاعتراضي عليه من إمراره في جلسة اول من امس، علماً ان البيان الصحافي يحتاج الى إجماع اعضاء مجلس الامن لصدوره (مع جواز الامتناع عن التصويت).
وفي هذه النقطة تحديداً تمت مقاربة الموضوع من زاويتين:

1 – في الشكل: حيث برز انتقاد اوساط 14 آذار وإعلام «تيار المستقبل» (يقوده الرئيس سعد الحريري) لـ «تفرُّد» الشامي في التعليمات التي أبلغها إلى السفير نواف سلام، من دون ان ينسّق الامر مع رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري ولا مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان، معتبرة أن «تصرف الوزير هو مخالفة لأبسط قواعد التعبير عن موقف لبنان، وهو تجاوز لمرجعية وزير الخارجية في حقبة تصريف الاعمال المتمثلة برئيسي الجمهورية وحكومة تصريف الاعمال». فيما ذهبت مرجعيات قانونية الى تأكيد ان «الموضوع المشار إليه هو من صلب الإعراب عن سياسة الحكومة التي يقررها مجلس الوزراء مجتمعاً، وبالتالي فإنه يدخل في صلب الأعمال التي يحق لحكومة تصريف الأعمال ان تتّخذ قرارا في شأنها».
كما استحضرت اوساط قوى 14 آذار ما سبق ان تذرّع به الشامي لعدم استدعاء السفير السوري في بيروت علي عبد الكريم علي لاستيضاحه الاتهامات السورية لأحد نواب كتلة «المستقبل» جمال الجراح اذ اعلن حينها أن الامر يتطلب عقد جلسة لمجلس الوزراء «في حين انه يوجه اليوم تعليمات الى مندوب لبنان لدى أعلى مرجعية دولية من دون المرور بأي طريق مؤسساتي».

2 – في المضمون: اذ طُرحت علامات استفهام حول جوهر الموقف المطلوب من لبنان بإزاء مداولات مجلس الامن حول الوضع في سورية وذلك من منطلقيْن:
الاول لبناني بحت، اعتبر البعض في إطاره ان لبنان يمكن ان يعتمد بإزاء ملف سورية في مجلس الامن ما طبّقه عند مناقشة قرار العقوبات على ايران في يونيو الماضي حين امتنع عن التصويت (بحجة عدم القدرة على التوافق على موقف رسمي بالتصويت مع او ضد في مجلس الوزراء)، وهو ما قد يوفّر عليه الدخول في تجاذبات مع دول كبرى لا قدرة له على تحمّل تبعاتها. علماً ان اوساطاً سياسية ترى ان عدم الموافقة على البيان الصحافي عن الاحداث في سورية كان سيكون «الموقف الرسمي» لحكومة الرئيس الحريري الذي تفادى في اي حال «إرباكاً وإحراجاً» فيما لو كان يتعيّن على حكومته مناقشة هذا الملف الذي دخل اساساً على خط معاودة توتير العلاقة بينه وبين دمشق كما بينه وبين «حزب الله» وحلفائه في لبنان.
وكان لافتاً في هذا الإطار، اعلان القيادي في «تيار المستقبل» النائب السابق مصطفى علوش تعليقاً علي مداولات مجلس الأمن بالنسبة لسورية ان «على لبنان ألا يصوّت، ويجب الا يتخذ موقفاً مع الحكم او ضد الحكم». وقال: «التصويت ضد البيان يعني القبول بترهيب الناس، والتصويت مع البيان يعني ضرب العلاقات مع سورية، لذلك نقول يجب ألا يصوّت لبنان»، مضيفاً: «إذا أراد الرئيس سعد الحريري ان يتخذ موقفاً فسيكون موقف دولة، وما سيمثله أي موقف رئيس حكومة تصريف أعمال. أما موقف تيار «المستقبل» فهذا أمر مختلف».

اما المنطلق الثاني المتصل بجوهر الموقف اللبناني، فكانت ركيزته ان لبنان يمثّل المجموعة العربية في مجلس الأمن، وتالياً هو ينطق باسمها وعليه تقديم موقف يعبّر عنها. واذ ذكّرت اوساط سياسية، بان التوافق العربي بإزاء الملف الليبي سمح للبنان بان يكون طليعياً في المداولات التي أوصلت الى قرار مجلس الامن الذي أجاز اللجوء الى القوة ضد نظام العقيد معمّر القذافي، لفتت دوائر اخرى الى ان غياب اي موقف عربي بإزاء الاحداث الجارية في سورية، جعل لبنان في موقع أكثر إرباكاً، وهو ما فسّر بحسب مصادر مطلعة تحرك مندوبه لدى المجلس السفير سلام في محاولة لارجاء جلسة يوم امس إلى ما بعد انعقاد مجلس وزراء الخارجية العرب الاستثنائي، الذي تردد انه سيلتئم قريباً.

وتبعاً لذلك، رأت دوائر سياسية ان لبنان كان قبل انعقاد جلسة مجلس الأمن يفضّل ان لا يتجرّع لوحده «كأس» إفشال صدور البيان الصحافي حول سورية فيما لو نجحت محاولات استمالة الموقفين الروسي والصيني، علماً ان معلومات تحدّثت عن ان السفير سلام تبلّغ من الشامي وجوب رفض البيان حتى لو سارت به موسكو وبيجينغ، وهو ما كانت الدوائر نفسها «لا تتمنى حصوله»، رغم انه سيعنى لو جرى ان بيروت اختارت «أهون الشرّيْن» بين اعلان الانتقال الى معسكر «المواجهة» مع سورية بما سيرتّبه من تداعيات داخلية وفي علاقته مع دمشق، وبين اعلان رفض الالتحاق بالموقف الدولي المواجِه لدمشق وما يمكن ان يفضي اليه من إظهار لبنان «هامشياً».

على ان دوائر ديبلوماسية في بيروت، اشارت الى انه اذا كان ثمة اتجاه دولي حازم لاتخاذ موقف من الحكومة السورية، فان مجلس الأمن يمكن ان ينتقل من خيار صدور البيان الى محاولة استصدار قرار لا يحتاج الى اكثر من تسعة اصوات لإقراره ويمكن ان يكون مفعوله أكبر.

وحضر هذا الملف امس في لقاء الاربعاء الذي يعقده رئيس البرلمان مع النواب، اذ أكد بري «الوقوف الى جانب سورية في هذه المرحلة بالذات»، مشيرا الى «أن موقف لبنان في مجلس الأمن طبيعي وينطلق من العلاقة الأخوية والمميزة بين البلدين، ومن المصلحة المشتركة للشعبين الشقيقين».
وأضاف بري أنه «في ظل الظروف الدقيقة والصعبة التي يمر بها لبنان والمنطقة، من المستغرب الاستمرار على هذه الحال من المراوحة في تشكيل الحكومة»، داعيا الى الإسراع في تأليفها، ومؤكدا «أن التحديات التي تواجه البلاد والتي هي بهذا الحجم الكبير تفترض وجود حكومة اليوم قبل الغد».

وجاء كلام رئيس البرلمان عن الملف الحكومي مكملاً لما كان اعلنه اول من امس بعد لقائه الرئيس المكلف من «ان تأخير تشكيلها جزء من المؤامرة على لبنان وسورية ولو كان غير مقصود». علماً ان بعض الاوساط استوقفها ان يأتي كلام بري بعيد اعلان زعيم «التيار الوطني الحر» النائب العماد ميشال عون «ان مَن ينتظر تطور الاحداث (في سورية) لا يريد تأليف الحكومة».
وفي موازاة ذلك، لفتت التقارير التي تحدثت عن ان رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط عاد من دمشق (حيث التقى معاون نائب الرئيس السوري اللواء محمد ناصيف) غير مرتاح، وان ثمة قراءة سوريّة جديدة لمواقف حلفائها اللبنانيّين وان هناك «لائحة جديدة» تضعها دمشق لمجموعة حلفائها في بيروت باتت قيد درس وتمحيص دقيقين، وفق ما نقلت صحيفة «الجمهورية».

وبعيد عودته الى بيروت، اعتبر جنبلاط (اوفد الوزير وائل ابو فاعور للقاء بري) «أن الحوار السني الشيعي أكثر من ضروري في هذه المرحلة، مشدداً على «ضرورة استعادة التواصل بين الرئيس الحريري، والرئيس بري والأمين العام لـ «حزب الله »السيّد حسن نصر الله».
وعن جدوى الحوار مع الحريري؟ اجاب بوضوح: «شئنا أو أبينا ما زال الممثّل الأوّل للسنّة». واذ رأى ان تأليف الحكومة يُمكن أن يُساهم في الحدّ من التدهور، لكنّه اكد «الاساس هو الحوار السني – الشيعي».

السابق
الحياة عن مصادر: محاولات إزالة العقبات تجددت في الساعات الأخيرة
التالي
الضاهر:‍ وهّاب مخبر صغير لدى النظام السوري