لا تدعوا البدلات الايطالية ولقب "طبيب عيون" يضللانكم فيما يتعلق ببشار الاسد، ولا يُغريكم التأثر بالمظهر الجذاب لأسمى الاسد في عدد شباط من "فوج". إن عائلة الاسد هي عائلة جريمة من جميع الجوانب. انهم أقل تسلية من عائلة سوبرانو، واسلوبهم أدنى من عائلة كورليونا، لكن لهم منذ اربعين سنة شيئا لا يوجد لعائلات جريمة عادية تقليدية: دولة.
يوجد لكيم جونغ ايل وللقذافي، وهما رئيسا عائلتي جريمة أخريين، دولة ايضا، لكنها ليست دولة تعتبر "مستقرة". إن الزوجين الرائعين بشار وأسمى هما الجيل الثاني لادارة المشروع العائلي – الطائفي – الدولة السورية. وهي ليست مجرد دولة بل هي دولة تستخرج نحوا من 400 ألف برميل نفط كل يوم منها 250 ألفا للتصدير. وبسعر 112 دولارا للبرميل، تربح سوريا 28 مليون دولار كل يوم. هذا أكثر مردودا بمفاهيم المافيا حتى من صناعة المخدرات في لبنان.
ولعائلة الاسد بُعد مهم آخر يميزها من مجرد عائلة جريمة وهو السياسة الخارجية. إن سوريا حافظ الاسد وسوريا ابنه بشار ايضا وبقدر كبير، تؤدي دورين في نفس الوقت: كما قال المستشرق المعروف فؤاد العجمي في صحيفة "وول ستريت جورنال": الأزعر ومُطفيء الحريق.
إن الحلف غير المقدس مع ايران، والتسليح الدائم والتغطية السياسية لحزب الله، والمشاركة والتدخل اللذين لا ينتهيان في السياسة والاقتصاد اللبنانيين، والصلات التاريخية (مع انخفاض وارتفاع) مع تركيا، والصراع مع اسرائيل تجعل سوريا لاعبة اقليمية مهمة قدرتها على الضرر كبيرة. وقد تكون سوريا مطفئة حريق ايضا لكن صيتها بُني على كونها زعراء.
لهذا فان الطلب الى الولايات المتحدة والى الكيان الذي ما زال يسمى "الغرب" ان يتدخلا سريعا لوقف المجزرة التي ينفذها الاسد في المواطنين السوريين، هو طلب عادل لكنه تبسيطي. فسوريا ليست ليبيا، وتعقيد المصالح والضرورات والآثار لكل عملية دبلوماسية شديدة تتلوها عملية عسكرية، واسع وعميق.
كذلك الدعاوى في شأن عدم اتساق ادارة اوباما تبسيطية بقدر كبير: فأولا الاتساق ليس قيمة في السياسة الخارجية. ويفضل كما قال اوباما بعد خلع مبارك ان تكون عادلا على نحو غير متسق على ان تخطيء في الاتساق. وثانيا السياسة المنظمة الواضحة لعلاج مشابه في الوقت نفسه لكل ازمات الشرق الاوسط علم خيالي. فلا توجد ولا يمكن ان توجد سياسة كهذه وهي لا تستطيع ان تكون "متسقة" لان مصر واليمن والبحرين وليبيا، وسوريا الآن، تعرض خصائص مختلفة وتنصب تحديات مختلفة، وتختلط فيها مصالح مختلفة والعلاقات المتبادلة الاقليمية مختلفة متمايزة جدا.
إن عشرات آلاف السوريين لا يهددون بالوصول الى مرسيه أو نابولي كما يستطيع الليبيون، وليست سوريا "حليفة" كما كانت مصر تُرى وما زالت تُرى، ولا تقع تونس بين ايران والسعودية حيث تقع البحرين، وليس لليمن حدود مع العراق وتركيا واسرائيل والاردن كما لسوريا، ولا صلة لأي واحدة من الدول المذكورة تكافلية كما لسوريا بايران وبحزب الله.
إن عدم اليقين المتعلق بتطور الازمة السورية يعرض اسرائيل لمعضلتين: الاولى هي معضلة بأثر رجعي وهي هل أضاعت اسرائيل الفرصة في الـ 15 سنة الاخيرة للتوصل الى تسوية مع سوريا. هذه في ظاهر الامر معضلة غير ذات موضوع لانها تتناول "لو وربما" وتعلمون انه لا توجد في دراسة التاريخ "لو وربما". لكن هذه المعضلة مهمة لانها وعلى نحو محتوم ستنشيء جدلا في المستقبل في اسرائيل وتطرح اسئلة ذات شأن على كل اولئك الذين دعوا منذ انحل الاتحاد السوفييتي في 1992 الى ما قبل بضعة اسابيع، الى الخط السياسي لـ "سوريا أولا". هل كانت سوريا متجهة في التسعينيات الى السلام وحدث تحول استراتيجي في سوريا حقا؟ هل هذا السلام كان سيبرهن على انه ثابت في وجه عدم الاستقرار الحالي؟ اذا تخلى الاسد عن نصيبه من السلطة فهل يجب على اسرائيل ان تهمل الخيار السوري؟ وما هي آثار هذا القرار؟.
كعادة هذا الجدل في اسرائيل، سينجم الجانب السياسي من الفور ويثار مرة اخرى الزعم الداحض ان رئيس الحكومة اهود باراك "أضاع" فرصة تاريخية للسلام مع الاسد في شبردزتاون في كانون الثاني 2000. لم يوجد اتفاق حقيقي قريب، ولم يثبت حافظ الاسد لشرط التبادلية ولهذا لم يُضع باراك أي فرصة كما برهن على ذلك لقاء كلينتون الاسد في جنيف في آذار 2000 قبل موت الرئيس السوري باسابيع معدودة.
والمعضلة الثانية هي كيف سيتم التصرف في الايام والاسابيع القريبة. إن تأييد المتظاهرين هو الشيء الاخلاقي والصحيح فعله لكنه لا يستوي مع تأييد اسرائيل لمبارك قبل تنحيته. إن كل تصريح في شأن ايران أو حزب الله يمكن ان يكون صحيحا من ناحية جوهرية لكن لا تكون فيه حكمة سياسية في هذا الوقت. وإن مناوءة تركيا في القافلة البحرية التالية قد تعقد الوضع بسبب مركزية تركيا المحتملة في كل خطوة دبلوماسية امريكية أو من الامم المتحدة في مجابهة سوريا. لهذا يجب على اسرائيل ان تفعل الشيء الوحيد الذي يصعب عليها فعله على نحو عام وهو الصمت. يفضل ألا نبدي رأيا في الجارة عندما تناضل عائلة جريمة عن وجودها.