لماذا تحمي وزارة الخارجية الأميركية حرية الإنترنت؟

نحن نؤيد وجود شبكة إنترنت واحدة يتمتع البشر أجمع على حد سواء بإمكانية الوصول للمعلومات والأفكار التي تحويها·

كان هذا ما ذكرته وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، في خطاب لها في (كانون الثاني) 2010، والذي أشارت إليه باسم <خطاب مهم عن موضوع بالغ الأهمية· وكان هناك المزيد·

فقد أضافت كلينتون قائلة: نحن ندعم أيضاً تطوير أدوات جديدة من شأنها أن تكفل للمواطنين ممارسة حقوقهم في التمتع بحرية التعبير من خلال تجنب الرقابة المدفوعة سياسيا· ونقدم التمويل لمجموعات بأنحاء مختلفة من العالم للتحقق من وصول مثل تلك الأدوات للأفراد الذين هم في حاجة إليها·

وقد نالت تلك الكلمات استحسان الجمهور المستمع إلى خطاب كلينتون ? الليبيين والمصريين والإيرانيين والصينيين· ولأن وعودها كانت جديرة بالتصديق: فبعض <الأدوات> التي ذكرتها، مثل البرنامج الذي يتيح للأفراد اختراق برامج الحماية الموضوعة من قبل النظام دون أن يتم اكتشافهم، كانت مستخدمة بالفعل· كذلك، كانت الأموال متاحة أيضا: فقبل ثلاثة أشهر من هذا الخطاب، في (تشرين الأول) 2009، تلقت وزارة الخارجية الأميركية مبلغا قيمته 30 مليون دولار من الكونغرس خصيصا لمكافحة الرقابة المفروضة على شبكة الإنترنت·

غير أنه خلال مدة العام والنصف التالية، لم يتم إنفاق نصف ذلك المبلغ  في ليبيا أو في الصين أو في أي مكان· ولسوء الحظ، لست قادرا على تفسير السبب وراء ذلك· وعندما سألت عن ذلك، أجابني أحد المسؤولين بقوله إن الوزارة كانت تفتقر إلى الخبرة الفنية واضطرت إلى أن تعيد تنظيم نفسها بهدف <توحيد السياسة> قبل إطلاق دعوة لتقديم الاقتراحات (أطلقت دعوة أخيراً في يناير؛ ومن المفترض أن تكون النتائج متوفرة في غضون شهر)·

ويرى آخرون دوافع خبيثة: الضعف والجبن والقلق من عدم الرغبة في إثارة استياء الحكومات التي تقوم بإنشاء برامج حماية – خاصة الحكومة الصينية· يذكر أن الشركتين اللتين قامتا بإنشاء بعض من أكثر برامج مكافحة الرقابة على الإنترنت نجاحا، فري غيت وألترا ريتش، قد تم إنشاؤهما من قبل المنفيين الصينيين ممن هم على اتصال بحركة فالون غونج، الحركة الدينية المعارضة· وكثيرا ما يشجب مسؤولون صينيون فكرة حرية استخدام الإنترنت بوصفها مؤامرة ضد الصينيين·

وكمثال آخر على ذلك، فقد قامت وكالة حكومية أميركية أخرى، وهي مجلس محافظي البث، بتوظيف برامج هاتين الشركتين بنجاح باهر·

ويدير المجلس محطات <صوت أميركا> و<إذاعة آسيا الحرة> و<إذاعة أوروبا الحرة> (التي تبث الآن في العراق وأفغانستان وآسيا الوسطى)، ويتسبب في قدر كبير من البيروقراطية العقيمة· غير أنه نظرا لأن هذه المحطات الإذاعية جميعها لها مواقع على الإنترنت، فإنها تهتم بما إذا كان في استطاعة جمهورها قراءة محتواها وسماعه أم لا· وحينما تلقت هذه المحطات منحة لمكافحة الرقابة على الإنترنت – حصلت على مبلغ قيمته 5،1 مليون دولار من منحة من وزارة الخارجية في وقت سابق في آب 2010 – قامت بتخصيصها على الفور لدعم برنامجي <فري غيت> و<ألترا ريتش>· ويقوم مستخدمو برامجهم الآن بالدخول عبر موقع صوت أميركا أو إذاعة أوروبا الحرة، ويمكنهم استخدام أي صفحة أخرى أو برنامج آخر على الشبكة، بما في ذلك فيس بوك وتويتر·

وباستطاعة مجلس محافظي البث تتبع نجاحه: في البداية، لاحظت زيادة في القدرة على الوصول في إيران والصين وفيتنام (حيث يوجد بها الآن 80 ألف مستخدم)· ومؤخرا، سجل برنامج <ألترا ريتش> زيادة في استخدامه نسبتها 700 في المئة في تونس في الفترة ما بين 17 (كانون الأول)، حينما قام بائع فواكه يائس بإحراق نفسه، و12 (كانون الثاني)، يوم أن أنهى الرئيس زين العابدين بن علي رسمياً الرقابة على الإنترنت في تونس· كما لاحظ المجلس زيادة في استخدام خدمات هذا البرنامج بنسبة 6· 125 في المئة في مصر في الفترة من 21 – 27 (كانون الثاني)·

وفي واقع الأمر، في 30 يناير أصبح بإمكان ما يزيد عن 11 مليون شخص الوصول إلى الإنترنت عبر تكنولوجيا ألترا ريتش، وقد تضاعفت أعداد مستخدمي هذا البرنامج منذ الاستثمار الأول للمجلس· إلا أنه قد لا تستمر عملية التوسع؛ ففي الوقت الحالي، لا توجد وحدات خدمة لـفري غيت وألترا ريتش، ومن ثم، يجب فرض قيود على إمكانية الوصول كي لا يكون هناك حمل زائد على النظام· ومن خلال جزء بسيط من مبلغ الثلاثين مليون دولار والذي لم تنفقه وزارة الخارجية، يعتقد المهندسون بمجلس محافظي البث أنه بإمكانهم توفير إمكانية الوصول المجاني لشبكة الإنترنت لخمسين مليون فرد يوميا·

غير أنه – مع المطالب الواضحة من الكونغرس، تبدو وزارة الخارجية عازمة على إلا تمنحهم هذا الحق· ومجددا، لا يمكن تفسير ذلك·

فالمسؤولون يشيرون في الوقت الحالي إلى أنه لا يمكنهم منح أموال إلى وكالة حكومية أخرى وأنهم مكلفون بمهمة أخرى أكبر، فهم يرغبون في الاستثمار في تقديم التدريب على شبكة الإنترنت للمعارضين· وتظل هناك حقيقة أساسية: جزء من الحكومة الأميركية لديه تكنولوجيا مكافحة للرقابة على الإنترنت، لكنه لا يملك المال لتوسيع نطاق استخدامها· وهناك جزء آخر من الحكومة الأميركية لديه الأموال الكافية لتطبيق تكنولوجيا مكافحة الرقابة على الإنترنت، لكنه لم يقم بإنفاقها· ويبدو أن النظام السياسي الأميركي عاجز عن إيجاد شبكة إنترنت واحدة يتمتع البشر أجمع على حد سواء بإمكانية الوصول للمعلومات والأفكار التي تحويها· غير أن الشركات الأميركية ليست مختلفة وظيفيا، أو على الأقل إلى الآن· فبضعة ملايين من الدولارات تعد شيئاً بسيطا في الميزانية السنوية لموقع غوغل أو فيس بوك

وأعتقد أن ثمة مكاسب مالية ضخمة تنتظر الشركة التي تجد وسيلة لتقديم إمكانية وصول إلى الإنترنت غير خاضعة للرقابة يستفيد منها هؤلاء المحرومون منها· فقط يحتاج مديروها التنفيذيون إلى إظهار قدر من الجرأة والرغبة في المخاطرة أكبر مما لدى مسؤولين حكوميين·

وبالنظر لكل ما تم ذكره آنفا، لن تكون تلك بمهمة عويصة·

ترجمة اللواء

السابق
تعريف الصمم والوقاية منه..
التالي
مشروع للمسنّين في برج الشمالي