الأنظمة العربية واحدة. أثبتت ذلك وقائع الزمن الراهن: الجيش فيها لا يقاتل اسرائيل، على الأقل منذ أكثر من أربعة عقود، ومخابراتها لم تكشف شبكة تجسس اسرائيلية، أو معادية عموما، وحكوماتها لم تنفذ، يوماً، مشروع تنمية جدية إجتماعية – اقتصادية، ولم تضع مخططاً ناجعاً لردم الهوة بين الطبقات الاجتماعية، بل على العكس أجازت للمنتفعين بها المعدودين، سرقة المال العام، والخاص، وعمقت حاجة المعوزين وعممت الفقر.
لم يُعرف عن هذه الأنظمة، يوماً، تشجيعها الشباب على التقدم، ولم تضع لهم يوماً برامج تعليمية تعزز فرديتهم وتفتح أمامهم آفاق العلم والمعرفة، ولم تُترك لشعوبها حرية التعبير والتفكير.
حاولت هذه الأنظمة، باستمرار، عزل شعوبها عن العالم والتقدم: دست عسسها بينهم تحصي أنفاسهم وتقبض على أحلامهم. وإذا تركت لهم حيز حرية، فلكي تشغلهم بخلافات تبثها بينهم أو تشجعهم عليها. ولا تتردد، حين يواجهونها، في أن تعزلهم عن العالم بإقفال منافذهم على الجوار وبحرمانهم كل امكان للإتصال ومن الكهرباء والماء.
تتطابق الصورة مع إسرائيل في علاقتها مع الفلسطينيين: تمنع عنهم حرياتهم، وتحاصرهم في الضفة والقطاع، وتعزلهم وراء جداري الاسمنت والقمع. تحرمهم العيش الكريم،وتغرّبهم عن التقدم العلمي والتطور الإجتماعي والبناء الإقتصادي.
جيش اسرائيل "يتمرن" بالفلسطينيين، ويتدرب على قتلهم باستمرار، ولأجهزتها الأمنية جواسيس عليهم وبينهم تشتريهم بحماية موعودة وبتسهيل أعمالهم. وحين تشتد المواجهة لا يقف القمع الاسرائيلي عند استخدام الأسلحة النارية الأرضية، بل تشارك الدبابات والطوافات، وحتى الطائرات الحربية في محاولة إبادتهم، تماماً كما نظامي ليبيا واليمن، ولا شيء يردع الأنظمة القلقة الأخرى عن السير في المنحى نفسه.
حتى الألفاظ المستخدمة في توصيف المنتفضين على الأنظمة العربية تستعيرالمنطق الإسرائيلي المستعمل مع الفلسطينيين: إنهم مخربون.
الفارق، وربما الوحيد، أن جيش اسرائيل يخدم، في أفعاله، شعبها ودولته، أما جيوش الدول العربية فتخدم الأنظمة وأهلها. فعلّة وجود هذه الدول استمرار أهل النظام في الحكم، ودور الجيوش أن توفر الحماية لهم وليس لمؤسسات الدولة وشعبها، وخصوصا، إذ يصبح الشعب خطراً على النظام وأهله.
بالنسبة إلى اسرائيل، الشعب الفلسطيني هو الخطر. بهذا المعنى على العرب جميعاً أن يشعروا أنهم فلسطينيو أنظمتهم، ولهم أن يتساءلوا بأي منطق تجيز الأنظمة العربية لذواتها أن تدين اسرائيل لاستخدامها النار والهدم في وجه الفلسطينيين، وهي عدوهم، لتحمي دولتها وشعبها، فيما جيوش العرب تواجه شعوبها بالهدم والدمار والنار، لتحمي أنظمة فُرضت عليهم ولم يُسألوا يوماً رأيهم فيها.