دولة مستقلة لا دولة واحدة

تعتقد إسرائيل أنها اصطادت صيداً ثميناً، حين ألقت القبض على اثنين من فتيان قرية عورتا، قرب نابلس، بتهمة قتل خمسة من أفراد عائلة بوغل في مستوطنة ايتمار المجاورة، من بينهم طفلة في الشهر الثاني من عمرها.
وسائل الإعلام الإسرائيلية ذهبت بعيداً في تحليل "عناصر الجريمة" وتحليل عقلية ونفسية "مرتكبيها" بحيث فصلتها عن سياقها السياسي، باعتبارها واحدة من علامات الصراع في الضفة الفلسطينية المحتلة، حيث يلعب المستوطنون، لا جيش الاحتلال، رأس الحربة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، وحيث الاستيطان يشكل الخطر الأكبر على مصير القضية الفلسطينية ومستقبلها، فضلاً عن كونه يشكل ذريعة لإدامة الاحتلال، بدعوى توفير الأمن للمستوطنين ضد اعتداءات الفلسطينيين.

بعض الصحف الإسرائيلية صورت ما حدث جريمة تندرج في سياق حرب دينية يخوضها الطرفان اليهود والمسلمون. وكأنها تعلن انتصار الفهم الإسرائيلي للقضية باعتبارها صراع أديان، وليست احتلالا من قبل دولة عاصية على الشرعية الدولية، لأرض شعب من حقه النضال في سبيل استقلاله وعودة لاجئيه.

ليست هي المرة الأولى التي يقتل فيها أطفال ورضع بين الطرفين. على يد جنود الاحتلال المستوطنين قتل مئات الأطفال والرضع الفلسطينيون دون أن يقدم ذلك باعتباره جرائم قتل، أو حرب، بل مجرد إفراط في استعمال القوة ضد الفلسطينيين، اكتفى إزاءها المجتمع الدولي بلفت نظر الإسرائيلي إلى تجنب المدنيين في "الحرب ضد الإرهاب". كما اعتبر مجرد أخطاء بشرية لا تمس طهارة السلاح الإسرائيلي وشرف حامليه.
حادثة ايتمار، إن صدقت الاتهامات، توضح إلى أي مدى نجح المستوطنون، والاحتلال في زرع الحقد والكراهية في المناطق الفلسطينية. وإلى أي حد وصلت ردود الفعل الفلسطينية.

وتطرح هذه الحادثة سؤالاً حول إمكانية التعايش بين مشروع وطني هدفه استعادة الأرض الفلسطينية المحتلة، مستنداً إلى الشرعية الدولية وبين مشروع للاستيلاء على "أرض بني إسرائيل" مستنداً إلى أساطير وخرافات.
والسؤال يعكس نفسه تساؤلاً حول جدوى الحديث في الوقت الراهن عن "دولة واحدة" من موقع التسليم بواقع الاستيطان واستحالة اقتلاعه. وفي تجاوز لافت أن الاستيطان ليس أبنية ومنشآت، بل تجمعات بشرية ذات أيديولوجية لا تكتفي بادعاء ملكيتها للأرض، بل كذلك تنفي الآخر، وصولاً إلى قتله باعتباره رقماً زائداً.

ما جرى في ايتمار، يؤكد، استحالة التعايش بين مشروعين متصارعين، ما يعيدنا إلى أن المشروع الوطني الفلسطيني (الدولة في حدود 1967) هو الذي يقود الحالة الفلسطينية إلى بر الأمان، والخلاص من الاستيطان، على أن يلعب الوقت، والتحولات لدى الطرفين، دوراً في التمهيد لما هو محتمل في المستقبل.

السابق
كنعان: يرفضون إعطاء عون الداخلية لأنه طرف..وهو ليس “مقطوعاً من شجرة”
التالي
بسبب النفايات: نفوق سلحفاة عملاقة في صيدا