لبنان ليس خارج التحولات في العالم العربي، ولكن في إطار التأثر السلبي بها الى حد الامتناع حتى عن تأليف حكومة في انتظار أن تتبلور الصور. فاللبنانيون ينضمون الى موجة الانتفاضات العربية، ولكن بشكل معكوس. وهم ينقسمون حول دعم الانتفاضة في بلد ودعم النظام ضد الانتفاضة في بلد آخر تبعاً لتحالفات كل فريق، ولكن بما يؤذي لبنان من دون أن يفيد الانتفاضات ولا الأنظمة.
ذلك أن الانتفاضات العربية سواء كانت تحت سقف الاصلاح أو ترفع شعار إسقاط النظام، تطالب بالحرية وحكم القانون ومكافحة الفساد ومحاكمة المسؤولين والنافذين الذين يستولون على الثروة. أما (الانتفاضة) في لبنان، فإن القائمين بها يتمردون على حكم القانون ويستولون على الأملاك العامة و الخاصة. والمطلب السياسي للانتفاضات العربية هو الانتقال من نظام الاستبداد الى بناء الدولة المدنية الديمقراطية، وبالتالي من الاستئثار بالسلطة الى المشاركة. أما اللعبة السياسية في لبنان الذي كانت له مؤسسات دولة وكان رائداً في المشاركة، فإنها تذهب في الاتجاه المعاكس: الصراع على الحصص في السلطة بدل السير في البناء الجدي لمشروع الدولة، والانتقال من المشاركة الى الاستئثار.
ولا شيء يشبه ما حدث من تعديات على الأملاك العامة في بيروت والجنوب سوى (الهجوم على الذهب وغزو الغرب) في تاريخ أميركا. هناك اندفع المهاجرون الى الغرب الأميركي يتسابقون لوضع اليد على الأرض واقامة سياج حولها لتصبح ملكية خاصة. وهنا يتوسع الهجوم على الأملاك العامة لإقامة مساكن أو سواها الى حد الاستيلاء على ما يجاور حرم المطار وتهديد حركة الطيران. صحيح ان في لبنان أزمة إسكان بالنسبة الى الطبقات الوسطى والفقيرة، وان معالجة الأزمة هي آخر هموم التركيبة السياسية. لكن الصحيح أيضاً أن ذلك ليس ولا يصح أن يكون بطاقة دعوة الى الفوضى واستباحة الملكية واقامة مساكن تفتقر الى الحد الأدنى من السلامة وتخريب البيئة وتشويه الشاطئ.
ومن المهم أن يصدر بيان عن حزب الله وحركة أمل يعلن (رفع الغطاء) عن المخالفين لكن الأهم هو ألا يكون هناك غطاء. فمن زمان، ونحن نسمع بعد حدوث مخالفات خطيرة أو جرائم بيانات بتواقيع عشائر وعائلات وأحزاب تعلن (رفع الغطاء). والمعنى البسيط لذلك أننا لا نزال في مرحلة ما قبل الدولة. ومن يرفع الغطاء يعطي نفسه حق الرعاية وبالتالي وضع الغطاء.
وليس في الدول غطاء لأي مواطن سوى احترام القانون.