كانت عقليته مزيجاً من أفكار اقتصادية وسياسية مغلفة بمبادئ وقيم كبيرة. وكان صاحب كلمة في زمن صعب أن تقول فيه الحقيقة، أو أن تعلن فيه عن رأيك بشكل صريح، لذلك، فقد قدّم المغفور له بإذن الله تعالى المرحوم ناصر محمد الخرافي خلال حياته نموذجاً متميزاً لرجل الأعمال المثقف والإنساني الذي يذكرنا برجالات الكويت الأوائل الذين امتدت آياديهم البيضاء وأعمالهم الناصعة إلى خارج الكويت.
لذلك، لم تكن خسارة رجل مثل المرحوم العم ناصر الخرافي خاصة بأهله، ولا هي خسارة خاصة بالكويت فحسب، بل هي خسارة أبعد من ذلك بكثير، ويمتد فقدها إلى بلاد كثيرة، كان المرحوم لا يثنيه عزم عن تقديم ما تمليه عليه قيمه وأعراف بلده، الذي نشأ فيه محباً ومعطاء.
لقد كانت مدرسة الحياة التي تخرج فيها المرحوم كبيرة، يقودها رجل عظيم هو والده المغفور له محمد عبدالمحسن الخرافي، ونقلها المرحوم ناصر بدوره إلى أبنائه مرزوق وبدر وفيصل، وإلى أسرته بشكل عام، حتى إنك تشعر حين تصافح أحداً من هؤلاء الأبناء بأنك تصافح جذور أسرة كاملة ممتدة في عمق الأخلاق الرفيعة.
لم يقف المرحوم ناصر الخرافي على الحياد تجاه الكثير من المواقف التي مرت بها المنطقة العربية، وكنا نقرأ عن كثب شجاعة رأيه، وكانت له رؤيته الفكرية الخاصة الناجمة عن تحليل عميق لما حدث، وتقديم تصور لما قد يحدث.
لذلك، كان محل تقدير واحترام الكثير من الزعماء الذين رأوا فيه نموذجاً لرجل المواقف، ومثالاً للإنسان الصادق الذي لا يعرف كيف يتلون، ولا يقبل إلا بالمعادلة الصعبة التي تحتاج إلى رجل مثله. فتبادل معهم الأوسمة والتكريم، ومنحوه ما يستحق من موجبات التقدير، ولم يكن مستغرباً أن تقف البورصة المصرية، وهي في قمة انشغالها بالوضع الجديد، دقيقة على روح المرحوم الخرافي.
الذين عرفوا المرحوم العم ناصر الخرافي عن كثب يدركون أن أول ما يرونه فيه هو ابتسامته التي تفيض نقاء وعفوية، وأنه كان محاوراً لبقاً وذكياً يمتلك حجة الإقناع بقدر ما يمتلك من رحابة صدر على سماع الرأي الآخر.
لقد كان المرحوم العم ناصر الخرافي مؤثراً في أكثر من صعيد، فعلى الرغم من كونه رجل اقتصاد بالدرجة الأولى، وهذا ما دل عليه الاهتزاز الاقتصادي، الذي أصيبت به بعض الفعاليات الاقتصادية، لكن تأثيره السياسي لم يكن بأقل من ذلك، وقد تبدى ذلك من العزاء الذي قدمته الجهات السياسية الدولية بشتى أطيافها.
