مع دخول لبنان مدار عطلة عيد الفصح, يستغرق المشهد الداخلي في هدنة سياسية بعد الانتعاش الاستثنائي الذي شهده مسار تأليف الحكومة من خلال المشاورات وحركة الاتصالات السياسية التي عكست زخماً ملحوظاً واندفاعاً في اتجاه خرق أزمة لامست أيامها المئة, إلا أن الهدنة السياسية لم تنسحب على المستوى الأمني الذي تقدم الملف الحكومي, في ضوء البعد الخطير الذي اكتسبه ملف التعديات على الاملاك العامة للدولة من خلال مواجهات بين قوى الامن والاهالي في الجنوب ما أدى الى سقوط قتيلين, فيما استمرت الدعوات إلى التظاهر في طرابلس اليوم, وسط مخاوف من صدامات بين مؤيدي ومعارضي النظام السوري.
واستدعت هذه التطورات اجتماعاً أمنياً برئاسة رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري, حضره وزير الداخلية والبلديات زياد بارود ورؤساء الاجهزة الامنية, أكد "التشدد الحازم في تطبيق قرار مجلس الامن الفرعي في الشمال لمنع التظاهرات في طرابلس, كما في ضبط اي جهة تحاول خرق القرار او تجاوزه لأي ذريعة", فيما قرر "مباشرة التحقيق في حوادث قمع المخالفات وتحديد المسؤوليات والتأكيد على استمرار قوى الأمن في ملاحقة المخالفين ومنع التعديات".
وفي الجنوب, تطورت عملية إزلة مخالفات البناء عن الأملاك العامة والمشاعات في شكل دراماتيكي, من خلال تحول المواجهات بين الأهالي وقوى الإمن الداخلي الى صراع دموي أدى الى سقوط قتيلين وجرح عدد آخر أثناء تنفيذ الخطة في حي المساكن الشعبية بصور.
وفي التفاصيل, انه اثناء قيام دوريات تابعة لقوى الامن الداخلي بمؤازرة الجيش بقمع مخالفات البناء على الاملاك العامة في "المساكن الشعبية" تجمهر نحو 200 شخص من الاهالي واعترضوا القوى الامنية لمنعها من القيام بمهامها, ورجموها بالحجارة وضربوا عناصرها بالعصي, ما استدعى العناصر الأمنية الى اطلاق النار في الهواء, ما ادى عن طريق الخطأ الى مقتل اللبناني علي ناصر والفلسطيني وسام الطويل وجرح كل من ابراهيم طالب وجهاد حمود (من بلدة حداثا), نقلوا الى مستشفيات صور.
عقب هذه التطورات تفاقم الوضع في المنطقة, حيث انتشر الأهالي في الشارع وعمدوا الى إحراق آليتين عسكريتين تابعتين لقوى الامن رافقها قطع الطريق بالإطارات المطاطية وسادت حالة توتر شديد.
وفي هذا الإطار, أفادت مصادر أمنية في الجنوب أن عنصرين من قوى الأمن الداخلي وأربعةً من عناصر الجيش أصيبوا بجروح جراء رشقهم بالحجارة من قبل الأهالي.
وفي وقت لاحق, امتدت الاحتجاجات الى حي البرج الشمالي المجاور للمساكن الشعبية والى حي الزراعة في صور لتشمل بلدتي المنصورة والحوش, فقطع الاهالي الطرق وأشعلوا الإطارات, فيما استقدم الجيش وقوى الأمن تعزيزات للحد من الفوضى العارمة.
وأثناء تطبيق الخطة الأمنية في الأوزاعي جنوب بيروت لقمع المخالفات, وقع إشكال آخر بين رجال الأمن والأهالي, حيث حاصر المحتجون في سيارة القوى الأمنية ورجموا الصحافيين وشتموهم وحاصروهم متهمين إياههم بالتحريض, وعملت القوى الأمنية على إخراج الإعلاميين وسط توتر كبير.
وبالانتقال إلى طرابلس عاصمة الشمال, فإن حالة من الحذر الشديد تسود المدينة بسبب مخاوف من صدامات خلال تظاهرتين معارضة ومؤيدة للنظام السوري, رغم القرار الرسمي بمنعهما.
وفي هذا الاطار, أعلن حزب التحرير الاسلامي المتشدد, أمس, أنه أبقى على دعوته الى تظاهرة ضد النظام السوري اليوم على الرغم من حظر التجمع من قبل السلطات.
وقال الناطق باسم الحزب أحمد القصص في مؤتمر صحافي ان "المظاهرة مستمرة وستكون في ساحة النور عند المدخل الجنوبي لمدينة طرابلس", و"سنتوجه بشكل جماعي من المسجد المنصوري الكبير من دون الطواف في شوارع مدينة طرابلس وذلك التزاماً بقرار مجلس الامن الفرعي".
وأضاف ان "المظاهرة كانت دعما لثورة الشام ضد النظام السوري واليوم أضفنا ضد النظام القمعي اللبناني الذي اعتقل 16 ناشطاً من الحزب ومنهم من أبرحوهم ضرباً", ورأى "أن محاولات منع التظاهرة أتت بإيعاز من النظام السوري", معتبراً أن لا وجه قانونياً لمنع التظاهرة.
ولم يتضح ما إذا كانت الأحزاب المؤيدة للنظام السوري ستنظم تظاهرة مقابلة, إلا أن مصدراً أمنياً رفيعاً أكد ل¯"السياسة" أن القوى الأمنية والجيش حازمان في قرار منع التظاهرتين, بهدف الحفاظ على الوضع الأمني وعدم السماح بانفلات الأمور, لأن لبنان لن يكون مصدر إقلاق للدول الشقيقة والصديقة, ولمنع حصول أي احتكاكات قد تحصل بين المتظاهرين والمحتفلين بالأعياد من المسيحيين.
في سياق متصل, أكد تيار "المستقبل", في بيان, "أن لا علاقة به لا من قريب ولا من بعيد للتظاهر ضد النظام السوري", وأهاب ب¯"جمهوره ومناصريه الالتزام بتوجهات من الرئيس سعد الحريري لجهة الالتزام بمقتضيات الاستقرار الداخلي, وعدم الانجرار وراء أي دعوات مرفوضة بالنسبة للتيار".