كهرباء النبطية:فساد و‘بعزقة’ وحرمان

(خاصّ الموقع) 
هي مشكلة مزمنة في منطقة النبطية، لم يعرف المسؤولون لها حلولا: الكهرباء، التي لم تكن يوما حقا تقدمه الدولة إلى المواطن الجنوبي، النبطاني تحديدا، يزداد سوءا وضعها في هذه المنطقة ويزداد تعقيدا مع الأيام، ولا فارق في النتيجة، إن كانت الحكومة حكومة وحدة وطنية أو حكومة تصريف أعمالالسادسة والخمس دقائق، عقارب الساعة تجاوزت الموعد المنتظر، آلالاف الناس ينظرون إلى ساعة الحائط، يرمقونها بنظرات الحقد العميق: لن تأتي الكهرباء اليوم، "مع إنو اليوم دورنا". بعد اليوم ليس هناك من أدوار، ولا دوام، لم نعد نعرف ما لنا وما علينا، أوقات الدوام الرسمي للتيار الكهربائي أصبحت تحمل إلينا نمطا جديدا من أنواع التيارات، كأضواء شجرة الميلاد، " أون أوف، أون أوف"، وحتى كما شبهها أحدهم: "الكهرباء عنا صارت ميسدكال"، أي اتصال مفقود لثوان قليلي. وهو واقع كوميدي لمشكلة أعادت أيام "بابور الكاز" و"سراج الزيت" إلى العديد من بيوت يحمر الشقيف والزوطرين.
يتعدى الموضوع مشكلة الدوام وساعات التقنين، والإنقطاع المتواصل، فالقوة التشغيلية للتيار الكهربائي تصل حاليا بقوة 140 إلى 160 فولت، فيما تحتاج معظم الأجهزة الكهربائية إلى قوة تشغيلية بقوة 210 الى 220 فولت، ما تسبب بالكثير من الأعطال الكهربائية، وتحديدا في البرادات والغسالات وأجهزة التلفاز، والتي بمعظمها تتوقف عن العمل تلقائيا عندما يكون التيار الكهربائي ضعيفا.
برأي المهندس الكهربائي محمد سلوم أن "قوة الكهرباء في منطقة النبطية الشقيف تترواح على ثلاثة خطوط ( 3phases)، 120، 130، 140 فولت، وهي نسبة متدنية جدا"، ما يبرر تهافت الناس على شراء منظمات كهربائية للبيت كله، أو لكل جهاز كهربائي على حدة، وتتراوح أسعار هذه الأجهزة بين المئتين إلى الثلاثمئة دولار أمريكي.
هذا وتتفاقم المشاكل الناتجة عن أزمة الكهرباء التي تعيشها منطقة النبطية الشقيف، والتي كانت في السابق تْحلّ بمعظم البيوت من خلال بطارية ups تنير ظلمات ليلهم. فالراديو ما زال يحافظ على مكانته بينهم، خصوصا أن فرحة مشاهدة التلفاز تتطلب مصاريف إضافية، في وقت تغيب فيه إشتراكات المولدات الخاصة بسبب بعد المسافات بين البيوت وتحديدا في الضيع.
ومع أنّ حالات التقشف التي يعيشها الجنوبي سجلت أرقامها القياسية، إلا أن النور حاليا محرّم عليه. فبطاريةups التي ترتفع أسعارها بشكل جنوني كلما توجّه اليورو صعودا أصبحت من أسوأ الأنواع بسبب عدم الرقابة على هذا السوق، وإمكانية الغش الكبيرة فيه.
يرجع المهندس الكهربائي محمد سلوم المشكلة في سرعة تلف البطاريات إلى "عدم شحنها بشكل جيد، لأن التيار الكهربائي ضعيف، ومعظم الناس لا يلتفتون إلى هذا السبب، مؤكدا دور الغش في الموضوع، في وقت كانت صلاحية البطارية تستمر ثلاث سنوات تقريبا".
حسين عليق أبو علي، من يحمر الشقيف، فقد فقد الأمل من إمكانية الحلول: "تأقلمت مع الوضع، لا كهرباء ولا بطارية، أرجعوني إلى بابور الكاز". والجدير ذكره أنّ طلاب المدارس هم الحلقة الأضعف في المعاناة، فعودتهم إلى المنازل تكون في وقت مغيب الشمس، وهم يتممون واجباتهم ليلا على نور الشمعة.
يلجأ معظم المواطنين إلى البلديات كسلطة رسمية في ضيعهم، لحل المشكلة أو التواصل مع مصلحة الكهرباء،.ولأن صوت الفرد، أو حتى المجموعات، غير مسموع في المؤسسات الرسمية، نظم العديد من أهالي القرى تظاهرات شعبية قطعت الشوارع الرئيسية، هدفها لفت أنظار المسؤولين إلى هذه الأزمة، في ظل غياب تام لمصلحة كهرباء النبطية عن دورها في الحلول، على ما يقول رئيس بلدية النبطية الفوقا راشد غندور، مؤكدا تواصله الدائم مع رئيس المصلحة علي عز الدين: "الذي دائما يعيد أسباب الإ،قطاع إلى عدم وجود إمكانات مادية، إذ تضمّ مصلحة كهرباء النبطية ست موظفين موزعين على فرقتين للصيانة، مع عدم وجود سيارات ومعدات كافية لتغطية الأعطال".
وترجع الأوساط المحلية مشكلة الكهرباء إلى ضعف المحطة الرئيسية في كفررمان، التي تغذي قرى النبطية الفوقا، كفرتبنيت، أرنون ويحمر الشقيف، والزوطرين، إضافة إلى ضعف محطات التغذية داخل القرى، مع ازدياد العمران بشكل كبير، وازدياد تراخيص ساعات الكهرباء، التي لا تراعي القدرة الإستهلاكية في مقابل القدرة التوزيعية للمحطات في معظم القرى. هذا إلى جانب التعديات الكثيرة على الشبكة، بلا حسيب ولا رقيب.
هرمت أزمة الكهرباء في لبنان، مع مرور السنوات، وحتى اليوم لا تعرف تطورا يذكر، سوى أنها أدخلت جيل الأحفاد إلى قفصها. فابتداء من عمر الثلاث سنوات يتفاعل الطفل مع المشكلة ليربط أوقات مشاهدة التلفاز بالتيار الكهربائي، فتجد الأطفال يبتهجون مصفقي: "إجت الكهربا، إجت الكهربا".

تجدر الإشارة إلى أن خطوط الإنارة على الطرق العامة ما زالت تشغّل ليلا نهارا، مع أوقات الدوام الرسمي للتيار، لأنها حتى اليوم ما تزال مرتطبة بالشبكة الرئيسية، ولا يمكن البلديات أن تتحكم بها، ما يفسّر الهدر خلال أوقات النهار، في وقت أدخلت وزراة الطاقة "اللمبة" الإقتصادية إلى بيوت النبطية.
الكهرباء تهدر على الطرق في النهار، وتمنع عن البيوت في الليل. هي رواية سوريالية عن مشكلة أقرب إلى الخيال السلبي الشرير، منه إلى الواقع المرير.

السابق
حكومة الاكثرية والاهتراء
التالي
إشكال عوني كتائبي