يا بيّي الله يحميك الدولة مش عم تسأل فيك

بدت صور، أمس، مكاناً مناسباً للاعتصام تضامناً مع اللبنانيين العالقين في أبيدجان ضد التقصير الرسمي في إجلائهم وحمايتهم. فالمدينة ومنطقتها كانتا منذ بداية القرن الماضي وقوداً لا ينضب من المهاجرين الذين استبدل بعضهم مسقط رأسه ببلاد العاج

صور | لولا لون البشرة البيضاء واللافتات التي ارتفعت بالعربية وازدحام المواطنين من حولهم، لظنّ المراقب أنّ التجمع الذي شهدته مدينة صور قبل ظهر أمس، يحدث في إحدى ساحات أبيدجان.
اتشح عشرات الشبان والشابات الذين ساروا في شوارع المدينة، بعلم بلاد «الكوت دي فوار» وراحوا ينشدون نشيدها الوطني بطلاقة ويتحدثون في ما بينهم باللغة الفرنسية مع استثناءات طفيفة باللهجة اللبنانية، تسمع على لسان هذا وذاك.
المعتصمون هم من أبناء المغتربين اللبنانيين العالقين حالياً في ساحل العاج بسبب الأزمة الأخيرة، بل إنّهم «عاجيون»، فمنهم من ولد وترعرع هناك وحمل الجنسية العاجية حتى نسي العربية وشؤون لبنان، ومنهم من ينعم منذ نعومة أظفاره بالمال الأفريقي الذي يجنيه ذووه من بلاد الثروات. حسين خشمان مثلاً هرب قبل أيام مع أسرته من أبيدجان، فيما بقي والده لحراسة مصالحه الاقتصادية من السلب والحرق. يدرك حسين أهمية عودة والده لضمان سلامته بدلاً من موقفه المحاصر الذي يعانيه منذ احتدام الأوضاع الأمنية، إلا أنّه يجد له الأعذار التي دفعته إلى الصمود حماية لمستقبل أولاده.

حسين وشقيقته زينب كانا من أشد المتحمسين في الاعتصام، في ترداد الشعارات المنتقدة للتقصير الرسمي تجاه إجلاء اللبنانيين هناك وحمايتهم. زينب التي تحمل الجنسية العاجية وتتلعثم كشقيقها خلال محاولتها التحدث باللهجة اللبنانية مستعينة بلغتها الأم الفرنسية، تبدو ناقمة جداً على لبنان ولا تتردد في المطالبة بإنهاء الأزمة، لا ليعود أهلها إلى موطنهم الأصلي بل لتعود هي إلى وطنها العاجي. «بدنا نرجع لعنّا على أبيدجان»، تقول زينب التي كانت تأتي إلى صور في زيارات مكوكية قبل أن تعود إلى أبيدجان حيث ولدت وعاشت ودرست.

بدا المعتصمون محرجين أمس وهم يجوبون شوارع صور بدءاً من دوار الشهداء، وصولاً إلى مبنى السرايا الحكومية في الحارة القديمة. وبين هذا وذاك، اخترقت الجموع الطريق المكتظ، حاملين لافتات كتب عليها بخط اليد شعارات مثل: «يا بيي الله يحميك، الدولة مش عم تسأل فيك»، «يا دولتنا ما بيجوز، بالغربة شعبك محجوز»، «تهجّرنا تنسدّ الدين، لا رجعنا ولا انسدّ الدين». مكمن حرج الشباب الذي ظهر جلياً أنهم لا يملكون خبرة في التظاهر والسير في الشارع، هو أنّ المسيرة كانت تمر بالقرب من مبان ضخمة ومؤسسات تجارية أنشئت بمال لبناني مصدره ساحل العاج. هنا المركز التجاري الذي يملكه والد إحدى المعتصمات. مركز لا يقل ثمن محل أو شقة فيه عن 800 ألف دولار، فيما لا يملك والدها حالياً مئة دولار ليتمكن من العودة إلى لبنان أو تدبر أحواله في مخيم اللاجئين المحاصر فيه. صور بمبانيها الفخمة ومحالها الفارهة وسياراتها الثمينة كانت أمس، المكان المناسب ليعتصم لبنانيون ضد التقصير الرسمي تجاه إجلاء اللبنانيين العالقين في أبيدجان. أصل النعيم الصوري هو أفريقيا التي استقطبت آلاف الصوريين منذ عقود طويلة، حيث شكلت ثرواتها قطاعات مغرية للعمل جعلت منهم على مدار السنوات أقطاباً اقتصادية رئيسية في ساحل العاج وسواها. أجمع المعتصمون على رفع شعارات «نحن دعمنا الاقتصاد، فمن يدعمنا اليوم؟» و«ساندوا وطنهم في الشدائد، فكونوا معهم في المحن».

هكذا، لم يحسب المعتصمون المترجلون بثيابهم الغالية وبأبهى حلّة الموقف الذي وضعتهم الدولة فيه. يذكر أنّه الاعتصام الثاني من نوعه بعد نشاط مماثل نظّم مساء أول من أمس.
كذلك عاد الكثير من أبناء اللبنانيين بسبب الأزمة الى لبنان، حيث اضطروا إلى الالتحاق بالمدارس والجامعات لاستكمال العام الدراسي. لكنّ بعضهم عبر عن صعوبة يعاني منها في الاندماج بالمنهج اللبناني المختلف عن المنهج الفرنسي المعتمد في ساحل العاج. في غضون ذلك، انشغلت منطقة صور بالخبر الذي أشيع عن مقتل المغترب رائف برجي من بلدة الرمادية على أيدي مسلحين حاولوا سرقته. وعلى الرغم من أنّ عائلته نفسها أكدت الخبر صباحاً، عادت شقيقته لتنفيه خلال النهار وتؤكد أنّه لا يزال على قيد الحياة.

السابق
العائدون لامسوا المجزرة: رأينا رواندا 1993
التالي
زهرا: الذي ورّط لبنان أكثر وأكثر هو ارتباط “حزب الله” بالسياسة الايرانية