استقبالات الأسد اللبنانية عكست رغبة سورية بـ “الاستعجال”

لم يكن عادياً ان يفتح الرئيس السوري بشار الاسد «صالونه اللبناني» في لحظة انهماكه بالاحتجاجات التي دهمت بلاده من بوابة درعا، ففي غضون ايام استقبل الاسد شخصيات لبنانية عدة من القوى الحليفة له، من بينها رئيس «جبهة النضال الوطني» النائب وليد جنبلاط، ورئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية وطه ميقاتي، شقيق الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي، اضافة الى المعاون السياسي للأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله الحاج حسين خليل، والمعاون السياسي لرئيس البرلمان نبيه بري النائب علي حسن خليل.
فالأسد، الذي كان حرص على النأي بنفسه عن ملف تشكيل الحكومة في بيروت على طريقة «نزع الذرائع» من المجتمع الدولي والمملكة العربية السعودية، في اللحظة التي كانت تتهاوى فيها بعض الأنظمة في المنطقة، اضطر تحت وطأة بلوغ الاحتجاجات السورية الى معاودة مواكبة، وعلى نحو مباشر، الاوضاع في لبنان، لكن بدت استقبالاته ذات طبيعة «استطلاعية» اكثر مما عكست رغبة في «التدخل»، الامر الذي فسّرته دوائر مراقبة في بيروت بـ «استمرار الحذر السوري» المرتبط باعتبارات تتصل بعلاقات دمشق الاقليمية والدولية.
واللافت ان ما رشح عن استقبالات الاسد اللبنانية يوحي بأن الرئيس السوري غالباً ما كان مستمعاً، رغم حضه على أمرين: اهمية الاسراع في تشكيل الحكومة الجديدة، وضرورة قيام مزيد من الحوار بين الاطراف المعنية بملف الحكومة العتيدة، اي بين الرئيس المكلف نجيب ميقاتي وقوى «الأكثرية الجديدة» المتمثلة بـ «8 آذار»، ما عزّز الاعتقاد بأن دمشق لن تدخل على خط تذليل العقبات من امام ولادة الحكومة، كممارسة لعبة الاقناع او الضغط على هذا الطرف او ذاك.
غير ان الاهتمام السوري بالاستحقاق الحكومي شكل اشارة كافية الى من يعنيهم الامر في بيروت الى رغبة دمشق في الاسراع بعملية التشكيل، ربما لاعتقادها بأن وجود حكومة موالية لها في بيروت يشكل عامل مساندة او اطمئنان في اللحظة التي اوحى «اسبوع درعا» بوجود تحديات فعلية امام النظام في سورية، وهو ما عبّر عنه في المسارعة الى الاعلان عن رزمة قرارات اصلاحية اول من امس لتحصين المناعة الداخلية في وجه تلك التحديات.
وكانت حركة المشاورات المتعلّقة بتشكيل الحكومة في بيروت اخذت زخماً كبيراً بعدما اديرت محركات الاتصالات باقصى قوة سواء في دمشق او بيروت في محاولة لحلّ 3 اشكاليات: الاولى تتعلّق بايجاد حل لـ «معركة الجنرالين» رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون التي يريد عبرها الاخير تحجيم حصة الاول في الحكومة وانتزاع حقيبة «الداخلية» السيادية منه معلناً اياها «حقيبة استراتيجية». والثانية تتصل باعادة الدفء الى العلاقة «الباردة» بين عون والرئيس المكلف الذي يتمسك بدوره وصلاحياته في التأليف بالتشاور مع رئيس الجمهورية لا ان يؤلف كل فريق «حكومته» داخل الحكومة رافضاً في الوقت نفسه منح الثلث زائد واحد لاي فريق بمفرده او طائفة ومطالباً بان يكون الثلث المعطّل من حصته ورئيس الجمهورية والنائب وليد جنبلاط اذا تعذّر ان يكون الامر بيده وسليمان لوحدهما. اما الاشكالية الثالثة فتتناول تمثيل سنّة الاكثرية الجديدة في الحكومة، وهو الامر الذي يتمسك به «حزب الله» كمطلب وحيد له حتى لو على حساب تمثيله هو في الحكومة. وفي حين برزت تقارير اشارت الى ان فريق 8 آذار يربط مشاركته في الحكومة بتمثيل سنّة هذا الفريق، يتعاطى ميقاتي مع هذا الملف بحذر شديد خشية القيام باي «دعسة ناقصة» من شأنها ان تزيد من استفزاز الطائفة السنية التي ينتمي اليها لا سيما في لحظة معاودة الرئيس الحريري الامساك بها بقوة وهو ما تجلى بوضوح من خلال المهرجان الحاشد الذي اقامه الاسبوع الماضي في مسقط الرئيس المكلف طرابلس.
وانطلاقاً من هذه الاشكالات، تواصلت الاتصالات وسط تحديد غالبية الدوائر المراقبة نهاية الشهر الجاري موعداً لولادة الحكومة، تحت سقف التزمه ميقاتي وعنوانه «الانقاذ والاطلالة على اللبنانيين بحكومة منتجة تكون بوابة للحل ولا تتحول ازمة اضافية».
وقد شكّل يوم الخميس مفصلاً في مسار التشكيل اذ حمل اكثر من مؤشر الى وجود «قرار» بوجوب ان تبصر الحكومة النور في أقرب وقت، من دون ان تظهر اشارات حاسمة الى ان طريق الولادة باتت معبّدة. وقد حملت زيارة ميقاتي لرئيس البرلمان نبيه بري ثم استقبال الرئيس المكلف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط والوزير غازي العريضي عقب عودتهما من لقاء مع الرئيس بشار الاسد في دمشق، ثم استقبال ميقاتي لاحقاً النائب علي حسن خليل (مستشار بري) الذي كان ايضاً في سورية رغبة في تسريع مسار التاليف.
وعُلم ان لقاء بري ـ ميقاتي تخلله اطلاع الاخير على حصيلة لقاءات النائب خليل والمعاون السياسي للامين العام لـ «حزب الله» الحاج حسين خليل يوم الاربعاء في دمشق مع المسؤولين السوريين، كما أكد رئيس البرلمان للرئيس المكلف أنه صار لزاما كسر حالة المراوحة وايجاد مخارج تؤمن ولادة سريعة للحكومة حتى يتسنى لها مواجهة التحديات المحدقة بالبلد على كل المستويات. كما سمع ميقاتي من جنبلاط تمنيات القيادة السورية بوجوب التسريع بتشكيل الحكومة، علماً ان الزعيم الدرزي كان عبّر عن ذلك في بيان أصدره ليل الخميس وأشار فيه الى أنه «تم التأكيد خلال اللقاء بينه وبين الرئيس السوري، على أهمية تكريس مناخات الاستقرار في لبنان والوحدة الوطنية اللبنانية لحماية الأمن والسلم الأهلي، وأن الوسيلة الأمثل لتحقيق ذلك تكون في تسريع تأليف حكومة جديدة، وتخطي العثرات التي لا تزال تعترض التأليف».
 وفي حين يفترض ان يكون التواصل بين ميقاتي والعماد عون تجدد امس عبر موفدين، فان آخر المعلومات عن الملف الحكومي اشارت الى صيغتين مطروحتين: الأولى تضم 30 وزيراً وهي سياسية مطعّمة بكفايات، والثانية تكنوقراط وتضمّ 20 وزيراً، وذلك بعدما سقطت تشكيلة الـ 26 وزيراً التي كانت تناولتها المشاورات خلال الساعات االـ 72 الماضية اذ اصطدمت هذه الصيغة بتعقيدات في التوزيع الطائفي. واشارت المعلومات الى ان محاولات تجري لايجاد حلول معقولة لمطالب عون ضمن صيغة الـ 30، فيما وُضعت تشكيلة الـ 20 التكنوقراط كـ «احتياطي» يتم استخدامه بحال لم تصل المفاوضات الى نتيجة، علماً ان دوائر سياسية ترى ان التلويح بـ «حكومة جاهزة» بمعزل عن موافقة فريق الاكثرية الجديدة ربما يكون احد اوراق الضغط التي يمارسها الرئيس المكلف لحض زعيم «التيار الوطني الحر» على تليين شروطه.
وفي هذا الاطار، لم توح الاشارات التي صدرت نهار امس من الرابية (حيث دارة العماد عون) بحلول فعلية، وسط امتعاض فريق «الجنرال» من عدم تقديم ميقاتي اي عروض رسمية له تتناول الأسماء او الحقائب بل تلويحه بحكومةٍ جاهزة ذكرت صحيفة «النهار» ان عون، الذي يعرف ان لا حكومة من دونه، قابلها (يوم الاربعاء) باعلانه «اذا استطعتم تشكيلها فالله يوفق». علماً ان النائب آلان عون قال امس «ان الحكومة ستولد قريبا، ولكن النقاشات مستمرة ولم تصل بعد الى نتيجة مقبولة». كما استبعد أمين سر تكتل التغيير والاصلاح النائب ابراهيم كنعان «الحديث عن صيغة حكومية جاهزة ستصدر بعد ساعة او ساعتين»، لافتا الى أن «الحديث عن نضوج التشكيلة الحكومية هو نضوج اعلامي لان التشكيلة لم تنضج بعد والعماد عون لم يطلع بعد على الصيغة النهائية للحكومة». وأشار الى أنه «عندما يتم الكلام عن مخارج فلتطرح علينا لنعرف ماهيتها، وأي عرض رسمي لم يقدم حتى الآن للعماد عون حول صورة الحكومة الجديدة».
وكانت صيغ توزيع الحصص ضمن الحكومة الثلاثينية المفترضة تعددت، اذ رجّحت تقارير توزيعها على قاعدة 20 وزيراً لفريق 8 آذار كالآتي: عشرة لعون والنائب سليمان فرنجية، و10 لحركة «أمل» و«حزب الله» وطلال أرسلان والحزب السوري القومي الاجتماعي، ونقولا فتوش، وفيصل كرامي. اما سليمان وميقاتي وجنبلاط فيحصلون على عشرة وزراء كالآتي: وزيران لرئيس الجمهورية، خمسة لميقاتي، وهو من ضمنهم، ثلاثة وزراء لجنبلاط.
في المقابل ذكرت تقارير أخرى ان الحكومة الثلاثينية ستتضمن حصول سليمان ـ ميقاتي ـ جنبلاط على 11 وزيراً اي الثلث المعطّل، فيما اشارت معلومات اخرى الى ان هذا الثلاثي قد ينال «نصف» الحكومة اي 15 وزيراً.
ولم تستبعد دوائر سياسية ان يكون رقم الـ 15 هو السقف الاعلى الذي يفاوض عليه ميقاتي للحصول مع رئيس الجمهورية وجنبلاط على الثلث زائد واحد، بعدما بات صعباً جداً ان يحصل مع رئيس الجمهورية لوحدهما على الثلث المعطلّ، فبات نيل 11 وزيراً من ثلاثين مع رئيس «التقدمي» بمثابة مخرج يحفظ ماء الوجه، مع العلم ان رقم 15 وزيراً يوازي في «مفعوله» الـ 11 الكافي لاسقاط الحكومة بالاستقالة او تعطيل القرارات التي تحتاج الى ثلثين، في حين ان رقم 16 اي النصف زائد واحد هو الذي يعطي صاحبه القدرة على التأثير على القرارات العادية اي التي تحتاج الى اكثرية عادية.
وفي موازاة أحجية الأرقام، عاد الى التداول في اطار محاولة حلّ عقدة وزارة الداخلية أن تسمّى لها شخصية تكون مقبولة لدى سليمان وعون، وقد تردد في هذا الاطار اسم النائب سليمان فرنجيه الذي قيل انه خفف تصلبه في رفض تولي هذه الحقيبة فبات الامر «قابلاً للدرس» اذا كان ذلك الحل الوحيد لفض المشكلة بين سليمان الذي يتمسك باحتفاظ الوزير زياد بارود بهذه الحقيبة، فيما يتمسك عون باسنادها الى وزير من كتلته.
في هذه الأثناء، شهد لبنان عصر امس حدَث تنصيب البطريرك الماروني السابع والسبعين مار بشارة بطرس الراعي، الذي اقيم في بكركي بمشاركة رسمية لبنانية وعربية ودولية.
وفيما حضر كل لبنان الرسمي، اي الرؤساء سليمان وبري والحريري وميقاتي، كان البارز مشاركة دمشق بوفد وزاري رفيع مثّل الرئيس الاسد برئاسة وزير شؤون الرئاسة منصور عزام، علما أن وفودا شعبية مارونية من حلب وطرطوس واللاذقية شاركت ايضاً في حفل التنصيب.
وبدأ الحفل بقداس ترأسه البطريرك الراعي يعاونه فيه البطريرك السابق الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير. ثم اقيمت صلاة تعرف بصلاة وضع اليد على رأس البطريرك الجديد ترافقت مع وضع الكاردينال صفير والمطران رولان ابو جودة يديهما على رأس الراعي، فيما رفع المطارنة من أمكنتهم حيث يجلسون ايديهم على جانبي المذبح.
وبعد هذه الصلاة جلس البطريرك الراعي على الكرسي البطريركي وتسلم من سلَفه عصا البطريركية المارونية ثم ألقى كلمة ضمنها مواقف وعناوين دينية وكنسية ووطنية.
 

السابق
المر: العماد سليمان أمر بالتصدي للعدوان قبل وبعد وخلال حرب تموز
التالي
البحرين تمتلك أدلة على تدريب “حزب الله” عناصر من المعارضة