التدخين.. في غياب الرادع

تحفّز الحملات الوطنية الصحية المواطنين الاهتمام اكثر بصحتهم وتنشر الوعي والوقاية، معتمدة على وسائل الاعلام المنوّعة، لدفع الناس الى اتباع اسلوب حياة او ممارسات تحميهم من الامراض. واذا كانت نسبة الوعي قد زادت في المدة الاخيرة بالنسبة الى الوقاية من الامراض لا سيما سرطان الثدي وأهمية اللقاحات، الا ان حملات وقف التدخين باءت بالفشل بسبب الحملات المضادة وغياب القوانين الرادعة.
ولانجاح الحملات الوطنية التي تساعد في الحد من التدخين، لا بد من اعتماد قوانين واجراءات. وزير الصحة الدكتور محمد خليفة طمأن الى ان لجنة الصحة النيابية ولجنة الادارة والعدل انجزتا صيغة القانون، و"العمل لم يكن سهلاً نتيجة تداخل امور عديدة متعلقة بالسياحة والاقتصاد، ولكن سنصل الى نهاية تفي بالغرض، وذلك بالحد من التدخين والتدخين السلبي مع مراعاة المصالح الاقتصادية والحرية الفردية". وشدد خليفة في حديث لـ"النهار"، ان "القانون مهم لان لبنان الدولة الوحيدة بين دول شرق المتوسط لا تعتمد قوانين في هذا المجال، مما يساعدنا في الحصول على آلية دعم من منظمة الصحة لتطبيق القوانين، ووجود القانون سيلزم التطبيق"، مؤكداً ان الدول التي طبقت القوانين لم تتأثر على اي صعيد اقتصادي او سياحي، لا بل ان التداعيات السلبية على الاقتصاد تصبح كبيرة مع وجود الامراض". الثمن الاقتصادي يكون اكبر مع انتشار الامراض، فأكثر سرطان يصيب الرجال في لبنان هو سرطان المثانة خلافاً لاحصاءات الدول في المنطقة، وهو مرتبط في شكل مباشر بالتدخين، الى سرطانات اخرى ومشكلات القلب وغيرها.

الحملات الوطنية والتوعية على أمراض منتشرة

رئيسة دائرة التثقيف الصحي في وزارة الصحة الدكتورة رشا حمرا، تحدثت عن ابرز الحملات الوطنية للتوعية على أمراض معينة منها سرطان الثدي. ففي العام 2010 كانت المرة الاولى التي يتم فيها اطلاق العمل والحملات عن مرض الربو وعن صحة الفم والاسنان وعلى حملة نقص هورمون النمو عند الاطفال وعلى الهيموفيليا لتوعية النسا ولايصال المعلومات خصوصا وأن الدواء اصبح متوافرا في الوزارة.
"الهدف من الحملات الوطنية هو توعية الناس على المشكلات الصحية بالتحدث عن اسبابها والعوامل المؤدية للاصابة وامكان الكشف المبكر. ونقدم احصاءات محلية وعالمية عن المرض، لمعرفة انتشاره في لبنان، او اذا كانت الاصابات قليلة ونادرة، غير ان تأثيرها على الحياة قوي ومن الممكن ان يؤدي الى الوفاة. ونركز في الحملات ايضا على التعليمات التي يمكن للمريض وأهله استخدامها للتعايش مع المرض. ونختار ان تكون الحملات وطنية، لأننا نعتمد بالدرجة الاولى على وسائل الاعلام فلا موارد بشرية لدينا كوزارة للنزول الى الارض والقيام بمحاضرات في المناطق كافة. ومن خلال وسائل الاعلام تصل الرسالة في شكل أسرع، خصوصا اذا كانت سهلة وواضحة.
ويتجاوب الناس مع الحملات كثيرا، وهذا ما نلاحظه من خلال كثافة الاتصالات التي تردنا من المواطنين للاستفسار عن المزيد من المعلومات او طبيعة العلاجات، وكيفية مساعدة الوزارة، ونتلقى اتصالات من جمعيات علمية واجتماعية تعرض المساعدة في الحملات المقبلة من دون مقابل.
في حملة سرطان الثدي التي نطلقها للسنة التاسعة على التوالي، نلاحظ اقبالا من السيدات في مختلف المناطق اللبنانية لاجراء الصورة الشعاعية (ماموغرافي) بسعر منخفض في المستشفيات الخاصة والمراكز المتخصصة، ومجانا في المستشفيات الحكومية. مثلا، العام الماضي وصلتنا معلومات عن 10 آلاف و500 سيدة أجرين الصورة في أشهر الحملة الثلاثة.في السابق لم يكن لدينا اي احصاءات أو ارقام، اما اليوم فبدأنا نجمع الارقام لتقويم الحملات والمساهمة في انشاء سجل وطني خاص بكل مرض. وبالنسبة الى شلل الاطفال واللقاح الثلاثي في عام 2006 كانت نسبة التغطية 46 في المئة، وفي العام 2009 وصلت الى 94 في المئة، اما الحصبة فكانت نسبتها 48,5 في المئة واصبحت 93 في المئة.
في العام 2010 اطلقت منظمة الصحة العالمية اسبوع التلقيح في العالم العربي من لبنان، لتوعية الناس على اهمية اللقاحات وتوافرها في لبنان وهي توزع مجاناً من وزارة الصحة الى جميع المقيمين على الاراضي اللبنانية بمن فيهم غير اللبنانيين، وهي متوافرة في المستشفيات والمراكز الصحية كافة، مما يعني ان لا اعذار للاهل في عدم تلقيح اطفالهم.
الحملات عادة ما تحتاج الى مدة زمنية معينة كي تؤثر على الوضع الصحي للناس، اذ لم تعدّ وزارة الصحة في السابق اي دراسات لمعرفة تأثير هذه الحملات، ولكن اليوم نلاحظ، من خلال المعطيات القليلة، ان الناس تتجاوب معها.

كلفة الحملات والشركات الخاصة

لا موازنة في وزارة الصحة لحملات التوعية، لأن اموال الوزارة تصرف على الاستشفاء والادوية، ولذلك يتم التعاون مع عدد كبير من الشركات الخاصة، ومنها شركات الادوية، فيما المواد التثقيفية والنشرات الاعلامية ينبغي ان توافق عليها وزارة الصحة مسبقاً احتراماً للاخلاقيات الطبية المتبعة. ويمنع منعاً باتاً ان تضع الشركات اعلاناً من اي نوع كان، او وضع (لوغو) الشركة، احتراماً للشفافية وللصدقية لأنهم شركاء في توعية المواطن. ووفق حمرا، هناك شريك آخر غير الوزراء وشركات الادوية ومنظمة الصحة العالمية، هذا الشريك هو النقابات الطبية والجمعيات العلمية التي تساعد في اعداد المضمون الطبي، وهذا يتم مجاناً. ولكل حملة لجنة مكونة من المعنيين كافة. ونعتمد ايضاً على المجتمع المدني والجمعيات الاهلية للمساعدة في ايصال الرسالة كما يجب وتوزيع المنشورات والتبرع في تقديم محاضرات للتوعية كلاً في منطقته، بعد تزويدهم بالمواد العلمية. أما هذه السنة فطلبنا تعاون البلديات وكان التجاوب كبيراً.

منظمة الصحة العالمية

مسؤولة البرامج في منظمة الصحة العالمية الدكتورة اليسار راضي تحدثت عن اهمية الحملات، مشيرة الى انها من مكونات عدة في الصحة العامة وتهدف الى تحسين المؤشرات الصحية. فالهدف الاساسي هو التوعية عن مواضيع معينة وحماية الناس من الامراض.
وتشير الدراسات الى ان الناس تتجاوب لتحسين معلوماتها، "اجرينا في لبنان دراسات بعد حملات "الايدز" المتكررة، وحملات التلقيح والكشف عن سرطان الثدي، فاصبح مؤكدا وجود تحسن في المعلومات وسبل الوقاية والمعرفة. ففي الكشف المبكر لسرطان الثدي تبين ان نسبة النساء اللواتي خضعن للكشف المبكر ارتفعت، ولكن التجاوب ليس فاعلا في كل الحملات. وعلى سبيل المثال، حملات الحد من التدخين في لبنان تؤدي الى نتائج عكسية فيزداد معها عدد المدخنين وكذلك مدمني النرجيلة في غياب قانون يدعم الحملات. وفي حملة الوقاية من الايدز اتخذت قرارات وجهزت مراكز، وتم تدريب جهاز بشري، فاصبحت الحملة جزءا من مشروع فاعل. اما التدخين الذي بقي غير مدعوم بقرارات وقوانين، رغم جهود وزارة الصحة، فلم تعط الحملات نتيجة على الارض.
حملة سرطان الثدي دعمت بتدبير حكومي ممتاز، تخلله خفض للاسعار، مما حمّس النساء على اجراء الكشف المبكر بنسبة 3 الى 4 مرات اكثر. وبالنسبة الى الايدز فقد زادت نسبة المطلعين على المرض واصبحوا يعرفون سبب انتقاله والوقاية من 10 في المئة الى 93 في المئة. على صعيد اللقاحات، مثلا، المعدل الوطني للذين تلقحوا ضد الحصبة ارتفع بعد 3 سنوات من الحملات المتكررة الى 89 في المئة مقارنة بـ50 في المئة قبل ثلاث سنوات. وساهمت الحملات في شكل فاعل في ان تصل رسالتها لان وزارة الصحة دعمتها وواكبتها بتدابير اخرى مثل تأمين اللقاح مجاناً، ولقحت التلامذة غير الملقحين في المدارس. كذلك حملة سرطان البروستات فقد ادت الى زيادة اللجوء الى الفحص. وفي العام الماضي واكب الاعلام حملات الوقاية من انفلونزا الخنازير (اتش وان أند وان) فكانت ممتازة، لان حالات الاصابة الشديدة كانت قليلة، وادرجت الممارسات السليمة في المدارس، واصبح الناس قادرون على التعامل مع الاصابات وفهم كيفية انتقال العدوى وتفاديها.

فشل الحد من التدخين

لماذا تزداد نسبة المدخنين برغم الحملات لمكافحته؟ يجيب مدير برنامج الحد من التدخين الدكتور جورج سعادة، انه "عند اطلاق حملة ضد الملاريا مثلا لا يواجهنا البرغش بحملة مضادة، بينما شركات التدخين، وعندما نقوم بحملات ضد التدخين، تواجهنا بقوة، وهم اقوى بكثير لانهم يملكون المال والسلطة. لا احد ضد السرطان، لا احد ضد الربو او السكري، بينما هناك الكثير من المتضررين من حملات التدخين، من شركات التبغ والمستوردين والموزعين وشركات الاعلان، المطاعم، الملاهي الليلية، والفنادق. والمشكلة انهم يعتقدون خطأ ان مصالحهم تتأثر، وهذا غير صحيح. مادة النيكوتين هي مادة ادمان، ومن الصعب مكافحتها، خصوصا مع وجود من يروج لها. فالمخدرات مثلا، الجميع ضدها، ولا احد يروج لها ولا تزال مواجهتها صعبة لانها متعلقة بالادمان. كل الحملات المضادة للتدخين لم تؤد الى نتيجة في غياب القوانين الرادعة، والتي يجب ان

السابق
لو أعطيَ عون الوزارات كلها لن تحلّ المشكلة
التالي
الحالة البحرينية: المواطنة لا المذهبية