الغرب يلبس ثورة العرب …لباس العفة كي يلجمها

من الصعوبة بمكان أن تتخيل أي تحرك عربي بهذا الحجم من التغيير، وقلب الموازين أنه يجري بعيداً عن مناظير الغرب، دون تحيّن فرصة الدخول به والتأثير فيه بشعاراته وممارساته، التي وعت الفئات والشرائح المثقفة العربية على اختلاف مجتمعاتها أسلوبهُ في الوقت التي غيّب عنها الشباب العربي بما مارسه الغرب من حرب إعلامية، عبر وسائل الاتصال السريع غير المنضبط لإثارة حسه الحماسي واندفاعه في حالة اللاوعي دون رصد الهدف والطريق.
ونقف حائرين حيال ما يجري على ساحاتنا العربية من حراك ثوري وغير ثوري، وخصوصاً أننا لم نتلمس نتائجه بعد، إلا أن ما نشهده مبدئيّاً هو حراك غير منظم، توالى كأحجار الدومينو وغيبَ عنه من رصفها بشكل مسبق بهندسة وتنظيم، وما يزيد من حيرتنا أنه كان من المتوقع أن يكون حراكهم الجماعي وفي كل الدول العربية وليداً لمشروع خطر حبكته الصهيونية واحتضنه الغرب، وهو تقسيم السودان بحيث لا يبقى من أراضيه إلا الربع الفقير الخالي من الذهب الأبيض والأسود اللذين تنعم بهما أراضي الجنوب وبذا قرر قبيل إعلان الانفصال خلع عروبته وانتمائه وسط ترحاب غربي واحتضان صهيوني، وصمت عربي مطبق.

لقد كان إخفاق السياسة الأميركية في فرض مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي روّجت له وزيرة الخارجية الأميركية السابقة (كوندوليزا رايس) والذي أسقطته حرب تموز على أيدي المقاومة عام 2006، حدا بها للبحث عن أسلوب جديد مغاير يعتمد مبدأ خلق القلاقل والفوضى عبر حراك غوغائي لم تنضج لديه فكرة الثورة بمعناها التاريخي الذي تعكس طبيعتها تجارب الشعوب على اختلافها.

لقد أعلنت (هيلاري كلينتون) وزيرة الخارجية الأميركية مؤخراً أمام لجنة المخصصات المالية في الكونغرس وبوضوح أن للولايات المتحدة مصلحة كبيرة في ضمان أن تكون مصر وتونس نموذجين للديمقراطية التي تود بلادها أن تراها، وأنها خلال زيارتها لمصر وتونس تعتزم التحدث مباشرة مع الشعبين ولقاء زعمائهما الانتقاليين، عدا ما عرضته من حجم المساعدات الاقتصادية لتقديمها ببالغ الإنسانية.

ونسمع خلال زيارتها إلى ميدان التحرير حيث توج شبان الثورة المصرية مواقفهم الوطنية برفض لقائها في إشارة منهم لرفض الإملاءات الأميركية لاختراق الثورة التي لم يتلمسوا مكتسباتها بعد.
ونشهد تحرك دول الغرب من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حيال ما يجري في ليبيا، فما اتخذته فرنسا الأسبوع الماضي من خطوة أحادية الجانب للاعتراف بمشروعية المجلس الانتقالي الوطني الليبي، هو بداية لاختراق مبدئي لحرية الشعب الليبي، فقد قامت بتعيين سفير لها لديه، رغم محاولات ودعوات من الجامعة العربية لإجراء اتصالات مع المجلس، فمتى صار حضن الغرب دافئاً وحنوناً أكثر من حضن العروبة الأم على أخطائها ومثالبها؟!
وما يزيد من شكوكنا وثقتنا بصحة الطريقة التي اتبعها شبان الحراك في ليبيا هو ظهوره بشكل غير منضبط وغير منظم، ففي حمله للسلاح بدا في حالة تشبه الانفلات الأمني الذي يضرب يميناً وشمالاً ويخرب الاقتصاد في تحركات لا نكاد نشهدها إلا في أفلام العنف الأميركي ما يحيدهم عن الأهداف التي سعوا لأجلها، ويفسح المجال لقوى الغرب باختراقها تحت شعارات (حرية الشعب) وديمقراطيته والمضمون هو تحرير النفط من الشعب واستلابه.
يبدو أنه ما من سحر يأخذ بلب دول الغرب أكثر من سحر الصحراء الغنية بالذهب الأسود وهذا يدفع بإعلامها لإكمال رصف أحجار الدومينو فلجأت بعض قنواته الفضائية إلى التجوال في بيوتات الأحياء الجزائرية وتصوير سوء الحال والفقر الذي استبد بمواطنيه، وكأن الفقر والفساد والقمع بات حكراً على الساحة العربية، خلت منه شوارع نيويورك وسراديبها التي تعبث بها الجرذان وأزقة الغرب حتى بات يصدر (ديمقراطياته) و(حرياته) إلينا مجاناً.

السابق
القيادة الأميركية: تحطم مقاتلة أميركية في ليبيا
التالي
شكوى من انقطاع الكهرباء في صفد البطيخ منذ 12 يوما