الأجندة الإقليمية لسوريا تخالف أجندة حلفائها اللبنانيين

مأزق التأليف بين عدم توافق الأكثرية وعدم تدخّل دمشق
الأجندة الإقليمية لسوريا تخالف أجندة حلفائها اللبنانيين

شكّل الموقف الذي ادلى به وزير الخارجية السوري وليد المعلم من موضوع دخول قوات "درع الجزيرة" الخليجي الى البحرين معتبراً بأن له "أساساً قانونياً وليس احتلالاً ويأتي في اطار مشروع مبني على الاتفاقات الموقعة بين دول الخليج وعلى طلب
البحرين ذلك" المستند العلني الابرز في الآونة الاخيرة على تباين الاجندة السورية وأجندة حلفائها في لبنان الذين لم يخفوا اندفاعاً علنياً نحو تبني المعارضة البحرينية على نحو خاص. وكان متصلون بالعاصمة السورية نقلوا في الايام الاخيرة انزعاج دمشق من دخول قوات سعودية وخليجية الى البحرين لكن تبين عدم صحة ذلك، وفق ما ادلى به المعلم الذي تحدث في الوقت نفسه عن علاقات استراتيجية بين الملك عبد الله بن عبدالعزيز والرئيس السوري بشار الاسد، تزامنا مع نقل المعلم رسالة الى طهران على اثر زيارة نجل الملك السعودي الى دمشق حاملا رسالة في موضوع البحرين. ومع ان ما تم تداوله في الايام الاخيرة عن عودة زوار العاصمة السورية برفض كلي للتدخل في تأليف الحكومة اللبنانية عزي الى التطورات في البحرين، فان موقف المعلم حسم ايجابا هذا الاعتقاد. فسوريا كدولة لها حساباتها الخاصة ازاء ما جرى في مصر وليبيا والبحرين وتونس وهي حاذرت ابداء اي موقف من التحركات الشعبية والثورات الجارية بغضّ النظر عن الاسباب وراء هذا الحذر والتي قد تتصل في جزء منها بأن لديها الكثير من المخاوف مما يمكن ان تحمله هذه الانتفاضات في المنطقة وانعكاساتها، لكنها تقوّم جيداً موقعها كما تقوّم جيداً ايضاً أبعاد التدخل الدولي في ليبيا والتدخل الخليجي في البحرين. لكن الحسابات لدى حلفائها في لبنان تنحو، وفق ما هو معلن على الاقل، في اتجاه محاولة تبني هذه الثورات واعلان أبوتها.
وبحسب مصادر سياسية فان كلام المعلم عن البحرين هو بمثابة مفتاح لأمور عدة بما فيها أزمة تأليف الحكومة في لبنان بحيث يمكن فهم عدم التدخل السوري لمساعدة قوى 8 آذار الحليفة لها في الوقت الراهن. اذ ان الانفتاح المتجدد بين المملكة السعودية وسوريا ولو انه حصل في الايام الاخيرة حول موضوع البحرين يأمل كثر ان يتمدد الى موضوع لبنان في ظل طموح سوري لاستعادة "العلاقات الاستراتيجية" بينهما، وتالياً فان الامر يحتاج الى المزيد من تضييع الوقت في مطالبات لبنانية مبالغ فيها في موضوع الحكومة. ودمشق التي بررت موضوع دخول قوات خليجية الى البحرين تدرك خطورة ان تقف مع فريق من مذهب معين يقود المعارضة ومدعوم من ايران. اذ ثمة خشية يفترض ان تكون جدية من دفع الطائفة السنية الى المزيد من الراديكالية في ظل مشهد خليجي محتدم على وقع الاتهامات لايران بالتدخل في دول المنطقة وتسعير المعارضات فيها لما يمكن ان يتركه ذلك من انعكاسات قد لا تكون سهلة بالنسبة الى العاصمة السورية. وقد كان لافتا بالنسبة الى هذه المصادر ارغام تركيا طائرات شحن ايرانية متجهة الى سوريا على الهبوط في مطاراتها واخضاعها للتفتيش للمرة الثانية خلال اسبوع واحد على نحو يشي بالقلق الشديد من تحركات ايران في المنطقة الى جانب ترجيح اتصال ذلك بالعقوبات المفروضة على طهران.

هذه المعطيات تدفع الى الواجهة تساؤلات من نوع اذا كان ممكناً سوريا المضي في دعم تأليف حكومة يشكل "حزب الله" عمادها الاساسي في حين ان الامور قد تكون فتحت على امكان اعادة وصل ما انقطع مع العاهل السعودي وتاليا بيعه حكومة لا تحظى بمعارضته في ظل ما يجري في المنطقة وفي ظل ما يجري في لبنان ايضا، خصوصا ان الامور باتت اكثر تعقيدا مما كانت عليه حين تم اسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري. اذ ان دوافع إسقاط الحكومة كانت لبنانية وسورية في غالبيتها في حين ان عوامل كثيرة اخرى دخلت على الخط الآن ولو ان ليس هناك ما قد يكون متصلا بموضوع الحكومة اللبنانية العتيدة على نحو مباشر. لكن الحكومة تبقى عنصرا من عناصر المواجهة او ترتيب الاوراق وتخفيف المواجهة ايضا. لذلك نصحت دمشق زوارها من المطالبين بتدخلها لرأب الصدع بين الحلفاء والمساعدة في تشكيل الحكومة بأن يتفاوضوا في ما بينهم على التشكيلة الحكومية رافضة التدخل في الآونة الراهنة. اذ ان مشهداً على غرار المشهد الذي عرفته طرابلس مع الزيارة التي قام بها الرئيس سعد الحريري للمدينة لا يمكن تجاهله من دمشق ولو استخف حلفاؤها به وقللوا اهميته الى حد بعيد. علماً ان مشهد 14 آذار في بيروت يختلف من حيث طبيعته واتساعه عن مشهد طرابلس الذي قام على ثقل سني واضح له دلالاته وأبعاده في ظل المعطيات الاقليمية المتفاعلة راهنا.

ولهذه الاسباب المبدئية على الاقل، فان التوافق بين مكونات قوى 8 آذار على الحكومة العتيدة يبدو صعباً في ظل انتقادات متبادلة بين بعض هؤلاء والرئيس المكلف نجيب ميقاتي بدأت تظهر في الصالونات السياسية أكثر فأكثر والبعض من أفرقاء 8 آذار يهدد بإخراجها اكثر الى العلن وفي ظل امتناع سوري عن العمل من اجل التوفيق بين حلفائها، في حين بدا واضحاً ومحسوماً ان توافقاً من دون تدخل سوريا لا يبدو ممكناً.

السابق
عندما يصبح السلاح محكمة
التالي
تحرك «علماني»!!