سورية الحائرة بين الثورات والمذهبية

رياح التغيير والثورات العربية قد تشهد تعثرا، وقد تتخذ، في المشرق العربي والخليج، ابعادا جديدة تتصل بالصراع الايراني – السعودي من جهة، وحماية المصالح الاميركية في هذه المنطقة من جهة ثانية.
التعثر وتداخل الصراعات الاقليمية والدولية لن يوقفا هذه الرياح، التي قد تفضي الى عواصف تعيد رسم المشهد الاقليمي. التغيير بات بمثابة قدر يفرضه انهيار النظام الاقليمي العربي وتصاعد الوعي وإرادة التغيير لدى الشعوب العربية اتجاه انظمة الحكم المستبدة.
لكنّ التدخل العسكري السعودي في البحرين عبر قوات درع الجزيرة بدا إيذانا بتحوير المواجهة، بين الشعب البحريني والسلطة، الى مواجهة تستدرج التدخل الايراني المباشر وتبرره. ذلك ان ما يرفعه الشعب البحريني من مطالب مشروعة بالحرية والمساواة هي نفسها المطالب التي رفعتها الشعوب العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن وسواها من الدول. ولعل اخطر ما ينطوي عليه التدخل في البحرين هو ضخّ الدماء مجددا في المشروع الشيعي بالمنطقة تحت العباءة الايرانية.
فالطموحات الايرانية في المنطقة تجد طريقها نحو مزيد من التحقق. إذ في حين تتعامى الانظمة العربية عن مواجهة مطالب شعوبها المشروعة، تبدو على استعداد للمغامرة في اثارة المخاوف المذهبية، ما يشرع الباب امام دخول ايران كلاعب فاعل، وما يتيح مجال الانخراط، أمام الادارة الاميركية، في تفاهمات وتسويات مع ايران على حساب النظام الاقليمي العربي. لأنّ العنوان الشيعي يشكل اليوم فرس الرهان الايراني في الخليج العربي. وها هو "درع الخليج" يمهد لانطلاقة هذا الفرس بقوة غير مسبوقة.
لا شك ان القيادة الايرانية، التي تفاعلت وتستثمر مطالب المعارضة البحرينية المشروعة، لا تستمع الى مطالب المعارضة العمانية، بل لا تزال تشكل درع حماية لنظام السلطان قابوس. كما ان المواقف الايرانية لا تجد ضيرا في ادراج اي تحرك للمعارضة الايرانية الوازنة على انه تدخل اميركي او اسرائيلي في الشأن الايراني الداخلي.
فهل بات الخليج العربي اليوم، كما دول المشرق العربي، على اهبة الدخول في تحوير حراك التغيير باتجاه تبلور مواجهة عنوانها مذهبي، يبدو ان المنخرطين فيها على مستوى الانظمة، مدركون ما يفعلون.
ايران تريدها لمزيد من التمدد والنفوذ على خارطة الانتشار الشيعي في خليج النفط. والانظمة المتصدعة عربيا تحاول استخدام فزاعة المشروع الايراني – الشيعي لاستعادة دور مفقود، من خلال استثمار عصبية سنية وقومية مقابلة. اما الولايات المتحدة والغرب عموما فلا يضيرهم الدعوة إلى اعتماد النموذج العراقي مثالا أمام الدول المحيطة، بتفاهم مع ايران يكون ضحيته النظام الاقليمي – العربي والنظام الاقليمي في الخليج.
في هذا السياق، وفي ظل غياب المعلومات عن مضمون الرسالة السعودية التي نقلها نجل الملك عبد الله الى الرئيس السوري بشار الاسد، بعد القطيعة، ترجح اوساط مراقبة ان هذه الرسالة تتصل بالمخاطر التي تتلمسها الرياض، والتي دفعتها إلى التدخل في البحرين.
وترجّح الأوساط أن تكون الرسالة قد انطوت على أنّ القيادة السعودية تدرك ان اي تغيير قد يطال البحرين وسواها لن تكون سورية في منأى عنه. وتضيف الاوساط: "المبادرة السعودية في اتجاه دمشق تحمل في طياتها رسالة تحذيرية الى ايران".
مع تصغير المشهد، من العين اللبنانية للمرآة العربية، وفي ظل تعثر تشكيل الحكومة، ومع استعادة قوى 14 اذار انفاسها في احتفال الاحد، يتبيّن أنّ إسقاط الحكومة كان هدفه وجوهره استبعاد الرئيس سعد الحريري. وهذا ما تؤكده هشاشة ذرائع الاستقالة التي تمثلت بملف شهود الزور والمحكمة الدولية. اذ خرج الحريري وسيستمر الرئيس المكلف بالتزامات الحكومة السابقة الدولية، وآخر مظاهر هذا الإستمرار قبول حزب الله بعدم تضمين البيان الوزاري أي رفض لادراج التزام لبنان بالقرارات الدولية، ومنها المحكمة الخاصة بلبنان.
كما أنّ اصرار الامين العام لحزب الله على ان يظهر دوره في عملية اسقاط الحريري وتسمية الرئيس نجيب ميقاتي، لم يلق اثرا ايجابيا لدى جمهور الطائفة السنية، بل بدا مستفزا.
ربما لم يقصد السيد نصرالله هذه الغاية، لكن الجميع يدرك انّه بات ملهما لكثيرين من الشيعة في الخليج، فقد كان نصرالله يقدّم لهؤلاء نموذجا على ان الشيعة قادرون على قلب موازين القوى الداخلية.
التغيير والثورات لن تتوقف، لكن الصراع على مصادرتها يتخذ بعدا مذهبيا. سورية في قلب هذه المعادلة حائرة. وهي تتحسس اكثر من سواها حراكا داخليا عنوانه التغيير وافخاخه شتّى، الصراع المذهبي اخطرها.

السابق
اللقاء الاسلامي: ليعالج القضاء اللبناني سلوك وهاب الذي يهدد السلم الأهلي
التالي
لبنانيون يتحركون ضد السلطة البحرينية