«عملية كمال عدوان» عن خالد أبو إصبع

فجر الثامن من آذار من عام 1978 أبحرت مجموعة فدائية مؤلفة من 13 عنصرا من «حركة فتح – مجموعة دير ياسين» من سواحل الجنوب اللبناني نحو الشواطئ الفلسطينية المحتلة.
وحملت العملية، التي اندرجت في إطار تصعيد الكفاح المسلح ضد العدو الصهيوني، اسم الشهيد كمال عدوان الذي اغتالته إسرائيل في بيروت مع ابو يوسف النجار وكمال ناصر عام 1973، وهدفت إلى احتجاز أكبر عدد من الرهائن الإسرائيليين لمبادلتهم بالأسرى الفلسطينيين والعرب في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
وتضمنت التعليمات التي أعطاها مهندس العملية الشهيد خليل الوزير (ابو جهاد) لأفراد المجموعة "تحرير الأسرى الفلسطينيين، وأن يبكي مناحيم بيغن، كما أبكانا في دير ياسين. وأن يكون شموخكم في حال الأسر شموخ جبال الجليل ومعاملة النساء والأطفال معاملة حسنة، إذا ما وقعوا في أيدي المجموعة المنفذة". وأيضا "رفع علم فلسطين فوق أرض فلسطين والتشديد على روح التعاون بين أفراد المجموعة المنفذة للعملية".
وتضم المجموعة التي نفذت العملية ثلاثة لبنانيين ويمنيين، إضافة إلى ثمانية فلسطينيين من بينهم الشهيدة دلال المغربي (المفوض السياسي للمجموعة).
وتلقت المجموعة، التي كان يشرف على تدريبها بشكل أساسي ضباط من كتيبة الشهيد أبو يوسف النجار، تدريبات قاسية على السواحل الشمالية لمدينة صور والقاعدة البحرية الفلسطينية في الدامور آنذاك. وبعد اكتمال كافة التدريبات والتجهيزات اللوجستية، وتحديد الأهداف داخل فلسطين المحتلة، استقل أفراد المجموعة الـ 13 قرابة الرابعة من فجر الأربعاء في الثامن من آذار 1978 زورقين مطاطيين (زودياك) إلى عرض البحر بعدما نقلتهم باخرة تجارية من أحد موانئ الجنوب.
واستغرق إبحار المجموعة التي ضمت ستة أفراد في زورق، وسبعة آخرين في الزورق الثاني، أكثر من 48 ساعة نتيجة التخفي الذي مارسه أفرادها من البحرية الإسرائيلية التي ترابط في المياه الإقليمية اللبنانية والفلسطينية. وعلى بعد مئات الامتار من نقطة الهدف بين تل أبيب وحيفا، داخل فلسطين المحتلة تسبب غرق أحد الزورقين باستشهاد عنصرين من المجموعة، هما خالد عبد الفتاح يوسف وعبد الرؤوف عبد السلام علي.
بعد ذلك، وبحسب أحد أبطال العملية، الذي وقع في الاسر حينها خالد أبو أصبع (ابو صلاح)، والتقارير التي أوردتها بيانات "حركة فتح"، والقيادة العسكرية الإسرائيلية أوقف أفراد المجموعة الفدائية المزودة بأسلحة رشاشة وصاروخية لحظة نزولهم إلى الشاطئ الفلسطيني فتاة كانت في المنطقة، تبين لاحقاً أنها صحافية أميركية. ويروي أبو إصبع، البالغ خمسين عاما من العمر، ما اكتنزته ذاكرته من تفاصيل تلك العملية، التي قتل فيها العشرات من الإسرائيليين، وغالبيتهم من الجنود.
ويزور أبو إصبع لبنان للمشاركة في إحياء الذكرى الثالثة والثلاثين لتنفيذ العملية. وكان قد وقع في الأسر مع رفيقه حسين فياض بعد استشهاد كافة افراد المجموعة، وأطلق سراحه في عملية تبادل الاسرى (النورس) بين "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة" والعدو الإسرائيلي عام 1985. يقول: "إن تلك العملية البطولية التي تمكنا من خلالها زعزعة العدو الإسرائيلي، هي وجه من أوجه الكفاح ضد العدو". يضيف: "تأتي زيارتي إلى الجنوب اليوم، بعد زيارة سابقة أثناء اسقبال الأسير المحرر سمير القنطار قبل سنتين. ولها طعم خاص وحنين مختلف، لا سيما أن مجموعتنا تدربت على الساحل الجنوبي. وأبحرت منه نحو تنفيذ العملية في فلسطيننا المحتلة".
ويشير إلى أنه "قبل العملية خضعت المجموعة، التي لم تعرف الأهداف إلا قبل وقت قليل من تنفيذها، حفاظاً على السرية، لتدريبات طويلة شملت السباحة والغطس والهجوم واحتجاز الرهائن وسواها من متطلبات العملية"، لافتا إلى أنه "عندما انطلقنا من الساحل الجنوبي بواسطة زورقين مطاطيين كان ينتابنا شعور بالفخر لانتدابنا إلى تلك المهمة المقدسة".
وعند الوصول "إلى الشاطئ الفلسطيني بين حيفا وتل ابيب صباح السبت في الحادي عشر من آذار 1978، بعدما افتقدنا عنصرين من رفاقنا قضيا إثر انقلاب أحد الزورقين، اندفعنا نحو الشارع الرئيسي الذي كان شبه خال حيث كانت الساعة تقترب من الثانية عشرة ظهراً. وقد توزعنا إلى مجموعات صغيرة، وتمكنا من احتجاز باص إسرائيلي يعج بالركاب، كان متوجها من تل أبيب إلى حيفا. وأمرنا سائقه بالسير نحو تل ابيب. كما سيطر عدد آخر من أفراد المجموعة على سيارة أجرة، ثم تركوها بسرعة ليحتجزوا باصا آخر".
ويتابع ابو إصبع، متذكرا ذلك اليوم، عندما كان في السابعة عشرة من عمره "عمدنا إلى جمع ركاب الباصين، ومن بينهم جنود داخل باص واحد وتعدى عددهم التسعين، وفي طريقنا إلى حيفا بعدما قطعنا مسافة تتجاوز الثمانين كيلو مترا نشر جيش الاحتلال عدداً كبيراً من الحواجز على طول الطريق. وعمد إلى وضع عدد من السيارات في وسط الشارع لمنعنا من مواصلة احتجاز الرهائن. ولكننا تمكنا من اجتياز بعض الحواجز، فيما كان أفراد المجموعة الـ 11 الذين توزعوا في مقدمة ووسط ومؤخرة الباص يشتبكون مع عناصر الشرطة الإسرائيلية المنتشرين على طول الطريق، موقعين قتلى في صفوفهم، وخاصة في هرتسيليا".
ويلفت أبو إصبع إلى أن الاشتباك الكبير الذي شاركت فيه طائرات مروحية وقع عند تقاطع نهاريا – الخضيرة، "حيث أطلق الجنود الإسرائيليون النار بكثافة على الباص، فاستشهد أحد أفراد المجموعة (ابو هزاع) وعامر عامرية، وكانا في مقصورة الباص الخلفية مع ثلاثة آخرين من أفراد المجموعة".
ويشير إلى أنه "في ذلك الوقت أصيبت دلال المغربي، وقالت لي: يا ابو صلاح خذ كلاشيني وكفي المعركة. وبعد وقت قليل تمكنا من إنزالها من الباص، وكانت لا تزال على قيد الحياة، إلى جانب إحدى الشجرات في منطقة الاشتباك التي طوقت بمئات الجنود".
ويؤكد أبو إصبع على أن "أفراد المجموعة الآخرين التسعة قد استشهدوا، فيما وقعت أنا في الأسر بعدما تعرضت للإصابة إلى جانب زميلي حسين فياض"، لافتاً إلى أنه بعد خضوعه "للعلاج نقلت إلى سجن الصرفند، بعدما كانوا اخذوني إلى المستشفى للتعرف على جثث مجموعة من الشهداء، وإعطاء إفادات حول الشهداء الذين استشهدوا داخل الباص".
أما الأبطال الذين شاركو أبو إصبع العملية فهم: دلال سعيد المغربي (جهاد) وكانت المفوض السياسي للمجموعة وقائدة المجموعة، ومحمود علي أبو منيف (ابو هزاع) وكان قائد الدورية، ويحيى محمد سكاف (ابو جلال) من شمال لبنان وقبطان الزورق المطاطي، وحسين ابراهيم فياض (فياض)، وخالد عبد الفتاح يوسف (عبد السلام) استشهد غرقاً، ومحمد حسين الشمري من اليمن، وعبد الرؤوف عبد السلام علي (عبد السلام) من اليمن، وعلي حسين مراد (اسامه) من بلدة الحنية في جنوب لبنان، وأحمد راجي شرعان (وائل)، ومحمد فضل اسعد (ابو الرمز)، وعامر أحمد عامريه (عامر) من شمال لبنان، ومحمد مسامح.

السابق
نهر الزهراني .. غزارة مياه وسط معاناة خانقة
التالي
ايران: التدخل العسكري الاجنبي في شؤون البحرين غير مقبول