بيروت “أم الثورات”

تبدو كلمة "لأ" التي اختارتها قوى 14 آذار محورا لشعاراتها، في الذكرى السادسة لانطلاق "انتفاضة الحرية والاستقلال في لبنان" وكأنها أبجدية في حجم المنطقة كلها وخصوصا في هذه المرحلة التي تشهد تحولا تاريخيا، حيث تتوالى الثورات والانتفاضات والتظاهرات، مطالبة بوقف سياسات العسف والترويع والاكراه التي تمارسها الانظمة ضد الشعوب.
عمليا يمكن كلمة "لأ" ان تختزل قاموسا كاملا من المواقف والمشاعر والقرارات، وخصوصا عندما تصل الامور بالشعب او بالجماعة أو حتى بالفرد، حد الكيل عندما يطفح بالصمت والصبر والمسايرة والتغاضي، وهو ما فندته تقريبا وثيقة 14 آذار في البريستول أول من أمس، وما ستحاول جموع المتظاهرين ان تهتف به غدا في "ساحة الحرية".
واذا كان الرئيس سعد الحريري قد أدخل كلمة "لأ" الى سياق خطابه السياسي قبل مهرجان "البيال" وبعده، فان في مضمون هذه الكلمة ما يمثل قرارا باعتماد ما يمكن اعتباره سياسة "الصمود والتصدي" في وجه "جبهة الصمود والتصدي"، التي اختارت لبنان ساحة لشن الحرب ضد أميركا واسرائيل كما أعلنت طهران صراحة، والتي تعمل الآن كما يقول أهل 14 آذار على إدخال لبنان الى هذه الجبهة!
 وعندما تقول وثيقة البريستول ان قوى 14 آذار تحرص على المعارضة السياسية السلمية في اطار من الديموقراطية وحرية الرأي، فان ذلك يعني حرصها على استعمال سلاح الكلمة في وجه كلمة السلاح. بمعنى أن "لأ" تعني حق الاعتراض وحق الرفض وحق الاختيار وحق التعبير. وهي حقوق يرى أهل 14 آذار ان "حزب الله" وحلفاءه تجاوزوها باستمرار منذ عام 2005 وتحديدا في اطار الخلاف الجذري على المحكمة الدولية وعلى موضوع السلاح، الذي استعمل ويستعمل في الداخل، إن عبر النيران الحية او عبر الضغوط والتلويح بالعصا الغليظة، وهو ما أدى اخيرا الى الانقلاب في موازين القوى النيابية وما نتج عن ذلك من تغيير في السلطة التنفيذية تصفه المعارضة الجديدة بأنه "انقلاب قناعه دستوري ومضمونه ترهيبي"!
تقول المعارضة الجديدة ان الأمور لم تعد تقتصر على اسقاط الحكومة من هنا والسعي لاسقاط المحكمة الدولية من هناك، بل ان سياسة قضم الدستور مستمرة بهدف الهيمنة المقنعة على الدولة. وقد ورد هذا صراحة في سياق وثيقة البريستول ومن المؤكد أنه سيتكرر على ألسن خطباء الاحتفال في وسط بيروت غدا.
ولكن إلى أين من هنا؟
طبعا ليس كافيا ان تذيع قوى 14 آذار وثيقة مفندة ومفصلة تشخص الواقع الأليم على الاقل لأن الجماهير التي ستلبي النداء غدا وتتقاطر الى "ساحة الحرية" مجددة العهد لانتفاضة الحرية والاستقلال ومؤكدة التمسك بالدستور وبالمحكمة الدولية ورافضة غلبة السلاح على ارادة الناس كما قال سعد الحريري، هذه الجماهير تحتاج الى خطة عملية ومنهجية مسؤولة تطبقها 14 آذار في المعارضة. والمعارضة مسؤولية أكثر من السلطة وخصوصا عندما تُدار السلطة
بخيوط خفية!
وطبعا ليس مقنعا أن ترتفع شعارات في مواجهة شعارات "لا لغلبة السلاح" تقول: "… واسرائيل تريد اسقاط سلاح المقاومة"، لأن اللبنانيين من الناقورة الى النهر الكبير يدركون تماما ان 14 آذار تدأب على القول انها تريد انهاء استعمال السلاح في الداخل وقيام سلطة الدولة، لا إسقاط السلاح في وجه العدو الاسرائيلي. وأن المقاومة ضد اسرائيل ليست مسوغا يسمح بفرض غلبة السلاح على اللبنانيين!
في أي حال، كانت بيروت في التاريخ "أم الشرائع". ومع "عصر النهضة" صارت "أم المعرفة"، أو مكتبة العرب ومطبعتهم ولسان حالهم في الشرق والغرب.
الآن لا يستطيع أحد أن ينكر ان بيروت هي "أم الثورة العربية" وأن ساحة الحرية فيها هي أم الساحات والميادين. ذلك ان الزمن لم يطُل كثيرا لكي تلفح رياح "انتفاضة الحرية والاستقلال في لبنان" العالم العربي من المحيط الى الخليج تقريبا.
قبل ستة أعوام، وتحديدا في 14 آذار من عام 2005، انطلقت من بيروت الانتفاضة التي دفعت ربع الشعب اللبناني الى "ساحة الحرية" لتشكل نسبيا رقما قياسيا في التاريخ، اذ لم يسبق ان خرج ربع الشعب في أي بلد في تظاهرة واحدة. فعندما يخرج أكثر من مليون لبناني مطالبين بالحقيقة والعدالة وبالحرية والسيادة والاستقلال، فان ذلك يساوي حسابيا وعلى سبيل المثال، خروج 20 مليون مصري للمطالبة
بالتغيير.
لكن لنتذكر ما كتبته صحيفة "The GUARDIAN" يومها:
"ما يحدث في بيروت لا يثير الاعجاب فحسب بل انه سينفخ الحياة في كل أنحاء المنطقة". ولنتذكر أكثر اننا جميعا في النهاية شركاء في صنع حياة لبنان.
 

السابق
فيلـم «جمهوريـة دلال» يسـتحضر الشـهيدة والأسـير سـكاف
التالي
حمادة: لرفض الطغيان..