ملف الرئاسة (2): ميشال عون.. حلم الرئاسة المزمن

ميشال عون
في الحلقة الثانية من الملفّ الرئاسي ينشر "جنوبية" اليوم سيرة ذاتية وسياسية عن ميشال عون، العسكري وقائد الجيش ورئيس الحكومة والزعيم المسيحي المهزوم والمنفي إلى فرنسا وصاحب أكبر كتلة وزارية في تاريخ لبنان وصلت إلى 10 وزراء في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي... الذي يريد تتويج تاريخه بمقعد رئاسة الجمهورية في بعبدا.. هو الذي "حكم" بعبدا عاما تقريبا حين ترأس حكومة عسكرية في 1988، وهو الوحيد الذي حلّ مجلس النواب وأعلن الحرب على سوريا.

عندما اقتحم الجش السوري قصر بعبدا ونفي الجنرال ميشال عون الى فرنسا عام 1990 وبدأ أنصاره يكتبون على الجدران عبارة “عون راجع”، لم يكن يخطر ببال أحد أنّه سوف يعود إلى لبنان بعد 15 عاما حليفا لسوريا وأنصارها، ومدافعا شرسا عن محورها الممانع الذي تقوده إيران ويتزعمه حزب الله في لبنان.

إنّه هاجس الرئاسة، رئاسة الجمهورية. ويقول العارفون بطبع الجنرال والمطّلعون على سيرته إنّه لن يتورّع عن القيام بأيّ عمل… وطنيا كان أم غير وطني، ومحالفة أيّ جهة، صديقة كانت أم عدوّة، كلّه في سبيل الوصول إلى كرسي الرئاسة في بعبدا.

يتزعّم اليوم ميشال عون كتلة نيابية مؤلّفة من 27 نائبا هي “كتلة الإصلاح والتغيير”. وهذه الكتلة أمّنها تحالف ميشال عون الانتخابي مع حزب الله وأنصاره في فريق 8 آذار. ولأنّه بات صاحب أكبر كتلة نيابية يرأسها مسيحي ماروني، فهو يعدّ نفسه صاحب الحقّ الأوّل في الحصول على رئاسة الجمهورية، وأنّ حقّه هذا هُضِمَ في تسوية الدوحة عام 2008 عندما جيء بقائد الجيش ميشال سليمان رئيسا للجمهورية.

في العامين الأخيرين من ولاية الرئيس أمين الجميل الرئاسية ساءت العلاقة كثيراً بينه وبين النظام السوري برئاسة الرئيس حافظ الأسد، ما زاد تأزّم الأوضاع الداخلية وتعذّر لقاء القيادات السياسية، كذلك تعذّر الإتفاق على رئيس للجمهورية. في الساعات الأخيرة من ولايته فوّض الجميّل أمر تشكيل حكومة عسكرية إلى العماد ميشال عون في 22 أيلول 1988، بعد اعتذار النائب بيار حلو عن المهمة والتفاف “جيش الشرقية” وبعض “ضبّاط الغربية” وجنودها حول قائدهم وحصول ضغوط كثيرة.

لكنّ الوزراء المسلمين، وهم اللواء محمود طيّ أبو ضرغم ( درزي) والعميد لطفي جابر (شيعي) والعميد هشام قريطم (سني)، استقالوا فورا، فاعتبرها البعض حكومة “شرعية” والبعض الآخر “غير شرعية” فيما اعتبرها العميد ريمون إدّه شرعية واعتبر حكومة الرئيس سليم الحص دستورية…

بعدها انتقل العماد عون رئيس الحكومة إلى القصر الجمهوري وكان أوّل رئيس عسكري لحكومة انتقالية في تاريخ لبنان “ينعم” بقصر الرئاسة لنحو سنة. وأصدر مرسوماً بعد إعلان اتفاق الطائف حلّ بموجبه مجلس النواب في 4 تشرين الثاني 1989 لأنّ النواب “أرسلناهم إلى الطائف وأعطيناهم فرصة للسلام، فعادوا بصكّ استسلام”.

ثم أعلن العماد عون “حرب التحرير” من الجيش السوري الذي “يحتلّ لبنان”، مشيرأ إلى أنّ “معركة التحرير بدأت… ووقف النار سيكون مع الدولة السورية”، وبالغ في مهاجمة الرئيس السوري حافظ الأسد شخصياً(…) وأضاف أنه “هزّ المسمار” وأن القوات السورية ستنسحب.

ثم كانت حرب المرافئ في وقت بدأت القوات السورية التحضير لـ”أخذ الثأر” وردّ الإعتبار، وكان لها ما أرادت في 13 تشرين الأول 1990 عندما شنّ الطيران الحربي السوري غارات على قصر بعبدا، بغطاء أميركي وغربي وعربي، فهرب عون إلى السفارة الفرنسية، التي تعتبر أرضا فرنسية، و أعطى أوامر إلى جنود الجيش الذي يأتمر بإمرته بأن يتلقّوا الأوامر من العماد إميل لحّود، الذي صار قائدا للجيش لاحقا ثم رئيسا للجمهورية، في حين أصبح عون منفيا إلى فرنسا.

إذا من السفارة الفرنسية في الحازمية، على بعد خطوات من قصر بعبدا، إلى بارجة في عرض البحر ثم إلى “فيلا غابي” في باريس ومنها إلى “الهوت ميزون” حيث مكث نحو 15 عاماً، وعاد بعدها ليقود تكتلاً نيابياً هو التكتل المسيحي الأكبر، متحالفا مع إيران ومع بشّار الأسد، رئيس سوريا ونجل الرئيس حافظ الأسد الذي هزم عون ونفاه ونكّل بجنوده وما زال عدد كبير منهم مختفيا في أقبيته إلى اليوم.

في 26 نيسان 2005 بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط، عاد وحصد عدداً كبيراً من النواب، منطلقاً من معارضته اتفاق الطائف، م أعلن حلفه مع “حزب الله”.

ورغم زيارته ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري في طريقه من المطار إلى منزله، وزيارته في وقت لاحق قائد “القوات اللبنانية” سمير جعجع في سجن وزارة الدفاع، بدأ ذاك “الود” بينه وبين أركان “ثورة الأرز” يتلاشى مع كشف وساطة قام بها الرئيس لحود عبر نجله النائب السابق إميل، والمحامي كريم بقرادوني، وشبه اقتناع ساد بين قادة 14 آذار وجمهور “ساحة الحرية” بأنّ ثمة “صفقة” باركتها سوريا أثمرت هذه العودة.

زاد في هذا الاقتناع اللقاء الذي عقده عون مع الأمين العام لـ”حزب الله” في 6 شباط 2006 داخل كنيسة مار مخايل في الشياح، على بعد المسافة نفسها من قصر بعبدا ومن حارة حريك التي جاء عون منها. ومن هناك أعلنا “ورقة التفاهم”بين “التيار الوطني الحرّ” وبي “حزب الله”، وهي ورقة في رأي “قوى 14 آذار” غطّت سلاح حزب الله مسيحياً واعتبرت فيها أنّ عون “نقض تاريخه المناوئ للميليشيات وعداءه الواضح لكل بندقية غير شرعية، هذا العداء الذي انطلق منه لإعلان الحرب على القوات عام 1989”.

أسست الورقة لتحالف انتخابي عريض على حساب “التحالف الرباعي”، وترافق “التيار” مع “الحزب” وحلفائه في انتخابات 2009، الأمر الذي مكّن العماد عون من ترؤس الكتلة النيابية المسيحية الأكبر في مجلس النواب. أما انفتاحه على سوريا، الذي توّجه بزيارة دير مار مارون في براد بمناسبة عيد شفيع الموارنة، فيبرّره عون بأن “لا مشكلة عندي مع النظام السوري ما دامت قواته خرجت من لبنان، والزيارة تهدف إلى تعزيز الوجود المسيحي المشرقي”.

وهنا السيرة الذاتية للعماد ميشل عون:

ولد ميشال نعيم عون في حارة حريك فوي ضاحية بيروت الجنوبية في 18 شباط 1935. ورغم أنّ الضاحية باتت “حليفة” اليوم إلا أنّه لم يعد إليها في مناسبة أو اثنتين، وفي اجتماعات عقدها مع الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله.

كان في العشرين من عمره، وتزوّج من ناديا الشامي، وهي من زحلة، ولهما ثلاث بنات هنّ: ميراي متأهلة من روي الهاشم، كلودين متأهلة من العميد شامل روكز، شانتال متأهلة من الوزير جبران باسيل.

دخل المدرسة الحربية عام 1955، وتخرّج في اختصاص مدفعية ليتنقّل  من الحدود الجنوبية حيث كان موقعه خلال حرب 1967، وبعدها إلى صيدا التي خدم فيها طويلاً وغادرها بعد سقوط الدامور عام 1975، ثم في مناطق عدة مختلفة، وفي مقدمها تل الزعتر، حيث بنى علاقة مميّزة مع قائد تنظيم “نمور الأحرار” المهندس داني شمعون، كذلك بنى عون علاقة جيّدة مع قائد “القوات اللبنانية” بشير الجميل وربطتهما صداقة. ونشط مع مجموعة كبيرة من الضبّاط ضمن “التنظيم”، وهو فصيل عسكري مدعوم من الجيش، وتحديداً من المخابرات أيام مديرها العميد جول بستاني، ومن المجموعات الكنسية وفي مقدمها “الرابطة المارونية” و”الرهبانية اللبنانية المارونية”، قبل أن يخضع لدورة تدريبية في المدرسة العسكرية العليا في باريس.

عاد إلى بيروت في 1980 وعُيِّن قائداً لقطاع عين الرمانة، ومن هناك بدأ عام 1982 إنشاء اللواء الثامن في الجيش، وهو اللواء الذي تم تدريبه تدريباً مميّزاً وتسليحه سلاحاً فعالاً تمكّن بنتيجته من الوقوف بوجه القوات الاشتراكية والفلسطينيّة المدعومه من سوريا في حرب الجبل بين 1983 و1985.

السابق
حكاية شهيد تختصر قصة الثورة السورية
التالي
حزب الله يريد ميشال عون مرشّحا رئاسيا.. وليس رئيسا