صباحية الإعلام اللبناني: دردشة في الفراغ

في لبنان اكثر من شاشة، واكثر من موقف، واكثر من بلد. الى درجة انه صار لكل شاشة بلد ومقاطعة. في السياسة اختلفنا لكننا تشابهنا في تتفيه المجتمع اللبناني وتسطيحه... في بانوراما بسيطة على الشاشات خلال الفترة الصباحية ماذا نجد؟

بُعيد اجتياح العراق عام 1992 بدأت الفضائيات العربية تبثّ على مدار الأربع والعشرين ساعة. دخلت الى كل بيت. كنّا سابقا مُجبرين لا إراديا على مشاهدة التلفزيونات المحليّة، وبات في استطاعتنا “الهروب” الى الفضاء الأوسع.

مع انطلاق عصر الفضائيات صار نهارنا يبدأ مع مذيعات ملأن وجوههن بالنعومة الفائقة واللهجة البيضاء والإتيكات المبالغ بها. ولم نرهنّ يوما يشبهن أيّ مجتمع عربي في أيّ صورة من الصور. لدرجة كنا نعتقد معها أنّهنّ آتيات من مكان قصيّ جدا.

واخترعت التلفزيونات اللبنانية الفترة الصباحية، وكانت البداية مع تلفزيون المستقبل في “عالم الصباح، الذي قلّدته المحطات الأخرى، فصار “عالم الصباح” مثل البضاعة الصينية، واحدة من حيث الشكل، لا فروقات ولا تمييز. ولا حرفية في العمل الاعلامي التلفزيوني التي يجب ان تظهر عبر الحيوية والبساطة في الفقرات.

واخترعت “المنار”، التابعة لـ”حزب الله” “ما بعد الظهر” كفترة صباحية، مخترقة السائد. وجاءت برامجها جادة رسمية مقطّبة الجبين مثل برامجها العامة، وفيها مقابلة مع لغويّ متخصّص في اللغة العربية، او التراث، او الاخلاق، او حوار مع رجل دين مسلم…

ورغم تميّز “عالم الصباح” من على شاشة المستقبل بالسلاسة، إذ حصد المشاهدين من بقية المحطات بسبب تنوع برمجته من صحة الى تغذية الى بيئة الى شعر الى كتب الى ابراج وموضة.. الا انّه لم يخرج عن اطار الدُرجة اللبنانية في المسايرة والتفاهة والبياخة.

واخترعت الـ”ال. بي. سي”، اضافة الى كل ما تقدم، من خلال “نهاركم سعيد”، فقرة قراءة الصحف وحال الطرق والفقرة السياسية مع ضيف يومي.

تميز نهار الـ”أم. تي .في”، بعد عودتها، بصبحية على طريقة المجلات النسائية العربية حيث الثرثرة وسفاسف أمور الحياة العصرية والرطن بالفرنسية الى درجة ان فقرة المطبخ صارت تحتاج لمترجم الا اذا كانت المحطة توجهه للفرنسيين في لبنان فقط!

وكذلك الامر بالنسبة لفترة الصباح على “أو.تي.في” التي لا تبتعد عن غيرها من البرامج الا بإضافة فقرة دينية مسيحية.

وأصبح استنساخ برامج الصباح في المحطات التلفزيونية المحليّة أمرا محتمّا، فلم يأت أيّ مُعد بأفكار خاصة لانهم انطلقوا من فكرة واحدة هو تعبئة الفراغ ونقله الى فترة ما بعد الظهر.

وحدها “الجديد” لم تدخل سوق الصباح الا بالفقرة السياسية، ولم تستنسخ اي برنامج صباحي من اي محطة زميلة. وقد دار فيما مضى حديث اعلامي عن تجهيز ما يُسمى فترة صباحية الا انها لم تنطلق ولم تر النور لأسباب مجهولة.

والسؤال: هل انّ تفاهة البرامج الصباحية سببها أنّها موجهة إلى شريحة معينة من المجتمع؟ ام لأنّ الجمهور يكون في فترة الصباح موزّعا بين العمل والجامعات والمدارس، اي خارج المنزل غالبا؟ ام انّ الاعتقاد السائد هو انّ السيدات يطلبن هذه الفقرات، لاسيما فقرات الطبخ والابراج والتبصير والاحلام والارقام؟

أليس مهما للمرأة أيضا ان نتحدث اليها عن قضاياها الاجتماعية كالعنف والطلاق والزواج والاولاد والمال والمشاريع الانتاجية والمهارات الفنية؟

والبارز ان هذه البرامج لا تبتعد عن كونها برامج دعائية للجمعيات والمؤسسات والمسؤولين فيها، للحديث عن منجزاتهم وأعمالهم وحاجاتهم. ولا تتعدى هذا الهدف في اي فقرة. كأنّ هذه الفترة ليست الا فترة مساندة للجهة التي تدعم هذه المحطة او تلك.

سؤال إضافي: أين الابداع الفني؟ بل أين الافكار الرائدة؟ فالمشاهد اللبناني لا يرى الا نوعا واحدا من البرامج الفنية الغالبة على المحطات والبرامج ذات الاصل الاوروبي والاميركي، من برامج الهواة، الى برامج اكتشاف المواهب، الى برامج افضل سبّاح، وافضل راقص، وافضل طباخ، وافضل نكتجي..

على الجديد وحده مثلا ثلاثة برامج “طقّ حنك” مع الفنانين من النوع نفسه من علي الديك، الى رابعة الزيّات، الى “ذي ليديز”.

اما على الـ”ال.بي .سي” فنجد اربعة برامج فكاهية من “دمى قراطية”، الى “كوميكاز”، الى “بسمات وطن”، الى “كتير سلبي شو”. وعلى “المنار” اكثر من ثلاثة برامج دينية.

هي المبالغة، بالضحك، أو بالدين، أو بالرقص، أو الصباح السخيف.

السابق
احتراق دار آل الدرويش: محو آخر أثر للإقطاع
التالي
عن إدانة المؤنّث وتبرئة المذكّر: لماذا حور العين؟