الستاتيكو الأوبامي

منذ دخول الرئيس الأميركي الديمقراطي، باراك أوباما، البيت الأبيض، لم يترك الجمهوريون فرصة في عرقلة مشاريعه التي طرحها، وفي مقدمتها الملف الصحي الذي بات يعرف ب” أوباما كير”، كما في الخطوات الإصلاحية التي قام بها لمواجهة الأزمة المالية في العام 2008، وصولا إلى أزمة الموازنة في 2013 التي أقفلت البلاد وشلتها، نتيجة معارضة الجمهوريين الشديدة للمشروع، ومحاولة الضغط على أوباما، لتعطيل مشروعه الصحي، ويُنتظر أن تكون الحملة أقوى في المرحلة المقبلة، مع سيطرة الجمهوريين على مبنى الكابيتول، بمجلسيه النواب والشيوخ، خصوصاً في مشروع أوباما حول الهجرة.

بالطبع، لن تحمل السنتان المقبلتان لأوباما معارك رابحة مع الجمهوريين، في سياسته الداخلية كما الخارجية، وهو ما بدأ يظهر من التصاريح الواضحة لنواب في الكونغرس، حول ليس فقط عدم تمرير مشاريع جديدة، بل إعادة البحث في بعض المشاريع، ومنها أوباما كير، ما سيعرقل العمل بين الكابيتول والبيت الأبيض، ولن يسمح بتمرير أي من المشاريع الرئاسية، أو على الأقل تجميدها، والدخول في مرحلة الستاتيكو، لأن الرئيس الأميركي سيكون من الصعب عليه المواجهة، بعد خسارة حزبه في الانتخابات، وإقراره بهذه الخسارة واحترامه خيار الشعب الأميركي، على الرغم من الحق الممنوح له دستورياً في اتخاذ القرارات، وتجاوز الكونغرس في بعض القضايا.
موقع أوباما الضعيف هذا لن تكون نتائجه داخلية فقط، فالاستحقاق الأبرز الذي يواجهه في الأيام المقبلة سيكون في الرابع والعشرين من الشهر الحالي، الموعد المفترض لتوقيع الاتفاق النهائي بشأن النووي الإيراني، والذي يعارضه الجمهوريون، وقد أعلنوا رفضهم له، ما سيزيد الضغط عليه في المرحلة المقبلة، وسيجعله مكبلاً في حال أراد التوقيع النهائي. أوباما الحريص على عدم إفشال المفاوضات استكمل الاتصالات واللقاءات في أكثر من عاصمة، وكان آخرها الاجتماع في مسقط بين وزير خارجيته، جون كيري، ونظيره الإيراني، محمد جواد ظريف، بحضور المبعوثة الأوروبية كاثرين آشتون، والذي أفضى إلى اللااتفاق واللافشل، بمعنى الحديث عن تقدم بسيط من دون الإعلان عن الفشل، وهو حاجة للطرفين، الأميركي والإيراني، في الوقت الراهن، ما يعني الستاتيكو باستكمال المفاوضات والتمديد لها، من دون القطع والعودة إلى الوراء.
وفي السياسة الخارجية، أيضاً، يستكمل أوباما حربه على داعش مع التحالف الدولي، ضمن استراتيجية عدم التغيير عبر الضربات الجوية، والخطة من ثلاث سنوات التي بدأها، والمترافقة مع بعض الخطوات في سورية، عبر تدريب المعارضة المعتدلة، وهو مشروع طويل الأمد، من دون تغيير في الواقع على الأرض، ما يعني استمرار الستاتيكو القائم ميدانياً مع تعديلات طفيفة، لا تقلب الموازين القائمة، ولا تُحدث تحولاً في الصراع.
أما في الملف الفلسطيني الإسرائيلي، فعلى الرغم من كل العلاقات غير الودية بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، وإعلانه تبني مشروع الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية، لم يستطع، ولن يستطيع، في المرحلة المقبلة، تمرير عودة المفاوضات، مع استمرار إسرائيل في سياساتها الإستيطانية، وهو لن يعلن مباشرة عن الفشل، أيضاً، بل سيلجأ إلى الستاتيكو القائم، بزيارات لكيري من وقت إلى آخر، للقول إن المساعي لا تزال مستمرة، من دون أي نتيجة.
هي مرحلة لن تكون سهلة على الرئيس الأميركي، ولن تنفع النيّات الحسنة، وحدها، في إحداث أي تغيير في الملفات الداخلية، كما الخارجية، في ظل وجود كاسح للجمهوريين في الكونغرس، وربما السمة الأبرز التي ستطبع السنتين المقبلتين هي سياسة “العرقلة” التي تقود أوباما مجدداً إلى التجميد أو اللاقرار الحاسم، أو ما بات يعرف في عهده ب “الستاتيكو الأوبامي”.
http://www.alaraby.co.uk/opinion/3c773819-ef8a-41a0-ad03-131545e92ea4

 

السابق
العام 2014 الأكثر حرارة
التالي
جنى فوّاز الحسن: كل حب يبدأ كمشروع لهو والحقيقي يفوز